بعد “ضغوط النفط”.. هل يزاحم الخليج النمور الآسيوية؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

دفعت أزمة تراجع أسعار النفط العالمية، والتي بدأت منذ نحو 3 أعوام، دول الخليج إلى تبني خطط تنموية واقتصادية ضخمة جدًا وطموحة، كان أهمها التركيز على القطاعات الأساسية الأخرى وإشراكها في الناتج المحلي الإجمالي بشكل أكبر عما سبق، فكان لكل من القطاع العقاري والمصرفي والبنية التحتية نصيب كبير من المشاريع التي نفذتها الحكومات الخليجية، حيث حظي القطاع العقاري بأولوية من قبل الجهات الحكومية والقطاع الخاص، في حين حظي قطاع البنية التحتية على اهتمام المستثمرين ليصبح واحدا من أكثر القطاعات جذبا لهم.

خطط تنموية حتى 2030

في أحدث تقرير لشركة المزايا الكويتية القابضة، أكدت بأن التحديات التي تمر بها دول الخليج في الوقت الحالي من شأنها فرز فرص استثمارية مباشرة وغير مباشرة، وذلك في ظل استمرار طرح المزيد من المشاريع ودخول حكومات الدول في عدد كبير من المشاريع الضخمة، والتي تنعكس تأثيراتها الإيجابية على كافة القطاعات، حيث اعتمدت حكومات دول المنطقة تنفيذ خطط تنموية لغاية عام 2030 وخطط متوسطة الأجل حتى عام 2020، وذلك بهدف الوصول إلى حالة من التكامل الاقتصادي والاستعداد لجذب استثمارات خارجية مستمرة خلال الفترة القادمة، إضافة إلى التركيز على قدرة المشاريع الجاري تنفيذها لتوليد تدفقات نقدية مجدية ومتواصلة.

هذا ومن المتوقع أن تتجه اقتصادات دول الخليج إلى الدخول في شراكات واتفاقيات جديدة مع الاقتصادات النشطة حول العالم خلال الفترة المقبلة، وذلك تنفيذاً لخطط التنمية، التي من شأنها أن ترفع مستوى الجاذبية الاستثمارية وتوفر العديد من فرص الاستثمار الجيدة.

حراك استثماري

هناك ما يزيد عن تريليون دولار مخصصة لمشاريع البناء قيد التنفيذ لدى الدول الخليجية، ويجري في الوقت الحالي تنفيذ ما يزيد عن 200 مشروع في المناطق الحضرية، إضافة إلى مشاريع تطوير قطاع الطيران التي تتجاوز قيمتها 55 مليار دولار، ليصل عدد المشاريع إلى 152 مشروعاً لدى كل من الإمارات والسعودية وقطر والكويت وعُمان.

وأوضح تقرير شركة المزايا القابضة، أن القيمة الإجمالية للدول الخليجية التي تقدر بنحو 240 مليار دولار والمتركزة على تطوير قطاع سكك الحديد لدى دول المجلس، ستعود بالكثير من الإيجابيات على حركة المسافرين والبضائع، وستسهل الحراك الاستثماري لكافة القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي في مقدمتها القطاع العقاري، فضلاً عن أنه يتوقع تسجيل معدل نمو يصل إلى 3.4% في نهاية 2017 لاقتصادات الدول الخليجية.

وأصبح القطاع العقاري أحد الدعامات الرئيسية للاقتصادات الخليجية، حيث إن الإنجازات التي حققتها المدن المتحضرة في الدول الخليجية تعد دليلاً واضحاً على أهمية النشاط العقاري.

وهناك عوامل مباشرة لها دور كبير في دعم القطاع العقاري ومشاريعه الحالية والمستقبلية، والتي يأتي في مقدمتها القطاع السياحي الذي يعد أكبر الداعمين للقطاع العقاري، وحركة السياحة في دول المنطقة، وتوافد السياح إلى دبي والبحرين وسلطنة عمان، حيث ساهم القطاع العقاري في جذب الاستثمارات العقارية وغير العقارية والعديد من المجالات مثل قطاع التجزئة والفندقة والعقارات السكنية العادية والفاخرة إلى هذه الدول.

كما يوجد أيضاً عوامل أخرى تهدف إلى تنشيط الحراك العقاري والتجاري والاستثماري التي منها استمرار العمل بالمشاريع الخاصة من خلال استضافة الأحداث العالمية، وذلك لأن مثل هذه الفعاليات تتطلب تطوير البنية التحتية وتهيئتها لاستقبال السياح وبناء الفنادق والمشاريع السكنية ذات العلاقة، فضلاً عن دور الحكومات في توفير المناخات الاستثمارية المناسبة لتشجيع الاستثمار وجذب الاستثمارات الخارجية إلى القطاع العقاري.

