من “هرقل” إلى هارفي”.. لماذا تُطلق أسماء بشرية على الأعاصير؟

أماني ربيع

أماني ربيع

يبدو أن الطبيعة أعلنت غضبها على الولايات المتحدة الأمريكية، والطبيعة هي القوة الوحيدة التي تستطيع مجابة الدولة الأقوى، الجدل يحتدم فهناك من يقول إنه غضب الرب للانتقام من الدمار الذي يسود العالم برعاية أمريكا، وهناك من يقول إنها مجرد كارثة طبيعية تشبه الكثير من مثيرتها حول العالم، لكنها كارثة ثقيلة ثلاثية الأبعاد فبعد “هارفي” و”إرما”، كانت أمريكا على موعد مع الإعصار “جوزيه” في ختام متصاعد جدير بالخلود إلى الأبد.

لكن لماذا نمنح الأعاصير أسماء وكأنها مولود جديد نحتفي به، هل لاتقاء شرها وتدليلها كي تهدأ قليلا، أم هناك أسباب أخرى، الحقيقة أن السبب بسيط جدا، وهو لأجل تسهيل التواصل وتبادل البيانات حول حركة الإعصار التي كانت تحدد في الماضي وفقا لخطوط الطول والعرض، لكن ورغم جدية الأرقام إلا أنه وفي حالات الطوارئ قد يحدث تداخل غير مقصود خلال انتقال المعلومات بين المصادر المختلفة، ما يؤدي إلى الخلط أو الالتباس خاصة في المناطق التي تكثر فيها الأعاصير المدارية، لذا ومن أجل التنبؤ بشكل أدق بالطقس تم إطلاق الأسماء على العواصف والأعاصير  لتحذير الناس بشكل يسبق الخطر.

وهل ينسى المرء اسما، بالطبع لا خاصة إذا ما ارتبط بذكرى سيئة، لذا يكون الأمر أسهل فيما يتعلق بالحصول على المعلومات بشكل فوري، لكن هل كان هذا هو الوضع في الماضي؟.

برلمانيون بخلاء.. ونساء مكروهة

والإجابة هي لا، فالعشوائية كانت سيدة الموقف، فلم يكن هناك منهج معين لتسمية الأعاصير في الماضي، وغالبا ما كانت تسمى بأسماء القديسين مثل إعصار “هرقل”  و”سانت بول” وإعصار “سانت لويس” وإعصار “سانتا ماريا”، أو بأسماء  السنوات التي حدثت فيها مثل إعصار 1898، وإعصار 1906، أو بحسب المكان التي حدثت فيها مثل إعصار ميامي وإعصار هيوستن، وهكذا.

أما بداية إطلاق أسماء على الأعاصير فتعود إلى عالم الأرصاد الجوية الأسترالي كليمنت راج الذي أطلق على الأعاصير أسماء البرلمانيين الذين كانوا يرفضون التصويت على منح قروض لتمويل أبحاث الارصاد الجوية، ويزعم البعض أنه كان يطلق على الأعاصير أسماء النساء اللاتي يكرههن.

لكن لماذا اشتهرت التسمية الأنثوية، ذلك لأن طبيعة المرأة يصعب التنبؤ بها، فتارة هي رقيقة وأخرى عنيفة، مزاجها متقلب، وبطشها مخيف عندما تكره أو تغضب، لكن هناك رأي آخر يقول إن كلمة إعصار بالإنجليزية ” Hurricane” مؤنثة ما جعل الأنسب لغويا أن توضع أسماء نسائية للأعاصير.

وطورت القوات المسلحة الأمريكية تسمية الأعاصير خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تقوم بعملية  متابعة ورصد دقيقة للأعاصير في شمال غرب المحيط الهادي ولمنع تعدد الأسماء والاختلاف حولها ، أطلق خبراء الأرصاد الجوية العسكرية على الأعاصير أسماء زوجاتهم أو صديقاتهم .

