التفاهم “المصري الحمساوي” يضيق الخناق على الإرهاب في غزة

محمود

رؤية – محمد عبد الكريم

غزة – لم يمض سوى شهرين على عودة الأمور إلى نصابها الصحيح ما بين قطاع غزة والعمق العربي المصري، عقب التفاهمات التي ضيقت الخناق على الإرهابيين على جانبي الحدود، حتى انفجر الارهاب في القطاع، بوجه حراس الحدود الجنوبية مع مصر من أجهزة حماس.

وقد فجر الارهابي والعضو في تنظيم داعش، مصطفى كلّاب نفسه، الخميس الماضي، وسط مجموعة من عناصر الضبط الميداني التابعة لكتائب القسام التابعة لحركة حماس، والمكلفة حماية الشريط الحدودي مع مصر في مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة، وذلك خلال مطاردته ورفيقه أثناء محاولتهما التسلل عبر الحدود الى مدينة رفح المصرية للانضمام الى التنظيم المتشدد “ولاية سيناء”.

الإرهابي مصطفى كلّاب قُتل وجُرح رفيقه، وخمسة من عناصر الضبط الميداني، من بينهم الجعفري الذي لفظ أنفاسه لاحقا في المستشفى متأثراً بجروحه.

التفجير الذي جاء على وقع التفاهمات المصرية الحمساوية، يعكس جدية من الاخيرة في محاربة الارهاب وتطبيق ما اتفق عليه، وغضبا من قبل التنظيمات التكفيرية على حكومة حماس، التي كان لها مواجهات وصدامات مع التنظيمات منذ ان حكمت القاع، فكان  خطف مراسل هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” آلان جونستون عام 2007، قبل أسابيع قليلة من سيطرة حماس بالقوة على القطاع وتمكنها من طرد قوات السلطة الفلسطينية وحركة فتح منه.

ثم توالت العمليات عندما أعلن أحد قادة السلفيين عبد اللطيف موسى عام 2009 “إمارة اسلامية” في مسجد ابن تيمية في مدينة رفح على بعد خطوات معدودة من الحدود مع مصر، قبل أن تتدخل الحركة وحكومتها آنذاك للقضاء عليها، ما أسفر عن مقتل عشرات من الطرفين خلال معركة دامت ساعات.

وبعدها بسنوات، خطف مسلحون الصحافي والمتضامن الايطالي المقيم في غزة فيتوريو أريغوني وقتلوه، في سابقة في التاريخ الفلسطيني، قبل أن تلاحقهم حماس وتقتلهم بعد أيام.

كما قتلت الأجهزة الأمنية أحد هذه العناصر قبل نحو عامين بينما كان يستعد لارتكاب جرائم في القطاع، وزجت بعشرات منهم في السجن، ثم أفرجت عن معظمهم بعد حوارات دينية مكثفة داخل السجن، بدا معها أن كثيراً منهم تراجع عن أفكاره ومعتقداته.

مع ذلك، اكتشفت الأجهزة الأمنية أن هؤلاء لم يتراجعوا، ولن يتراجعوا، عندما اعتقلت عدداً منهم عقب وقوع انفجار عرضي في مدينة خان يونس قبل نحو ستة أشهر. وعقب الانفجار اعتقلت الأجهزة الأمنية مئات السلفيين، تم اطلاق معظمهم، وبقي عشرات في انتظار محاكمتهم بتهمة الارهاب.

التفجير الانتحاري فجر الخميس الماضي قد يدفع حماس الى اتخاذ تدابير أمنية غير مسبوقة، وكذلك اللجوء الى وسائل الإعلام وخطباء المساجد والمؤسسات التعليمية وغيرها لتوعية الفلسطينيين تجاه هذه الظاهرة الخطيرة.

كما يتوقع أن تلجأ الحركة الى الحوار مع قادة السلفيين الجهاديين داخل السجون، ومع قادة السلفيين الدعويين في قطاع غزة وخارجه للتأثير على الجهاديين وثنيهم عن خططهم وأفعالهم.

ويفتح الحادث ملف داعش في قطاع غزة الذين ازدادت قوتهم وتوسع نشاطاتهم من خلال مؤسسات تم افتتاحها وتعمل بحرية نسبية منذ سنوات عدة.

وكانت أجهزة أمن حماس اعتقلت مئات السلفيين عقب وقوع انفجار عرضي في مدينة خان يونس قبل نحو ستة أشهر، تم إطلاق معظمهم، وبقي عشرات في انتظار محاكمتهم بتهمة “الإرهاب”. لكن التحقيقات أظهرت وجود خلايا نائمة لتنظيم داعش، كما عثر على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر ومواد متفجرة، من بينها مادة “تي أن تي” شديدة الانفجار.

