استراتيجية ترامب الجديدة بأفغانستان.. الرئيس ينقلب على المرشح

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدالله

مثل كرة الثلج تتدحرج قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السياسية بشأن مختلف الدول عموماً وأفغانستان بشكل خاص. وبما لا يدع مجالاً للشك فإن تطورات متلاحقة مرتقبة تستهدف البلد التي خاضت الولايات المتحدة ضدها أطول صدام عسكري.

ووفقاً لـ”نيويورك تايمز” فإنه بعد ما يقرب من 16 عاماً من الحرب الأمريكية الأطول في تاريخها،فإن طالبان ليست بعيدة فحسب عن الهزيمة، وإنما تكسب أراضيَ جديدة أيضاً.

استراتيجية جديدة

في خطاب استمر عشرون دقيقة كشف ترامب عن استراتيجية جديدة لبلاده في أفغانستان تقوم على البقاء لا الانسحاب وتقضي بإرسال تعزيزات عسكرية إلى هذا البلد.

ويبرر ترامب قراراته بـ”تهديدات إرهابية ضخمة” زعم أنها تستهدف أمن الولايات المتحدة بالإشارة هنا إلى دور حركة طالبان. 

 ترامب وجه في خطابه رسالة إلى باكستان متهماً إياها بأنها تؤوي عدداً من مسلحي طالبان ممن أسماهم “مثيري فوضى” وقال إنه من الضروري مساهمة شركاء بلاده بمزيد من الجهد والمال لمكافحة الإرهاب.

كل هذا مثّل ذرائع استخدمها ترامب لتبرير إرسال 4 آلاف جندي أمريكي جديد إلى أفغانستان ليزيد عدد الجنود الأمريكيين هناك إلى 12 ألفاً رغم تجنبه الحديث عن عدد جنود بلاده في أفغانستان، خطوة يقول عنها ترامب بعدم ترك فراغ لطالبان كي لا تنتهز الفرصة ويسقط النظام في كابول.

وتعهد ترامب بتوسع مهام القادة الميدانيين في العاصمة الأفغانية كابول بهدف ما أسماه مكافحة الفوضى ومحاربة الإرهاب، ما يعني أنها قد تكون مقبلة على معارك متقطعة في ظل التعزيزات الأمريكية الجديدة.

الرئيس ينقلب على المرشح

لكن اللافت أن ترامب “الرئيس” ينقلب باستراتيجيته الجديدة على ترامب “المرشح” الذي كان من دعاة الانسحاب للحد من نزيف الدم الأمريكي في أفغانستان.

ليس هذا هو المأخذ الوحيد، فثمة من تحدث عن غموض في الاستراتيجية يجعلها أقرب إلى خطة الطواري، فلا جدول زمني للانسحاب ولا أية تحديد لأعداد القوات التي يعتزم ترامب إرسالها.

فبينما يقّدر البنتاجون العدد بنحو ثلاثة آلاف وتسعمائة جندي، فإن دحر الإرهاب يتطلب نحو ثلاثمائة ألف جندياً وليس بضعة آلاف فقط، وهذا – أي العدد القليل من القوات – قد يكون حافزاً لطالبان للقيام بهجمات دامية وواسعة النطاق على سبيل الاستعراض وإثبات الوجود دون أن تستطيع القوات الأمريكية منعها.

وبحسب “نيويورك تايمز” فإن أمريكا لن تنتصر على طالبان، وأن استراتيجية ترامب تطيل أمد الحرب فقط.

غضب إسلام أباد

يبدو أن الاتهامات التي وجهها ترامب للسلطات الباكستانية بأنها تؤوي “مثيري فوضى” أثارت غضب إسلام أباد. وفي مقال بصحيفة “الفجر”الباكستانية لـ”زاهد حسين” أكد المسؤولون الباكستانيون أن ترامب تخطى الحدود بجعله الهند جزءاً من إستراتيجيته في أفغانستان.

وقالت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان لها ، “ليس هناك بلد في العالم عانى من آفة الإرهاب كما عانت باكستان، وغالبا عبر أعمال منظمة تتجاوز حدودنا، لذا فمن المخيب للآمال أن تتجاهل التصريحات الأمريكية التضحيات الجسام للأمة الباكستانية”.

وأضافت الخارجية الباكستانية أن “باكستان لا تسمح باستخدام أراضيها ضد بلد آخر. بدلا من الاستناد إلى مزاعم خاطئة عن إيواء (إرهابيين)، على الولايات المتحدة العمل مع باكستان لاستئصال الإرهاب”.

ترحيب أفغاني

عكس باكستان، لاقت سياسة ترامب الجديدة ترحيباُ واسعاً في الأوساط السياسية الأفغانية، حيث رحب الرئيس التنفيذي لأفغانستان عبد الله عبد الله بالاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في بلاده، واصفاً إياها بأنها “فرصة فريدة من نوعها للتصدي للإرهابيين في المنطقة”.

وأعرب عبد الله عن شكره للرئيس الأمريكي على هذه الاستراتيجية، مؤكدا التزام الحكومة الأفغانية بمكافحة الفساد، وإجراء إصلاحات، والعمل على تحسين أداء قوات الأمن.

كما أشاد الرئيس الأفغاني أشرف غني بتلك الاستراتيجية، وقال إنها “ستزيد قدرة بعثة التدريب الأمريكية لتدريبها قوات الأمن الوطني في البلاد، كما ستعزز القوات الجوية الأفغانية الوليدة، وتضاعف حجم وقدرات القوات الخاصة الأفغانية”.

وأكد غني في بيان أن “تلك الاستراتيجية ستساهم في مواصلة القتال ضد تنظيم داعش، وطالبان”.

واختتم حديثه قائلاً: “إنني ممتن للرئيس ترامب والشعب الأمريكي لتأكيدهم هذا الدعم المقدم لأفغانستان، وإصرارهم على كفاحنا المشترك لتخليص المنطقة من تهديد الإرهاب”.

طالبان تتوعد

طالبان لم تتأخر في الرد على تصريحات الرئيس الأمريكي، فسريعاً ما توعدت الأمريكيين بـ”مقبرة جديدة” حسبما أعلن الناطق الرسمي باسم الحركة ذبيح الله مجاهد مؤخراً.

وقال مجاهد “طالما هناك جندي أمريكي واحد على أرضنا، وطالما أنهم مستمرون بالحرب ضدنا، سنستمر في جهادنا”.

فالحركة التي حكمت وخلعت في حرب شنها الرئيس الأمريكي الأسبق بوش، لم تهزم تماماً بقدر ما تحولت إلى حرب عصابات تتقنها، وخلال 16 عاماً كبدت الأمريكيين خسائر فادحة في الأروح تبلغ نحو 2400 قتيل ونحو 20 ألف مصاب.

وتشير “نيويورك تايمز” إلى أن رقعة الأراضي التي تسيطر عليها طالبان باتت تتراوح بين 35 إلى 60% من الأراضي الأفغانية والحركة باتت أكثر عناداً.

المعلوم هنا أن تعزيزات أمريكية جديدة وصلت أفغانستان وتتوعدها طالبان، لكن المجهول هنا هو ما ستكشف عنه أحداث ميدانية من الممكن أن تشهدها أفغانستان في أي وقت قادم.

ربما يعجبك أيضا