المكوجية أسطى “أم حسن”: ست ولا راجل.. لقمة العيش متعرفش الدلع

أماني ربيع

حوار:  أماني ربيع

يباغتك الزمن على تقاسيم وجهها المنهك، امرأة كالوتد، جسدها الذي انحنى تحت وطأة الكفاح والسن لم ينحني أمام الفقر والحاجة، امرأة بسيطة كان حلمها يشبه حلم كل ست مصرية “ضِلّ حيطة والستر ليها ولعيالها”، لكن الست “أميرة الفضل” لم تكن تدري أن الحياة تخبئ لها دورا أكبر ستكون فيه أما وأبا والعائل الوحيد لأربعة أطفال.

لم تمد يدها لأحد، لم تشتكي أو تبيع أوجاعها دموعا على أعتاب الأقارب والجيران، فالست “أميرة” تؤمن أن “الرزق على قدّ السعي، وفي المأثور الشعبي: “اسعى يا عبد وأنا أسعى معاك” هكذا تردد دائما.

جربت بيع الخضار، عملت على “نصبة شاي”، وحين لم تفلح الجنيهات القليلة التي كانت تسترزق بها في سد احتياجات “كوم اللحم” المتعلقين برقبتها لجأت مكرهة للعمل في البيوت، لكن الست “أميرة” تكره الذل ورغم فقرها إلا أنها عزيزة النفس لا تقبل إهانة أحد ولو من أجل القرش ولقمة العيش، فلجأت لأغرب حل وهي أن تصبح “مكوجي” ولم تكن تعلم أنها ستصبح “أم حسن” أشهر أسطى مكوجي في حي السيدة زينب.

رحلة البحث عن لقمة العيش

تحكي “أم حسن” بصوت مرهق: ”زوجي توفي منذ 20 سنة عرفت بعده المر، تركني بدون معاش، وكان معاش أبويا 48 جنيه ميعملوش حاجة، كان في رقبتي كوم لحم 4 عيال صغيرين رحمة، حسن، وعصام ومحمد الصغير، كان لازم أربي ولادي وأعدي بيهم لبر الأمان”.

وعندما سألناها: لماذا اخترتي مهنة “المكوجي” وهي مهنة رجالية بالأساس؟ ضحكت: ”لقمة العيش مينفعش معاها عجرفة ولا قولة راجل وست، كان لازم أشتعل وتعبت من الخدمة في البيوت، اشتغلت فترة في قصر العيني الفرنساوي لكن اتبهدلت”.

وتواصل الحكاية: “الموضوع جه لوحده، سلف بنتي مكوجي ولما فاض بيا من شغل البيوت بدأت أتابعه بعيني لحد ما شربت الصنعة بالنظر ما قلتش لحد عايزة أبقى مكوجية، استنيت لحد ما حسيت أني أقدر أقف وأكوي بإيدي، نزلت اشتغلت عند أسطى مكوجي كنت بنزل من 10 الصبح أرجع 12 بالليل”.

وتنظر أم حسن إلى ابنتها رحمة بحنان: ”بنتي بـ100 راجل هي كانت سندي رغم سنها الصغير في الدنيا شجعتني لما لقيتني بتعب وأتأخر برة، وقالتلي لازم تفتحي محل، وبرغم غلاء الإيجارات في المنطقة والتي تبتلع أي مكسب، لكن “زن” رحمة خلاني أفضل ورا الموضوع لحد ما لقينا محل مناسب وقريب من البيت”.

تتابع حكايتها: ”بالرغم من قسوة الظروف إلا أن ربنا كريم وكان بيبعتلي فضله في صورة بني آدمين صاحب المحل كان طيب واتهاود معايا في الإيجار ومخادش تأمين“.

الدلع ممنوع

أم حسن التي تعمل “مكوجية” منذ 20 عاما تقريبا، تحكي عن استقبال الناس لعملها في مهنة ليس للمرأة فيها مكان: ”كانت الناس تعدي من قدام المحل وتضحك، كانوا يمشوا يبصولي وكأني بعمل حاجة غلط، لكنها لم تكن في ظروف تسمح لها بـ”الدلع” كان يجب أن تعمل وتضع القرش فوق القرش لتعليم أبناءها وتزويجهم وهو ما نجحت فيه زوجت اثنين من الصبيان والابنة الوحيدة ولم يبق سوى ابنها الصغير الذي ما زال يدرس.

وبرغم الاستقبال الفاتر في البداية لأم حسن في حي شعبي مثل السيدة زينب مشهور بتقاليده وأعرافه إلا أن الأصل الطيب في نفوس الناس لم يلبث أن يتناسى الأمر واعتاد سكان المنطقة يوميا أن يروا السيدة المكافحة تنزل من بيتها كل يوم في الثامنة صباحا تقف أمام طاولة المكواة حتى الساعة 12 ليلا دون كلل.

تقول أم حسن: ”الناس اتعودت، بيجيني زباين من أماكن بعيدة وناس مش من المنطقة”، وتحكي موقفا جميلا عن كرم الله معها” كنت ضيفة في أحد القنوات الفضائية ولما سألني المذيع نفسك في إيه؟ قلت له: عمرة، اتصل أحد زبائني على الهواء واتبرع بعمرة ولسة راجعة من أسبوعين”.

لكن الدموع تغلب أم حسن التي ما زالت ظروفها الصعبة تجبرها على العمل ليل نهار رغم سنها،” دي حكمة ربنا لسة ابني في التعليم وولادي كل واحد مشغول في حياته وأنا رزقي يوم بيوم والإيجار والكهرباء بياكلوا المكسب خصوصا إني بأخد سعر أقل لأني مش حمل المكن الجديد وأسعاره فبقلل السعر وأعتمد على السمعة اللي بتجيب الزبون”.

وكعادة معظم محلات “المكوجية”، لا تكتفي أم حسن بالمكواة فحسب بل تغسل السجاجيد والبطاطين لجلب المزيد من الرزق.

زبايني رجالة

أكثر زبائن أم حسن هم الرجال تقول ضاحكة: ”الرزق دلوقت زاد عن الأول مبقاش في ست بتكوي لجوزها حتى ربات المنازل بيجيبولي قمصان أجوازهم عشان أكويها”.

وعن موقف أولادها من مهنتها تقول: ”كانوا بيتكسفوا في الأول خصوصا الولاد كان لما صحابهم يهزروا مع واحد منهم يقوله “يا ابن المكوجية”، فكانوا يعودون مكسورين الخاطر لكن مع الوقت فهموا قد إيه بتعب عشانهم، وإن شغلتي بشرف أحسن من مد الإيد وبقوا دلوقتي يفتخروا بيا”.

الست أم حسن الآن اصبحت نجمة تلاحقها الفضائيات، لكنها تقابل كل ذلك بروح متواضعة بسيطة: ”أنا مش بشتغل دلع أنا معنديش اختيار واللي الناس فاكراه حاجة غريبة وتضحك ده لقمة عيشي اللي من غيرها نموت من الجوع”.

ربما يعجبك أيضا