نهاية مربكة لـ”فجر الجرود” وانتقادات لـ”تهريب” داعش

مي فارس

رؤية – مي فارس

بيروت – لم يفق اللبنانيون بعد من صدمة مقتل العسكريين التسعة الذين خطفهم داعش قبل ثلاث سنوات، مع أن قلة كانت تتوقع عودتهم أحياء في ظل انقطاع أي خبر عنهم منذ أكثر من سنتين.
 
ولكن الحزن الذي ساد البلاد منذ تأكيد مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم ، أن الرفات التي عثر عليها في المنطقة الجردية التي حررت من داعش تعود على الأرجح إلى العسكريين اللبنانيين، لم يحجب موجة الغضب المتزايدة حيال السماح لمقاتلي التنظيم الإرهابي بالخروج من الجزء اللبناني من جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة.
 
وكشفت صحيفة “الحياة” حيثيات عملية التفاوض التي انتهت إلى إخراج مقاتلي داعش مقابل إقرارهم بمصير العسكريين، والتي تولاها اللواء إبراهيم من خلال تواصله مع مسؤولين في دمشق وقيادة “حزب الله”، والذي أكد أن التفاوض جرى ثلاثياً، أي بين الدولة والطرفين الأخيرين اللذين كانا على تفاوض مع “داعش”.
 
وقال: إن أركان الدولة اللبنانية من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تلقى اتصالاً من السيد حسن نصر الله إلى رئيس الحكومة سعد الحريري مروراً بوزيري الداخلية نهاد المشنوق والدفاع الوطني يعقوب الصراف وقائد الجيش العماد جوزف عون، تابعوا المفاوضات.
 
وكشفت مصادر وزارية رفيعة، لـ”الحياة”، أن وحدات الجيش المتمركزة في منطقة الجرود، وبناء على توجيهات العماد عون، باشرت بدءا من الساعة الثانية عشرة من ليل السبت قصف تجمعات “داعش” في وادي مرطبيا بكل أنواع الأسلحة الثقيلة استعداداً لبدء المرحلة الرابعة من عملية “فجر الجرود” لتحرير المساحة المتبقية من منطقة الجرود وهي 20 كيلومتراً مربعاً.
 
ولفتت المصادر نفسها إلى أن قيادة الجيش حددت ساعة الصفر لبدء المرحلة الرابعة من “فجر الجرود” لاستعادة كامل الجزء اللبناني الذي يسيطر عليه “داعش”، وقالت: إنها اتخذت قرارها في المضي بإنهاء المعركة لقطع الطريق على محاولات ابتزازها أو الإيحاء بأنها تتريّث في تحرير آخر جزء من الجرود، وإن كانت تأمل بجلاء مصير العسكريين المختطفين وتحريرهم، إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة، باعتبار أن من أولوياتها الكشف عن مصيرهم وهذا ما اشترطه اللواء إبراهيم في مفاوضاته مع الحكومة السورية و “حزب الله”.

وقالت المصادر ذاتها: إن استهداف تجمّعات “داعش” بلغ ذروته باشتداد القصف المدفعي والصاروخي على هذه التجمعات. وأكدت أن “داعش” طلب في الساعة الثانية فجر أمس وقف النار، لكن وحدات الجيش واصلت استهداف مواقعه، إلى أن بادر التنظيم الإرهابي إلى بث إشارات بواسطة أجهزته اللاسلكية التقطها سلاح الإشارة في الجيش وكانت الساعة حوالى الثانية والنصف فجراً.
 
وتابعت: “في هذه الأثناء تلقى اللواء إبراهيم -من خلال تواصله مع السلطات السورية المعنية بالأمر وقيادة “حزب الله”- إشارة حملت تأكيداً بأن “داعش” على استعداد للخروج من ما تبقى من الجزء اللبناني المحتل إضافة إلى كشف مصير العسكريين اللبنانيين المختطفين لديه وتسليم رفات وجثث عناصر لـ”حزب الله” قتلوا في القلمون الغربي وفي البادية السورية، إضافة إلى أسير من آل معتوق، على دفعتين”.
 
