أنقرة وواشنطن .. علاقة يشوبها تعارض المصالح

يوسف بنده

رؤية

رغم الأزمة الكبيرة التي تعاني منها العلاقات الدبلوماسية التركية الأمريكية إلا أنها تبقى ذات أهمية مصيرية لكلا البلدين.

ومن النادر أن تصل علاقات الولايات المتحدة إلى هذا المستوى من السوء مع أحد الحلفاء الرئيسيين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مثلما هو الحال الآن بين واشنطن وأنقرة.

لكن هناك تعارض حول أولويات المصالح، فتركيا أن من مصلحتها الخلاص من جماعة حزب العمال الكوردستاني المسلحة أولًا، والولايات المتحدة الأمريكية ترى أن استهداف الجماعات الجهادية مثل تنظيم داعش يجب أن يكون أولًا، وهو ما جعل الرئيس التركي يذهب إلى علاقات أوسع مع روسيا والصين، والدخول في عقيدة التسليح الروسية والصينية للضغط على القوى الغربية التي تمثل تركيا شريكا مهما لها في حلف شمال الأطلسي.

فقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الولايات المتحدة الأمريكية بسبب رد الأخيرة حول الصفقة العسكرية المبرمة بين روسيا وتركيا لشراء منظومة “إس-400” الدفاعية.

وقد وجه أردوغان حديثه إلى الولايات المتحدة خلال خطبته في العاصمة التركية، وقال: “بعد الاتفاق مع روسيا حول صفقة “إس-400″، مباشرة بدأت الإدارة الأمريكية بالصراخ، هل علينا انتظار الجواب من الولايات المتحدة كي نشتري السلاح؟ نحن أحرار وأسياد نفسنا ولسنا تابعين لأحد”.

واعتبر أردوغان أن تركيا بحاجة لإعادة النظر في رؤيتها وسياستها العامة والخارجية مع الدول، ذاكرا أن تركيا بعد رفض الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بيعها طائرات من دون طيار، بدأت أنقرة بنفسها إنتاج وتطوير طائرات محلية الصنع، ما أثار قلق الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها في المنطقة.

يذكر أن رد الولايات المتحدة الأمريكية على صفقة روسيا وتركيا الأخيرة حول منظومة “إس – 400” كان سريعا، حيث أعلنت أمريكا أنه كان الأجدى لتركيا اعتماد منظومة الصواريخ الأمريكية “باتريوت” والتنسيق مع الناتو في المسألة الدفاعية.

لكن هل يمكن استغناء الولايات المتحدة الأمريكية عن تركيا؟

وهو ما أجاب عليه أرون شتين في تقرير نشرته “ذي أتلانتيك“، حيث يقول: كانت مهمة وزير الدفاع “جيمس ماتيس” صعبة في زيارته لتركيا، فقد كان عليه أن يخطو في قلب المصالح المتصارعة التي تميز علاقة الولايات المتحدة العسكرية بتركيا، وأحد أهم ما يعقد هذه العلاقة هو في السياسة الأمريكية في سوريا، التي تعتمد بشكل أساسي على دعم قوات محلية تعتبر تركيا بعضها إرهابية.

تعهدت إدارة “ترامب” بـ”تدمير” تنظيم “الدولة الإسلامية”، وتعتمد خطتها على القوات الديمقراطية السورية، التي تعد في غالبيتها ميليشيات كردية، كما تعتمد على القوات الجوية ومئات من قوات العمليات الخاصة المتعاونين مع القوات الديمقراطية السورية لإدارة المعركة.

مشكلة تركيا الأساسية هي مع أهم ميليشيات عسكرية تكوّن هذه القوات، وهي “وحدات حماية الشعب الكردية” التي تعد الفرع السوري من “حزب العمال الكردستاني” الذي ما يفتأ يثير تمردا في تركيا بين الحين والآخر منذ أربعة عقود، ما جعل المسؤولين الأتراك يهددون باستهداف القوات الديمقراطية السورية عدة مرات في السنتين الماضيتين.

وقد أنفقت الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية كبيرة لإبقاء قواتها العسكرية خارج سوريا، لكي تحمي التحالف القديم بين واشنطن وأنقرة من الانهيار، وكنتيجة لذلك، لم تتدهور العلاقات التركية الأمريكية بشكل كامل، لكن أنقرة اختارت أن ترسل قوات عبر حدودها مع سوريا في أغسطس/آب 2016 لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” واحتواء القوات الديمقراطية السورية.