وتشير البيانات إلى أن السعودية بحاجة إلى استثمارات بقيمة 613 مليار دولار في البنية التحتية حتى عام 2040، يأتي ذلك في الوقت الذي تتجه المملكة فيه لتمويل 80% من مشاريع البنية التحتية وإعطاء دور إضافي جديد للقطاع الخاص للمشاركة في تعظيم العوائد الاستثمارية، بما ينعكس إيجاباً على تخفيض عدد المشاريع المؤجلة أو الملغاة على قطاعات النقل والإنشاء والطاقة، فضلاً عن أن النشاط على مشاريع البنية التحتية في الإمارات يعتبر داعماً مباشراً ومساهماً رئيسياً في النمو الاقتصادي للدولة.

اليوم، بات من شأن جملة الخطط والاستراتيجيات الجاري تطبيقها على الاقتصاد الخليجي تقليص العجوزات المالية القائمة، حيث يتوقع أن تتراجع نسب العجز إلى ما دون 2% خلال السنوات الخمس القادمة، إضافة إلى أنه بات واضحاً أن القطاعات غير النفطية بدأت تنمو بوتيرة أسرع وتساهم بنسب متزايدة بالناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، ومن المتوقع أن تزداد نسب نمو القطاعات غير النفطية لدى دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 3% حتى نهاية عام 2017، مقارنة بنسبة 2% خلال عام 2016.

الإمارات الأفضل خليجيا

أكدت دراسة صادرة عن وزارة الاقتصاد الإماراتية، أن دولة الإمارات تعد أفضل دول الخليج تجاوزًا لتداعيات انخفاض أسعار النفط، بفضل تنوع مواردها الاقتصادية وقوة الوضع المالي لحكومتها.

وكشفت الدراسة أن اقتصاد دولة الإمارات هو الأقل تأثرًا بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بانخفاض أسعار النفط، مشيرة إلى أن الإمارات تمتلك 5.8% من احتياطات النفط العالمية وتمثل عائداتها النفطية 25% من الناتج المحلي الإجمالي و20% من إجمالي عائدات التصدير.

وتشهد الإمارات نمواً مطرداً للاستثمارات الحكومية في قطاعات مثل السياحة والتجزئة والمواد الغذائية والمشروبات، كما تنفذ الحكومة مشروعات كبرى في مجالات البنية التحتية والسياحة والبناء والتشييد والقطاع المالي.

وتعد قطاعات العقارات والسياحة والأغذية والمشروبات من أبرز القطاعات الواعدة القادرة على جذب استثمارات وطنية وأجنبية ويعول عليها كثيراً في دفع النمو الاقتصادي للأمام.

وبدوره، أكد وزير تطوير البنية التحتية في الإمارات عبدالله بن محمد بلحيف النعيمي أن دولة الإمارات تملك 20 من أهم الموانئ العالمية وأنها تقوم بإدارة وتشغيل 77 ميناء في مختلف أنحاء العالم.

وأضاف أن الإمارات تحتل مكانة عالمية بارزة باعتبارها لاعبا مؤثـرا على الخارطة البحرية العالمية بما تمتلكه من مقـومات تنافسية وكفاءات مؤهلة لمواكبة التطور التكنولوجي وقيادة مسيرة التميز، وذلك في مطابقة أفضل الممارسات وأعلى المعايير الدولية المعتمدة في المناولة.

وتستحوذ الموانئ الإماراتية على النصيب الأكبر من إجمالي حجم مناولة الحاويات والبضائع في منطقة الخليج حيث تستأثر بنحو 60% منها، الأمر الذي يسهم بقوة في ترسيخ مكانة الإمارات كمركز عالمي للتجارة البحرية.

وقال النعيمي إن منظومة إدارة الموانئ في الإمارات باتت اليوم نموذجا يحتذى به عالميا، في الوقت الذي تتطلع فيه الكثير من دول العالم للحصول على الموافقة الرسمية من أجل تطوير وتشغيل موانئها البحرية وفق المعايير الإماراتية.

قد تكون أزمة أسعار النفط وما أحدثته من تقلبات اقتصادية في العالم بشكل عام، وفي دول الخليج بشكل خاص نظرا لاعتماد اقتصاداتها بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية، دافعا ومحركا نحو تعزيز التكتل والتركيز على النمو والصناعة مثل النمور الآسيوية، وبالتالي تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود.

ربما يعجبك أيضا