“التشغيل الكامل”.. ثورة “جوان روبنسون” على الأنظمة الرأسمالية

حسام عيد – محلل اقتصادي

جوان فايوليت روبنسون؛ عالمة اقتصاد بريطانية وتعد واحدة من أهم وأبرز الاقتصاديين الذين أحدثوا ثورة في السياسة الاقتصادية إبان فترة الثلاثينيات بالقرن العشرين.

كانت إحدى رائدات المدرسة البريطانية للاقتصاد الكينزي، حيث ساعدت روبنسون، عالم الاقتصاد البريطاني كينز، في تطوير مفاهيم نظرياته إلى قضايا بعيدة الأجل، مثل النمو الاقتصادي والتغير التقني.

المولد والنشأة

ولدت جوان روبنسون بالقرب من لندن في عام 1903 وتخرجت في جامعة كمبردج عام 1925 وعملت أستاذة للاقتصاد هناك حتى عام 1973. وتوفيت عام 1983.

وألفت العديد من الكتب منها؛ اقتصاديات المنافسة غير المحمودة، الاقتصاد الماركسي، البدع الاقتصادية، مقدمة في علم الاقتصاد الحديث، الفلسفة الاقتصادية وتراكم رأس المال.

الاقتصاد “منظومة تنافسية”

توصيف النظام الاقتصادي يعد من المسائل التي لا يمكن تجريدها من إطارها المدرسي وتياراتها الأيديولوجية المصاحبة لها، وعلى هذا الأساس تعرف جوان روبنسون في كتابها الشهير “الفلسفة الاقتصادية”، النظام الاقتصادي بأنه وحدة تتطلب مجموعة من الأحكام مع توافر أيديولوجية تصوغها ومستوى من الوعي يتمتع به أي فرد على نحو يجعله يثابر من أجل تحقيق تلك الأحكام، وبالتالي لا بد من توافر آليات يتكون بموجبها النظام الاقتصادي وتعمل على تأدية وظائف ثلاثة، هي؛

الوظيفة الأولى؛ تساعد في تعيين من هو أكثر فاعلية في اتخاذ قرار تحريك الموارد وتعبئتها من بين مختلف الأشخاص من متخذي قرارات الخيار الاقتصادي.

الوظيفة الثانية؛ تنسيق نشاطات الوحدات الاقتصادية الفردية، بمعنى إنها تساعد في تحديد كيف تصنع القرارات.

الوظيفة الثالثة؛ جعل متخذي خيار القرار الاقتصادي أكثر سعيا في ترتيب أولوياتهم، أي بمعنى المساعدة في تحديد ماذا يمكن الأخذ به من قرارات.

ويمكن ملاحظة أن النظم الاقتصادية كافة تشترك في ثلاثة أهداف رئيسية وهي؛ الاستخدام الكفء والشامل للموارد النادرة، التوزيع العادل للدخل، والنمو في الناتج المحلي الإجمالي عبر الزمن.

وأكدت روبنسون أنه لتحقيق تلك الأهداف، يجب توافر حالات تنافسية أقرب إلى المنافسة الكاملة، حتى يحدث توافق بين الأسعار والتكاليف، ومن ثم ترتفع الأجور مع ارتفاع الإنتاجية.

الاحتكار أساس الأزمات

تقوم النظرية الاقتصادية الكينزية التي وضعها عالم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز على سياسة الطلب الفعال التي تتحقق من خلال تبني الدولة لسياسات تتعلق بالضرائب والمالية العامة والنقد، ومن ثم إحداث توازن كلي في الاقتصاد.

ورغم تقدير وامتثال جوان روبنسون لأستاذها كينز إلا أنها وجهت انتقادا يتمثل في افتراض كينز لفاعلية نظام السوق وقوى العرض والطلب وإهماله قوة الاحتكارات في النظام الرأسمالي.

وتطرقت في كتابها الشهير “تراكم رأس المال” الصادر عام 1956 إلى متناقضات النظام الرأسمالي وإدخالها سيطرة الاحتكارات في صلب التحليل.

وترى جوان روبنسون أن الاحتكارات هي المشكلة الرئيسية في عملية تأخير النمو، وظهور الركود الاقتصادي والبطالة.