بدا “ماتيس” مخلصا في جهوده لقلب الصفحة مع نظرائه في تركيا، لكن هذه الجهود قد تكون غير مجدية ما لم يدفع “ترامب” بمزيد من التواجد العسكري الأمريكي في شرق سوريا لتعويض خسارة القوات الديمقراطية السورية، وهو ما لا يرجح أنه سيحدث لمناقضته لخطابات الرئيس نفسه أثناء حملته الانتخابية، كما أنه يخالف التفكير العسكري الأمريكي الحالي بخصوص الاعتماد الكبير على القوات المحلية لكسب الصراعات.

ولهذا يرجح أن تستمر الشراكة بين الولايات المتحدة والقوات السورية الديمقراطية، ما بقيت الولايات المتحدة في حربها مع تنظيم الدولة، ما يعني أن التوترات مع تركيا سوف تستمر.

وتصاعدت توترات تركيا مع حلفاء الناتو بشكل كبير منذ فشل الانقلاب العسكري في تركيا في 15 يوليو/تموز (2016)، وقد أثار “أردوغان” هذه التوترات من أجل مكاسب شعبوية محلية، حيث نشرت وسائل الإعلام الموالية لحزبه (العدالة والتنمية) سرديات عن دعم الغرب للإطاحة بحكومته والانقلاب عليها.

وقد تحركت الشعبوية التركية بالتوازي مع صعود نفوذ القومية اليمينية المتطرفة في بعض الدول الغربية، ما أسفر عن علاقة تكافلية بين اليمين المتطرف وحزب الحرية والعدالة، فكلاهما يستغل الخوف من الآخر لتشكيل خطابه السياسي في الحملات الانتخابية.

الأولوية لتركيا

وبرغم التوترات، فإن العناصر الرئيسية في حكومة الولايات المتحدة لديها نية في تطوير العلاقات مع تركيا، ويستند المؤمنون بتعزيز التعاون إلى التهديد بعيد الأمد على أمن الولايات المتحدة في أوروبا وأهمية الحفاظ على النظام في التحالف عبر الأطلسي، ومع أن “ترامب” تحدى ذلك بانتقاده المستمر للناتو، لكنه بغض النظر عنه وعن بعض مستشاريه الحاليين والسابقين، فإن معظم الحكومة يؤكد أن شعار حملته “أمريكا أولاً” لا يعني “أمريكا وحدها” أو أمريكا بدون حلفاء.

ويبدو إشراك تركيا أشبه بالمشي على خيط رفيع، وقد أشارت واشنطن إلى أنها ستزيد التعاون الاستخباراتي مع تركيا للمساعدة في استهداف حزب العمال الكردستاني، وأن هذا الترتيب يسبق الحرب على تنظيم الدولة وشراكة الولايات المتحدة مع القوات الديمقراطية السورية، لكن المشكلة الآن هي أن أي مساعدة في الضربات التركية على حزب العمال الكردستاني أو على قادة الحركة سوف يقضي على خطة أمريكا الحربية في سوريا.

تزود الولايات المتحدة تركيا بالفعل بمساعدة في استهداف وتعقب التمويل لحزب العمال الكردستاني في أوروبا، والتوسع في هذا يجب أن يبقى هادئا وسريا، وسيكون شيئا محمودا بالنسبة للحكومة التركية، قد تقدم عليه رد جميل خاصا، لكنه لن يحقق الكثير فيما يخص كسب امتيازات لتوصيل المطالب الأمريكية لأنقرة.

هذه المطالب تشمل خفض اللهجة المعادية لأمريكا في الخطابات، ووقف الاتهامات بتورط الولايات المتحدة في محاولة الانقلاب الفاشلة، بالإضافة إلى تخفيف التوترات مع الأوروبيين، وعمل خريطة طريق جادة لمفاوضات سلام بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، لكن يبدو أنها لن تتحقق، حيث إن تركيا تتلقى عروض المساعدة وتتصرف علنا كأن شيئا لم يتغير، كما أن مثل هذه البرامج السرية ستكون مهددة بتسريبات مستقبلية، قد تهدد بدورها التعاون مع القوات الديمقراطية السورية، وتسبب تراجعا في المعركة الحالية ضد تنظيم الدولة في سوريا.

تبنت الحكومة التركية علاقة تعاقدية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وربما سيكون نفس النوع من العلاقات مريحاً للولايات المتحدة، لتطلب أشيائاً معينة في مقابل مساعداتها.

سوف تنتهي الحرب ضد تنظيم الدولة في نهاية المطاف، والمكاسب الاستراتيجية من إبقاء تركيا داخل المظلة تفوق المكاسب من محاولة استبدال تركيا لصالح القوات الديمقراطية السورية، وزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية يكون مفيدا طالما كان ضمن سياق أوسع مقابل متطلبات من تركيا، والمفارقة أن الفترة الحالية من التوترات، أظهرت المدى الذي يمكن لكل من الطرفين أن يتجاذبا فيه دون أن تنتهي العلاقة.

ربما يعجبك أيضا