رحلة البزنس اليهودي في مصر من الاستثمار إلى الاحتكار

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

بناء على الأساطير الدينية فإن يهود مصر يشكلون أحد أقدم المجتمعات اليهودية ويربط وجود اليهود في مصر بأسرة “يعقوب بن إسحاق” وهجرتها بعد وصول يوسف إلى منصب في حكم مصر ولحاق إخوته به أثر المجاعة التي عمت البلاد.

فاليهود الناطقون بالعربية، وهم الربانيون القراؤون كانوا يتواجدون بمصر قبل 150 عاماً، وانضمت إليهم مجموعات أخرى قادمة من أوروبا، خاصة مع افتتاح قناة السويس وازدهار حركة التجارة في مصر، حيث اقتصرت إقامتهم على منطقة “درب البرابرة”، لكن بعد حرب 1948، وحرب 1956 خرج اليهود من مصر بصورة كثيفة وعبر موجات هجرة منظمة.

كان أثرياء اليهود في مصر يبحثون عن المال فوق الأرض وتحتها، فقد أسس “إميل عدس” الشركة المصرية للبترول برأسمال 75000 جنيه في بداية عشرينيات القرن العشرين، في الوقت الذي احتكر فيه اليهودي “إيزاك ناكامولي” تجارة الورق في مصر.

كما اشتهر اليهود في تجارة الأقمشة والملابس والأثاث حتى أن شارع الحمزاوي والذي كان مركزاً لتجارة الجملة كان به عدد كبير من التجار اليهود، كذلك جاءت شركات مثل شركة “شملا”، وهي محال شهيرة أسسها “كليمان شملا” كفرع لمحال “شملا” باريس، وقد تحولت إلى شركة مساهمة عام 1946 برأسمال 400.000 جنيه مصري.

وبما أن مصر هي كبرى الدول العربية، وكان اليهود فيها يشكلون طائفة قوية رغم قلة أعدادهم، فقد كانوا يسيطرون على مجالات كبيرة في الاقتصاد والسينما والتجارة، وبرز منهم فنانون وأدباء ورجال أعمال.

وفي عام 1948 وقت قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين كان عدد اليهود في مصر 90 ألف نسمة، وفي آخر إحصائية عام 2003 كان عددهم لا يتجاوز 5680 شخصاً يعيشون في القاهرة والإسكندرية والفيوم، وفي 2009 أصبح عددهم لا يتجاوز 30 شخصاً جميعهم من كبار السن ، والآن يتواجد منهم بضعة أفراد لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .

قبل ثورة يوليو، كانت هناك عائلات يهودية شهيرة تحتكر صناعات بعينها، كما كان هناك فنانون نالوا قدراً كبيراً من الشهرة، وسافر بعض هؤلاء إلى إسرائيل في الخمسينيات، وبعضهم هاجر لأوربا، فيما بقي القليل منهم في مصر حتى توفوا فيها، بل إن بعضهم اعتنق الإسلام مثل الفنانة ليلى مراد.

بعض المصادر اليهودية تقول إن سبب هجرة اليهود من مصر كان بسبب قرارات التأميم التي أصدرها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبسبب بعض المضايقات التي كانوا يتعرضون لها من المصريين، ، ولكن هذا غير صحيح ، لأن قرارات التأميم كانت على الجميع ولجميع الشركات التي يزيد رأسمالها عن 100 ألف جنيه بمعايير ذلك الزمان وليس قاصراً على اليهود وشركاتهم فقط.

العائلات اليهودية في مصر كانت كثيرة، لكن أشهرها ما يلي:

1-عائلة قطاوي

كبيرهم يعقوب بك قطاوي، كان رئيسًا للطائفة اليهودية في مصر حتى وفاته، عمل مديرًا لـ”الضربخانة” التي كانت تتولى أعمال المخابز والجمارك وحلقات الأسماك، وكان يوفر للحكومة مايلزمها من صرافة الرواتب للعاملين.

كان له 4 أبناء، تولوا إنشاء وإدارة محلات “منشه وشركاه” مع أبناء عائلة “منشة”، وافتتحوا فرعًا لهم بلندن، ثم انفصلوا عن “منشة”، وافتتحوا فروعًا إضافية بباريس والإسكندرية.

أسست العائلة معامل لتكرير السكر وتدرج وصولهم لمناصب بالحكومة المصرية، فمنهم من أدار شركة المياه بطنطا، وآخر أدار الشركة العقارية المصرية، وسكة حديد حلوان، وافتتحوا بنكًا وساهموا في 2 آخرين وأداروا البنك الزراعي واحتكروا صناعة الملح والصودا، وامتدت أعمالهم للخير وأسسوا دار للأيتام، وكانوا من أكبر عائلات اليهود بمصر وأكثرهم سخاءً في رعاية الطائفة اليهودية.

