“استثمار العقول”.. منجم الأمم نحو اقتصادات تنافسية

حسام عيد – محلل اقتصادي

مع تسارع التطور التكنولوجي في العالم الناجم عن ثورة العلم وحركة المتغيرات العولمية، وما تبعها من تطور اقتصادي، لم تعد الأصول المادية في المؤسسات المالية المحدد الرئيسي للنمو والتقدم، بل دخل مفهوم جديد للأصول المساهمة في العملية الإنتاجية وهو الأصول المعنوية أو الأصول المعرفية والتي هي في النهاية تمثل رأس المال الفكري.

تلك الأصول المعنوية هي المعرفة المتراكمة في عقول الموارد البشرية والناتجة عن الممارسة الفعلية للعمل، والتوجيه والمساندة من القادة والمشرفين، وتبادل الأفكار والخبرات مع الزملاء في فرق العمل، ومتابعة المنافسين، والتعرض لمطالب العملاء، وكذا نتيجة التدريب وجهود التنمية والتطوير التي تستثمر فيها المنظمات مبالغ طائلة.

هذه المعرفة المتزايدة والمتراكمة هي الثروة الحقيقية للمنظمات -بل وللدول- وهي بالتالي ما يطلق عليه الآن “رأس المال الفكري”، وهي أيضاً محصلة عمليات التعلم المستمرة في المنظمات التي تحولت إلى “منظمات متعلمة”.

ما هو رأس المال الفكري؟

مع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي بدأ يشيع في الأدبيات الاقتصادية مصطلح “رأس المال الفكري أو المعرفي” وأصبح ينظر إليه باعتباره المصدر الحقيقي لثروة منظمات الأعمال، ومنجم التميز وخلق القيمة وطريق النجاح والمنافسة.

ويعد رجل الأعمال الأمريكي “رالف ستاير” المدير التنفيذي لشركة “جونسون فيللي للأطعمة” أول من أطلق مصطلح “رأس المال الفكري” في عام 1990، حيث قال “في السابق كانت المصادر الطبيعية أهم مكونات الثروة الوطنية وأهم الموجودات، بعد ذلك أصبح رأس المال متمثلاً في النقد والموجودات الثابتة هما أهم مكونات المنظمات والمجتمع، أما الآن فقد حل محل المصادر الطبيعية والنقد والموجودات الثابتة رأس المال الفكري الذي يعد أهم مكونات الثروة الوطنية وأغلي موجودات الأمم”.

ويقصد برأس المال الفكري تلك الفئة من البشر التي تمتلك الخبرة والمعرفة والقدرة الإبداعية والمواهب الفطرية التي تمكنها من دفع عجلة التقدم على المستوى القومي.

كما يعرف على أنه مجموع كل ما يعرفه كل الأفراد في المنظمة ويحقق ميزة تنافسية في السوق.

وأيضا يعرف رأس المال الفكري على أنه مجموعة المهارات المتوفرة في المنظمة التي تتمتع بمعرفة واسعة تجعلها قادرة على جعل المنظمة عالمية من خلال الاستجابة لمتطلبات العملاء والفرص التي تتيحها التكنولوجيا.

مكونات رأس المال الفكري

– الأصول البشرية “رأس المال البشري”؛ المعرفة المحفوظة في ذهن العامل الفرد والتي لا تملكها المنظمة بل هي مرتبطة بالفرد شخصيا، وتتمثل في المهارات، الإبداع والخبرات.

– الأصول الفكرية؛ المعرفة المستقلة عن الشخص العامل وتملكها المنظمة، أو هي مجموع الأدوات وتقنيات مجموعة العمل المعروفة والمستخدمة للإسهام في تقاسم المعلومات والمعارف في المنظمة.

ومن أمثلة الأصول الفكرية: الخطط، التصميمات الهندسية وبرامج الحاسب الآلي.

– رأس المال الهيكلي؛ القدرة الهيكلية على تحريك وتطوير المبادرات، من خلال الأخذ بالاعتبار التوقعات الجديدة والاعتراف بالأفكار الجديدة والمفاهيم والأدوات المتكيفة مع التغيير، والتي تشمل الثقافة، النماذج التنظيمية والعمليات والإجراءات.

– الملكية الفكرية “رأس مال التجديد”؛ العناصر التي تسمح للمنظمة بالتجديد وكذا ما يمكن حمايته قانونيا مثل براءات الاختراع، العلامات التجارية، حقوق الاستثمار، المواهب الخاصة بالنشر والمؤتمرات، و تعمل المنظمات في مجال الصناعة على امتلاك المزيد من الملكية الفكرية لتحقيق ميزة تنافسية تمكنها من مواجهة المنافسة الشديدة في الأسواق.

– رأس مال العلاقات؛ يعكس طبيعة العلاقات التي تربط المنظمة بعملائها ومورديها ومنافسيها.

خلق اقتصادات تنافسية

تتمثل أهمية رأس المال الفكري في مواكبة الإبداع والابتكار في عصر يتسم بسرعة التحولات في الاقتصاد العالمي وحجمها الهائل، فحتى تتمكن آية دولة من الانتقال إلى مراحل إنتاجية متطورة داخل منظماتها ومؤسساتها توفر لها الميزة التنافسية مع مثيلاتها في الدول الأخرى، لابد من الاعتماد على العنصر البشري باعتباره العامل المنظم للعملية الإنتاجية وما يمتلكه من بعد معرفي وإبداعي، ويمكن توظيفه باتجاهين:

الاتجاه الأول؛ يتمثل في الإبداع التنظيمي والإداري وما تتطلبه المؤسسة من تخطيط استراتيجي أو اتخاذ قرارات صائبة تحتاجها المؤسسة.

الاتجاه الثاني؛ هو ما يتعلق يالجانب الفني والتقني أي استخدام أمثل لعنصر المعرفة والتكنولوجيا على الوجه الذي تحتاجه المؤسسة لاتمام العملية الإنتاجة.

ومما لاشك فيه أن قيمة رأس المال الفكري استثمار له عائد على المدى الطويل، ولكي يتحقق هذا العائد يجب أن تكون هناك تكاليف تتحملها منظمات ومؤسسات الأعمال نظير حصولها على هذا العائد لاحقا. لذلك يجب أن تبذل من أجله كل الطاقات في سبيل الحصول عليه.

كان التصور في الماضي أن من يقدمون المساهمات المالية لتكوين الشركات ومنظمات الأعمال هم أصحاب رأس المال، ولكن الواقع الجديد يطرح حقيقة أخرى أهم، أن من يملك المعرفة يملك المنظمة.

وبذلك حين تتعامل إدارة الموارد البشرية مع أفراد المنظمة يجب أن ينطلق هذا التعامل من تلك الحقيقة، أن العاملين ليسوا أجراء يعملون لقاء أجر، فالأموال يمكن اقتراضها، ولكن لا توجد بنوك ومؤسسات لإقراض الأفكار والمعرفة.

ربما يعجبك أيضا