وأشارت إلى أنه في حالة الاحتكار يمكن لمعدلات الربح أن ترتفع، ليس كنتيجة لمعدلات التراكم المرتفعة، بل نتيجة لفائدة المحتكرين على رفع الأسعار، فزيادة الدرجة الاحتكارية تؤدي إلى زيادة نصيب الأرباح من الدخل القومي على حساب تدني نصيب عنصر العمل مما يؤدي إلى خفض الطلب الاستهلاكي الكلي واتجاه الاقتصاد إلى الركود و البطالة.

أزمة تراكم رأس المال

كانت المشكلة الأساسية التي تبحث جوان روبنسون عن إجابة لها، تتمثل في البحث عن المعدل الأمثل الذي يكفل توزيع الدخل القومي على نحو يضمن استمرار النمو في الطلب الكلي وبشكل يجاري النمو في الإنتاج ويحقق التوظف الكامل وكيف يضمن النظام لنفسه هذا التوزيع، وعبر أي الآليات يمكن تحقيق هذا.

و قد انطلقت جوان روبنسون في نموذجها من الفروض التالية:

– الاقتصاد القومي يتكون من قطاعين، أولهما ينتج سلع وسائل الإنتاج، و الثاني ينتج السلع الاستهلاكية.

– ثبات الفن التكنولوجي، ومن ثم ثبات المعاملات الفنية للإنتاج.

– معدل الاستثمار هو المتغير الخارجي الأكثر أهمية في تحقيق النمو.

وركزت جوان روبنسون على معدل الأجور الحقيقية (عكس كينز) حيث أثبتت أن انخفاض معدل الأجور الحقيقية يؤدي إلى تخفيض الطلب الاستهلاكي، الذي يؤثر بدوره على عملية تراكم رأس المال، ومن هنا ينخفض معدل الربح و تظهر البطالة.

وكانت روبنسون تعتقد أن الأنظمة الرأسمالية لم تكن مستقرة، بسبب الصراع بين المشروعات التجارية والعمالة حول نصيب كل منهما في الدخل. واقترحت أن توضع سياسات الحكومة، بحيث تحدد توزيع الدخل بين كلا الطرفين.

وترى روبنسون أن مدى نجاح النقابات في ضغطها على أرباب العمل لزيادة الأجور يؤدي إلى عدم ظهور الركود والبطالة.

التشغيل الناقص يفاقم البطالة

تهتم النظرية الاقتصادية الكينزية أساساً بالبطالة الدورية التي تحدث في البلدان الرأسمالية المتقدمة، خصوصاً في أوقات الركود.

وخلال 1929 – 1933، عانت الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة ركوداً شديداً تسبب بمعدلات عالية جداً من البطالة.

وحلّل الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز، الذي لا تزال أفكاره معتمدة في الأنظمة الرأسمالية إلى يومنا هذا، هذا النوع من البطالة وعزاه إلى نقص في الطّلب الإجمالي على السلع، وأنها تختلف في البلدان الأقل تقدماً، فطبيعتها مزمنة أكثر وأبعد أجلاً.

لكن على الرغم من راهنية أفكار كينز اليوم، فهناك ثمة شبه إجماع على أن البطالة والعمالة الناقصة (العمالة ذات الإنتاجية المتدنية) في البلدان الأقل تقدماً لا يعودان إلى نقص في الطلب الإجمالي على السلع، بل إلى نقص في الأراضي ورؤوس الأموال والموارد المتممة الأخرى نسبة إلى العدد الإجمالي للسكان والقوى العاملة.

ورأت الاقتصادية البريطانية جوان روبنسون، أنه لم يكن لدى النظرية الكينزية كلاماً كثيراً تقوله مباشرة إلى البلدان الأقل تقدماً، فهي وُضِعت في سياق اقتصاد صناعي متقدّم يضم مؤسسات مالية متطورة جداً وطبقة أعمال متمرسة.

وترافقت العمالة الناقصة التي همّت كينز مع استخدام ناقص لطاقة موجودة أصلاً، ونتجت من تراجع الطلب الفاعل.

أما العمالة الناقصة في الاقتصادات الأقل تقدماً فتنجم عن أن الطاقة والطلب الفاعل لم يكونا يوماً بمستويات كبيرة كفاية.

ربما يعجبك أيضا