“رائحة البارود” تنذر بحرب في شبه الجزيرة الكورية

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء (29 أغسطس 2017) استيقظ ملايين اليابانيين، على رسائل نصية تطلب منهم الاحتماء؛ فيما كان صاروخ كوري شمالي يمر فوق أراضيهم.

وأطلقت كوريا الشمالية صاروخا باليستيا مر فوق جزيرة هوكايدو في شمال اليابان، قبل أن يسقط في مياه المحيط الهادي؛ وذلك بعد أسابيع من التوتر والتصعيد الكلامي بين واشنطن وبيونغ يانغ.

والأسبوع الماضي، بدأت سول وواشنطن، مناوراتهما السنوية، والتي تعتبرها بيونغ يانغ استفزازية وتدريبا على العدوان، الأمر الذي ينذر بوقوع حرب في شبه الجزيرة الكورية.

مجلس الأمن الدولي

على الفور دعا مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع عاجل حول كوريا الشمالية، بناء على طلب طوكيو وواشنطن، لبحث هذا التصعيد الخطير من جانب بيونغ يانغ.

وتأتي الدعوة إلى عقد هذا الاجتماع بعد اتفاق رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على “تصعيد الضغوط على كوريا الشمالية”.

وصرح آبي في طوكيو، إثر مكالمة هاتفية استمرت نحو 40 دقيقة مع الرئيس الأمريكي، بأنه “علينا فورا عقد جلسة طارئة في الأمم المتحدة وزيادة الضغط على كوريا الشمالية”.

وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي “إنه أمر غير مقبول.. لقد انتهكوا كل قرار أصدره مجلس الأمن الدولي ولهذا السبب أعتقد أن امرا جديا يجب أن يحدث لردع بيونغ يانغ”.

تصعيد شديد للتوتر

ويمثل الإطلاق تصعيدا شديدا للتوتر، فيما يتعلق بسعي بيونغ يانغ لحيازة أسلحة نووية وصواريخ باليستية في تحد لعقوبات الأمم المتحدة.

وهدد زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون هذا الشهر بإطلاق صواريخ في البحر قرب منطقة غوام الأمريكية وحذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كوريا الشمالية من أنها ستواجه “النار والغضب” إذا هددت الولايات المتحدة.

وكانت آخر مرة تطلق فيها كوريا الشمالية صاروخا يحلق فوق اليابان في عام 2009.

تهديد خطير لطوكيو

الأمين العام لمجلس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا، أوضح أن الصاروخ الكوري الشمالي سقط في البحر على مسافة 1180 كيلومترا إلى الشرق من كيب إريمو في هوكايدو.

واعتبر أن الصاروخ تهديد خطير وجسيم لطوكيو ولم يسبق له مثيل، مشيرا إلى أن الحكومة احتجت بأشد العبارات على الخطوة التي أقدمت عليها “بيونغ يانغ”.

وأكد أن الإطلاق انتهاك واضح لقرارات الأمم المتحدة، وأن بلاده ستعمل عن كثب مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ودول معنية أخرى بشأن الرد على ذلك التحرك.

رد فعل ترامب

وفي أول ردة فعل على ما أقدمت عليه بيونغ يانغ، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليقول “العالم تلقى بوضوح شديد الرسالة الأخيرة لكوريا الشمالية.. أثبت هذا النظام ازدراءه بجيرانه وبجميع أعضاء الأمم المتحدة وبأبسط معايير السلوك الدولي المقبول”.

وأضاف أن “الأعمال المهددة والمزعزعة للاستقرار لا تؤدي سوى إلى زيادة عزلة النظام الكوري الشمالي في المنطقة والعالم.. ان كل الخيارات مطروحة”.. وبتلك التصريحات يكون ترامب قد كرر التحذيرات السابقة بأن واشنطن قد تلجأ إلى عمل عسكري لحل هذه الأزمة.

وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” تحليق الصاروخ فوق اليابان، لكنها قالت إنه لم يشكل تهديدا لأمريكا الشمالية.

دفاع عن النفس

دافعت كوريا الشمالية عن حقها في اتخاذ “إجراءات مضادة” في إطار الدفاع عن النفس، حيث أكد سفيرها في الأمم المتحدة، هان تاي سونج، أن لبلاده الحق في الدفاع عن النفس في مواجهة “النوايا العدوانية” التي أبدتها الولايات المتحدة.