وبدا القلق واضحا أيضا في رد فعل عائلة الانتحاري كلّاب التي استنكرت في بيان “فعلته وتبرأت منه ورفضت دفنه”، وفي موقف الفصائل والقوى الوطنية التي نددت بالعمل “الجبان”، لكنها دعت إلى معالجة الفكر المتطرف بتضافر جهود الجميع وبتمتين الجبهة الداخلية. وشددت على أهمية حماية الحدود والحفاظ على الأمن والاستقرار، مطالبة الأجهزة الأمنية بـ “الضرب بيد من حديد على أصحاب الفكر المتشدد”.

في هذا السياق، نددت فصائل فلسطينية بعد اجتماع طارئ بالحادثة، ودعت إلى تكاتف الجهود رسمياً وشعبياً لمحاربة خطر تنامي الفكر المنحرف والمتطرف في المجتمع الفلسطيني.

واستنكرت حركة “الجهاد الإسلامي في فلسطين” التفجير، واصفة في بيان “هذا النهج” بأنه “خارج عن الدين الإسلامي والتقاليد وثقافة الشعب الفلسطيني”، كذلك دعت إلى “مواجهة كل محاولات خلخلة جبهتنا الداخلية وتعريض مصالح الشعب للخطر وحرف بوصلته وإلى الحكمة واليقظة في معالجة تداعيات هذا الحادث الخطير”.

ودعت القوى الوطنية والإسلامية، إلى تظافر كافة الجهود وتمتين الجبهة الداخلية في قطاع غزة؛ لمُحاصرة الفكر المتطرف ومواجهته، والذي يوفر الاحتلال الإسرائيلي والحصار بيئة خصبة له.

وأكدت القوى خلال مؤتمر عُقد بمقر حزب الشعب لبحث تداعيات تفجير رفح أن الشعب الفلسطيني لن يقبل بحرف البوصلة عن عدونا، وأن أي انحراف عن ذلك يُعتبر تصرفًا مشبوهًا ومُدانًا، مؤكدة أن مُعالجة الفكر المُتطرف يتطلب تضافر جهود الجميع لتعزيز الثقافة الوطنية الوحدوية، لحماية نسيجنا الاجتماعي في إطار خطة وطنية، بجانب المُعالجة الأمنية لمُحاصرة هذا الفكر والقضاء عليه.

يقول الكاتب والمحلل السياسي، أكرم عطا الله، إن “تصدى عناصر الأمن للهجوم الانتحاري، على حدود غزة مع مصر، يبرهن جدية حماس العالية في تطبيق تفاهماتها مع القاهرة وقدرتها على حماية حدودها، وهذا التفجير يوضح مدى التفتيش الدقيق لكل من يقترب من الحدود وعدم السماح لأي كان باجتيازها أو اقتحامها”.

ويتوقع عطا الله ان تتجه العلاقات للصدام، وتشهد تحولا كبيرا في العلاقة بين الطرفين، حاولت حماس أن تقود أو تدير الحوار معهم عبر وسطاء، لكن بعد عملية اليوم انتقلت إلى مرحلة الصدام المختلف عن ذي قبل.

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أنّ حادث تفجير رفح يحمل مؤشرا خطيراً للغاية ولا يمكن اعتباره حادثاً فردياً وعرضياً، فهو مرتبط بدرجة أساسية بالتفاهمات التي جرت بين السلطات المصرية وحركة حماس في القطاع وما جرى من إجراءات أخيراً، والتي من الواضح أنها ستلقى قبولاً ورضى واسعاً من قبل السلطات المصرية.

ويضيف عوكل أن “حماس” اتخذت مجموعة من الإجراءات لمنع تسرب المقاتلين والسلاح بين الأراضي المصرية والقطاع، مشيراً إلى أن الحادثة تم الإعداد لها ولا يمكن بأي حال من الأحوال تفسيرها على أنها محاولة تسلل، وفق تعبيره.

ويقول إنه من الواضح أن الحادثة الأخيرة هي شكل من أشكال الإعلان عن وجود جماعات متطرفة في القطاع المحاصر من إسرائيل منذ 11 عاماً، ويبدو أن “داعش” قرر التصعيد بعد الاعتقالات التي طاولت عناصره في الفترة الماضية.

ربما يعجبك أيضا