وقالت: إن قيادة الجيش أعلنت وقف النار ابتداء من السابعة صباح أمس بالتزامن مع سيطرة القوات النظامية السورية و “حزب الله” على القلمون الغربي، بعد إعلان “داعش” استسلامه، وهذا ما دفع اللواء إبراهيم إلى القول إنه يتوقع إقفال ملف العسكريين اللبنانيين اليوم (أمس)، إذا ما سارات الأمور في الاتجاه الصحيح من دون أن يحدد أي توقيت يتعلق بتحديد مصير العسكريين، على رغم أنه دعا أهاليهم المتجمعين في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت وقبل الإعلان عن العثور على رفاتهم إلى الصبر.

ورأت مصادر وزارية، أن دمشق تولت التفاوض مع “داعش” وأنها بادرت إلى تجيير ما توصلت إليه لمصلحة “حزب الله” ليكون شريكًا إلى جانب الجيش في الانتصار الذي حققه باستعادة كامل الجزء الللبناني في الجرود. وقالت: إن القيادة السورية قدّّمت كل هذه التسهيلات بما فيها “التفاوض” المباشر مع “داعش” وموافقتها على نقل ما تبقى من المجموعات الإرهابية في وادي مرطبيا وعائلاتهم ومجموع عددهم 300 شخص إلى دير الزور. وإلا كيف ينوب “حزب الله” عنها في تقرير مصير المجموعات الإرهابية؟
 
واعتبرت أن دمشق، في تقديمها التسهيلات لـ”حزب الله” ليكون المفاوض المباشر مع “داعش”، أرادت أن تخفف من وطأة إحراجه نتيجة تواصله مع المجموعات الإرهابية التي يتصدى لها التحالف الدولي، وبالتالي أرادت أن تضع حليفها في واجهة التفاوض الذي كان السيد نصرالله أول من كشف عنه في موقفه الأخير الخميس الماضي. ما يعني من وجهة نظر خصومه في الساحة اللبنانية أنه لم يستبق إعلان التفاوض ما لم يكن ممسكاً بأدلة ملموسة كانت وراء دعوته الحكومة اللبنانية إلى التفاوض من فوق الطاولة لجلاء مصير العسكريين وانسحاب “داعش” الذي وجد ممراً آمناً لنقل مجموعاته إلى دير الزور أسوة بتلك الممرات التي سلكها عناصر “جبهة النصرة” و”سرايا أحرار الشام” عندما توصلوا مع “حزب الله” إلى اتفاق يقضي بإخلائهم جرود عرسال.
 
وإزاء هذه النهاية، ارتفعت الانتقادات السياسية والشعبية في لبنان للسماح لـ”داعش” بالخروج، وخصوصاً أن الجيش كان على وشك الانقضاض على من تبقى من مقاتليه في المرحلة الاخيرى في معركة “فجر الجرود”.
 
وقال مصدر في “القوات اللبنانية”: إنّ “العملية العسكرية المُشَرِّفة التي نفّذها الجيش اللبناني فَضَحت “محور الممانعة” الذي سارع إلى تهريب مسلّحي “داعش” قبل أن يَنقضّ الجيش عليهم ويخضعهم لمساءلة تفضح كثيراً من الأسرار حول العلاقة بينهم وبين “محور الممانعة”، وكيف كان يتمّ توظيفهم ضمن استراتيجية الممانعة”.
 
ورأى المصدر أنه “لا يوجد إطلاقاً ما يبرّر ترك المسلحين يغادرون في أمن وأمان وبحراسة مشدّدة من “حزب الله” ومواكبة من النظام السوري، بعدما تبيّن أنّ العسكريين اللبنانيين تَمّت تصفيتهم.

ربما يعجبك أيضا