2- عائلة موصيري

عائلة ذات أصول إيطالية، كبيرهم نسيم بك موصيري، هاجر لمصر سنة 1749، واستوطنها وناسب عائلة “قطاوي” وأنجب 8 أولاد و3 بنات، وكانت تعد تلك العائلة  من أكبر عائلات أعيان اليهود في مصر وأكثرهم ثراءً، وساهموا بمساهمات كبيرة في إعانة الطائفة اليهودية المصرية ودروا الأموال لرعاية أبنائها. وتدرج عدة أبناء للعائلة في مناصب إدارة الطائفة اليهودية أو كنواب لرئيسها.

وعُرفت العائلة بتأسيس أنشطة تجارية كبيرة في مصر، وإدارة الأموال، بداية من إنشاء بنك “موصيري”، وبناء وإدارة عدة دور للسينما وتنمية صناعتها وانتاجها في مصر بإنشاء شركة “جوزي فيلم”، وكذلك في مجال الفنادق والسياحة فأقاموا “مينا هاوس” و”سان ستيفانو” بالإسكندرية، كما أسسوا جريدة صحفية عرفت باسم “إسرائيل”، وكانت تصدر من القاهرة بالعبرية والعربية والفرنسية.

وبخلاف ذلك كانوا من أشد العائلات التي ساهمت في دعم الصهيونية وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين.

3- عائلة منشة

كبيرهم البارون يعقوب ده منشه، ولد عام 1810 في الإسكندرية، كان له 4 أبناء و3 بنات، وعمل في عدة مراكز قوية أهمها وكيل حسن باشا المنسترلي، الذي شغل منصب متعهد الأموال الأميرية، والتي كانت مختصة بجمع الضرائب من الفلاحين للدولة المصرية، وكان له باع في الأعمال الخيرية وبنا معبد ودار أيتام بالإسكندرية وتولى أحد أحفاده إكمال بناء دار للمسنين كان بدأ بنائها قبل وفاته.

وكان أبناؤه وأحفاده من أكبر العاملين في البنوك، كما أن العائلة كلها كانت لديها مهارة في التعامل مع الأموال، وأنشأوا محال تجارية تحت اسم “منشه وشركاه” بالشراكة مع عائلة “قطاوي” في القاهرة والإسكندرية، وأطلقت الدولة اسم عائلة “منشه” على شارعين بمحرم بك بالإسكندرية وبالمعادي، المعرف بـ”مصطفى كامل” حاليًا.

4- عائلة رولو

كبيرهم روبين رولو، جاء إلى مصر وتزوج مرتين وعاش فيها، وأنجب 5 أبناء ساعدوه وبدأوا معه في تأسيس محلات “رولو وأولاده” في القاهرة والإسكندرية، وشاركوا عائلة “سوارس” في محلاتهم فيما بعد، ووسّعوا نشاطهم التجاري في المساهمة ببعض البنوك أهمهم البنك الأهلي، والشركة الزراعية الحكومية، والشركة العقارية.

وبخلاف الأنشطة التجارية ساهموا كمعظم عائلات أعيان اليهود في مصر في الأنشطة الخيرية ومساهمات مساعدة الطائفة اليهودية وترميم المعابد وإنشائها.

5- عائلة سوارس

ارتبط اسمهم بتأسيس أهم البنوك المصرية بالشراكة مع عائلات يهودية أخرى، فأنشأوا البنك الأهلي، والبنك العقاري، وتحكموا في أكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية المصرية نتيجة ارتباط البنوك بالقروض الممنوحة للملاك الزراعيين.

أسسوا سنة 1875 مؤسسة “سوارس، التي كان لها دورًا كبيرًا في المساهمة ببناء خزان أسوان وشركة وادي كوم امبو الزراعية، كما ساهموا في إنشاء ومد خطوط السكة الحديد وأنشأوا شركة لنقل الركاب بصناعة عربات، وسمى المصريون تلك العربات بالـ”سوارس”.

6- عائلة عدس

من أهم العائلات التي عملت في الاقتصاد ومجال الأنشطة التجارية المرتبطة ببيع السلع، فأقاموا سلسلة محال تجارية بالشراكة مع رجال أعمال يهود آخرين، وكان لمحلاتهم باع كبير في مصر في القرن الـ20، وكانت أهمها “هد وريفولي وبنزايون وعمر أفندي وهانو”.

7- عائلة سموحة

من أكبر عائلات اليهود في الإسكندرية، عملوا في إنشاء مضارب الأرز وتكرير السكر والغزل والنسيج، وسميت منطقة سموحة بالإسكندرية باسمها نسبة لملكيتهم لتلك الرقعة الكبيرة من الأراضي قبل ثورة يوليو 1952.