وفي مطلع 1950 ظهر أول نظام لتسمية الأعاصير، حيث تم بداية اختيار الأسماء حسب الأبجدية الصوتية العسكرية، وفي عام 1953، تخلت اللجنة الدولية للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن نظام الأبجدية، وتم تخصيص أسماء نسائية لإطلاقها على العواصف، أما الذكور المغضوب عليهم فلم تتم إضافة أسمائهم إلا بحلول عام 1979، لأن الكثيرين كانوا يعتقدون أن الأعاصير التي تحمل أسماء النساء ليست خطيرة، وهو ما قد يسبب عددا أكبر من الضحايا.

فيما بعد تم تهذيب عملية التسمية للأعاصير، فكان يطلق على الإعصار الأول اسم المرأة التي تبدأ بأول حرف أبجدي، والثاني باسم المرأة التي يبدأ اسمها بالحرف الأبجدي الثاني، وهكذا مع مراعاة أن تكون الأسماء قصيرة يسهل نطقها وتذكرها، وتم إعداد قائمة لـ 84 إعصارًا كلها بأسماء إناث.

أسماء رجالية لأول مرة

في عام 1979 تم طرح قوائم جديدة، بمعدل قائمة لكل 6 سنوات تتضمن أسماء مذكرة ومؤنثة على التوالي فتوضع أسماء مسبقة للأعاصير المتوقعة، وهذه الأسماء تطلق تباعا، وبحسب قائمة أبجدية، وغالباً ما تكون الأسماء المختارة مألوفة بين الناس في المناطق التي تمر بها الأعاصير، شريطة ألا يكون الإعصار مدمرا، فإذا زادت حدة الإعصار يشطب الاسم من القائمة المستقبلة تشاؤما ويستبدل آخر به من النوع نفسه، يبدأ بالحرف ذاته.

وانطبقت هذه الشروط على الإعصار “أندرو”  الذي ضرب جنوب الولايات المتحدة في أغسطس 1992 مخلفا 23 قتيلا وخسائر بقيمة 21 مليار دولار، وإعصاري “تشارلي” و “إيفان”  اللذان ضربا فلوريدا وكوبا بين أغسطس وسبتمبر 2004، فهذه أسماء أعاصير لن تتكرر مرة ثانية في القوائم المستقبلية.

ولا تحمل العواصف الاستوائية أسماء إلا إذا وصلت قوتها إلى ما بين 8 و11 درجة على مقياس بوفورت، أي ما بين 65 و110 كلم في الساعة.

ولربما يتدخل عنصر في القائمة فيحمل اسما جديدا من غير المكتوب، فمثلا إعصار “كاترينا” سمي تيمنا بمن اكتشفت قدومه إلى الشواطئ الأمريكية، وهي موظفة عاملة في مركز بحوث الأرصاد الجوية .

لا للأسماء الأمريكية

وتم وضع قوائم لأسماء الأعاصير وزعت على مناطق متعددة للمحيطات حول العالم، ويعاد تدوير المجموعات ذاتها من الأسماء كل ست سنوات، بحيث تستخدم قائمة محددة كل عام، وهو ما يعني أن مجموعة معينة من الأسماء تتكرر كل ستة أعوام، باستثناء الأعاصير المدمرة التي يتم حذف أسمائها تماما من القائمة، ومنها إعصار “كاترينا” و”ساندي” و”جواكين” و”أيرين”.

لكن قررت بلدان شرق آسيا الابتعاد عن الأسماء الأمريكية مثل إعصار “تيد” وإعصار “فرانكي” باعتبار أنها غير مفهومة لشعوب تلك المناطق، فبدأت تسمي أعاصيرها بنفسها، واستخدمت أسماء حيوانات بدلا من الأسماء البشرية مثل إعصار “دامري” ويعني”الفيل”  في اللغة الكمبودية، وإعصار “كيروجي” وهو اسم نوع نادر من البط البري في كوريا الشمالية.

وتشمل قائمة الأعاصير للعام 2017 عدة أسماء من بينها “بريت”، “أوفيليا” و”فيليب” والتي من المقرر إعادة استخدامها مرة أخرى العام 2024.

ولم يتم الإعلان بعد عما إذا كان سيتم حذف “هارفي” أو “إيرما” من القائمة، ولكن بالنظر إلى “إيرما” فإنه بالفعل أحد أقوى الأعاصير المسجلة على الإطلاق في المحيط الأطلسي.

 

ربما يعجبك أيضا