واعتبر السفير الكوري أن المناورات العسكرية المشتركة الجارية حاليا بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ليست سوى عمل مفرط “يصب الزيت على النار”، محذرًا واشنطن من مسؤولية العواقب الكارثية التي ستنجم عنها.

وقال “أما وقد اعلنت الولايات صراحة عن نواياها العدوانية حيال جمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية من خلال المشاركة في هذه المناورات، تتوافر لبلادي كل الأسباب التي تحملها على الرد بتدابير مضادة حازمة من خلال ممارسة حقها في الدفاع عن النفس”.

رد الفعل الدولي

وتسبب إطلاق كوريا الشمالية لصاروخ بالستي حلق فوق اليابان، في إدانات دولية واسعة تجاه بيونغ يانغ، حيث اعتبرته اليابان تهديد خطير وغير مسبوق، في حين وصفته أغلب دول العالم بأنه تصرف استفزازي.

البيت الأبيض أعلن في بيان له، أن العالم تلقى رسالة كوريا الشمالية الأخيرة بوضوح شديد، قائلا “أساليب التهديد وزعزعة الاستقرار ستزيد من عزلة النظام الكوري الشمالي في المنطقة، وبين كل دول العالم، وكل الخيارات مطروحة على الطاولة”.

من جهتها أعربت روسيا، عن قلقها البالغ حيال الوضع في كوريا الشمالية، وقالت “نلاحظ توجها نحو التصعيد ونشعر بقلق بالغ حيال التطور العام” للوضع. كما أعربت بريطانيا عن غضبها العارم، ووصفت الأمر بـ”الاستفزاز المتهور” من جانب بيونغ يانغ.

واعتبرت الصين أن التوتر حول كوريا الشمالية وصل إلى “منعطف خطير” ودعت إلى ضبط النفس، مشيرة إلى أن الضغط والعقوبات على كوريا الشمالية لا يمكن أن تحل المسألة بشكل جوهري.

وعلى الصعيد العربي، أعربت دول مصر والإمارات والبحرين عن قلقهم إزاء ما أقدمت عليه كوريا الشمالية، مشددين على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن في هذا الشأن. كما دعت الإمارات كافة الأطراف المعنية إلى انتهاج سبيل الحوار والدبلوماسية للحد من التوترات، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.

“الدرع السماوي” الأمريكي

حاول المدون الروسي خريج الجامعة العسكرية في وزارة الدفاع الروسية ألكسندر ميخايلوف، الإجابة عن هذا السؤال المحير، وهو لماذا لم تسقط الولايات المتحدة الصاروخ الكوري الشمالي.

وفي مقال له بصحيفة “دني دوت رو”، يشير الكاتب إلى أن بيونغ يانغ أظهرت من خلال تجربتها للصاروخ الباليستي الجديد، أن التهديد ضد القواعد العسكرية الأمريكية في كوريا الجنوبية واليابان وحتى جزيرة غوام أمر ممكن بسهولة.

ويتساءل الكاتب، لماذا لم تتفاعل اليابان وحليفتها الجيوبولوتيكية الرئيسية، الولايات المتحدة، مع إطلاق الصاروخ الباليستي أثناء عبوره فوق جزيرة هوكايدو، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه هي المرة الأولى التي تعبر فيها الصواريخ الكورية الشمالية الأراضي الفعلية لدولة مجاورة.

كما أن إطلاق هذا الصاروخ مثل تهديدا غير مسبوق لحياة اليابانيين، خاصة أن هذه الصواريخ يمكن أن تحمل رؤوسا نووية، ما يهدد نحو 6 ملايين نسمة على الجزيرة اليابانية.

ويضيف الكاتب الروسي أنه من المعروف منذ الحرب العالمية الثانية أن الولايات المتحدة اتخذت اليابان كنقطة انطلاق ممكنة للقيام بعمل عسكري ضد الصين وروسيا وكوريا الشمالية، كما زادت أخيرا من تعزيز نفوذها في هذه المنطقة.

وأكد الكاتب الروسي ضرورة أن تفسر واشنطن وطوكيو الآن لماذا لم يعمل “الدرع السماوي” الأمريكي الذي تفاخر به دائما، رغم تحليق الصواريخ الكورية الشمالية فوق الأراضي اليابانية مباشرة.

وأشار إلى ضرورة أن تكون الأعذار مقنعة، فبعد كل شيء، ما حدث تهديد لصورة الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر تقدما في مجال التكنولوجيا العسكرية.

ربما يعجبك أيضا