وتردد اسمها مؤخرًا في مصر بعد مطالبتهم أمام إحدى المحاكم المصرية برد أراضي تلك المنطقة لملكيتهم بعد أن استولت عليها السلطات المصرية على حد قولهم منذ 62 عاما.

في عصر جمال عبد الناصر زاد الصراع بين مصر وإسرائيل زيادة شديدة، وبداية من قيام “دولة إسرائيل” ودعوتها لليهود من جميع أنحاء العالم للهجرة إليها، بدا المسلمون في حرق محلات يهوديه شهيره لانهم كانوا من اغنياء مصر في ذلك الوقت مثل شيكوريل و عدس و غيرها. 

المحتكرون

وتكشف الإحصائيات الرسمية أن الفترة من 1910 إلى 1938 ميلادياً لم تسجل أى مشاركة مصرية محلية من غير اليهود. الأكثر من ذلك أنه لم تتعد العضوية من غير اليهود فى معظم الشركات الكبرى سوى واحد أو اثنين على الأكثر.

وكان القطاع العقارى من أول القطاعات التى تعرضت للاحتكار على يد اليهود من خلال “البنك العقارى المصرى، وبنك الرهن المصرى، والبنك الأهلى، وبنك موصيرى، وبنك سوارس” – وهى كلها بنوك يهودية وهى التى نجحت فى السيطرة على الأراضى الزراعية وفاءً لديون كبار الملاك.

 وقد بلغت الديون على المزارعين المصريين للبنوك اليهودية عام 1928 حوالى 33 مليونا و461 ألف جنيه ، وهو الأمر الذى أدى إلى اتساع ظاهرة إنشاء الشركات العقارية والتى واصل عددها عام 1938 إلى 26 شركة.

بخلاف ذلك سيطر اليهود سيطرة شبه كاملة على قطاع التمويل والتأمين فتملكوا وساهموا فى كافة البنوك الموجودة بما فيها بنك مصر، كما أنشأوا شركات تمويلية خاصة مثل شركة إخوان سوارس، والشركة المصرية للتوظيف والائتمان، بالإضافة إلى شركة التأمين الأهلية، والمصرية للمشروعات المدنية، كذلك فقد احتكرت العائلات اليهودية – خاصة موصيرى وقطاوى – عمليات تصدير القطن وأنشأت عشرات الشركات فى هذا الصدد.

كما سيطر اليهود على صناعات الطباعة، والجلود، والألبان، والحلوى، والطحن، والكهرباء، ولم تخل قائمة مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية من مشاركة يهودية مثل “جاك ليفى”، أو موريس ليفى فى غرفة صناعة الحلوى، وجورج ليفى فى الطباعة، وسى كليمان فى غرفة السينما، وجاك مزراحى فى غرفة الطحن.

واهتمت الرأسمالية اليهودية بالمشاركة فى إدارة الشركات القائمة على التعدين وكانت من أقدم الشركات حينذاك شركة التعدين المصرية، وكذلك شرطة التعدين الإنجلو مصرية.

وفى هذا الإطار المؤسف أهينت العمالة المصرية من المسلمين والأقباط وتعرضوا لمشاكل جمة ويكفى أن نشير إلى ما ورد فى إحدى شكاوى عمال شركة كوم أمبووالمسجلة ضمن شكاوى الثلاثينات باتحاد الصناعات “إن الشركة تقوم بإذلال الشعب المصرى وتسخيره لأغراضها، ومعظم الموظفين من اليهود والأجانب، وفى الوقت الذى تصل فيه أجره أقل واحد منهم بين 100 و150 جنيه فى الشهر، فإن أجر العامل المصرى لا يتجاوز عشرة قروش فى اليوم”.

وفى مذكرة أخرى قدمها مواطن مصرى يعمل فى بنك زليخة إلى وزير التجارة حيث يؤكد وجود تلاعب بالقوانين المصرية حيث إن عدد الموظفين لا يطابق ما نص عليه القرار 138 لسنة 1947 بتعيين 75% من المصريين من الإدارة.

بدأ يهود مصر يتحولون إلى إسرائيل، وزيادة انتمائهم إليها عن مصر، وقد تم كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية، التي كان أعضائها من يهود مصر، وبعد احتلال إسرائيل لسيناء وبدأت إسرائيل استخدام بعضهم للتجسس علي نطاق واسع. وبعد انتصار مصر في حرب أكتوبر 1973، في الثمانينيات تم رصد بعض محاولات النزوح لمصر من قبل عدد قليل جدًا من العائلات، ولكن طبقًا للدستور المصري، بحصول هؤلاء اليهود علي الجنسية الإسرائيلية فأنه تم تجريدهم من الجنسية المصرية نهائيًا، وتم رفض طلبات النزوح وترحيل اليهود من الحدود المصرية.

ربما يعجبك أيضا