استقلال “كردستان العراق” بين الشد والجذب

رؤية – محمود سعيد

يتجه العراق اليوم، إلى لحظات فاصلة في تاريخه الحديث، منذ الحرب العالمية الأولى، فالاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق بات قاب قوسين أو أدنى، وكل المؤشرات من داخل الإقليم الكردي تؤكد أن التصويت سيكون بكثافة لصالح الاستقلال.

أربيل تكرر تأكيدها أن “لا خيار آخر” لديها إلا الاستفتاء لضمان حقوق الأكراد وتصريحات الزعيم الكردي مسعود البارزاني تشدد على أن حلم الأكراد كان الاستقلال وإقامة دولة لهم، وإن استقل إقليم كردستان العراق، فلن يكون هذا بجديد، لأنه عبر التاريخ، كان إقليما مستقلا يحكم ذاتيا ويتبع الأنظمة الحاكمة سواء في دمشق أو بغداد أو إسطنبول، والأكراد مكون أصيل من مكونات هذا المشرق.

ولكن ما ينبغي أن نعلمه أن الاستفتاء الحالي يتعلق فقط بأكراد العراق، وهؤلاء في الوقت الحالي ليس لهم طموحات نحو إنشاء كردستان الكبرى مع اكراد إيران من ناحية ومع حزب العمال الكردستاني (الماركسي) في تركيا وفروعه في سوريا بسبب التعارض الإيديولوجي بينهما.

كردستان العراق

يتركز الأكراد في محافظة السليمانية ومحافظة أربيل ومحافظة كركوك ومحافظة دهوك ومناطق سنجار وعقرة من محافظة نينوى. وكذلك في منطقتَي خانقين ومندلي من محافظة ديالى حيث يجاورون أكراد إيران إلى الغرب من جبال زاجروس، وكذلك في منطقتي بدرة وجصان من محافظة واسط (لورستان الصغرى)، كذلك ينتشر اللوريون في مدينتي العمارة والكوت.

ويعاني الإقليم في الوقت الراهن من وضع اقتصادي صعب نظراً لتراجع أسعار النفط، فعلى الرغم من وفرة المصادر النفطية، فقد تعرض الإقليم لانتكاسة جراء هبوط أسعار النفط الخام الذي قلص مصدر دخله الرئيس.

القيادات الكردية تدرك جيدا أن حكومة بغداد التي يهيمن عليها الشيعة حكومة استبدادية استئصالية، وهم يعلمون أن الأطماع الإيرانية وأهداف المليشيات الشيعية العراقية في نشر التشيع في الإقليم الكردي، وقد اغتيل المئات من الأكراد السنة في بغداد وديالى ومدن أخرى على أيدي المليشيات الشيعية، فالأكراد في العقيدة الشيعية يعتبرون من الجن !!. ورغم الرفض الإقليمي، فإن الأكراد سيمضون في طريقهم لتحقيق حلمهم الكبير، ولكن في الوقت نفسه فإن احتمالات الصدام العسكري واردة وبقوة وخصوصا في المناطق المتنازع عليها وخصوصا في كركوك وسنجار.

تهديدات إيران والأحزاب الموالية لها

من جهته، قال أمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي، إن “تقسيم العراق خطأ فادح واستفتاء كردستان سيؤدي إلى تداعيات خطيرة في المنطقة ونحن ضده”.

كما زار قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، أربيل، لمنع مساعي رئيس الإقليم مسعود بارزاني بالمضي قدماً في إجراء الاستفتاء للانفصال عن العراق.

وقالت صحيفة “مشرق نيوز” الإلكترونية، “إن الجنرال قاسم سليماني يتنقل حالياً بين أربيل والسليمانية؛ للتفاوض مع المسؤولين الأكراد لمنع إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراق”، مشيرة إلى أن سليماني اجتمع بقادة في حزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني لبحث الملف.

وقال مستشار رئيس البرلمان الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان، “إن ما يقوم به مسعود بارزاني لن يخدم مستقبل الكرد وسيؤدي أيضا إلى زعزعة الأمن في إقليم كردستان العراق”.

وأوضح عبد اللهيان في تصريحات صحفية، “أن خطأ بارزاني الاستراتيجي الجديد هو الاستعجال بالدخول في عملية تؤدي إلى التلاعب بأمن ومستقبل العراق”.

في حين، حذر القيادي الشيعي عمار الحكيم من أن انفصال اقليم كردستان عن العراق سيعرض المنطقة إلى “تسونامي التقسيم”، وينعش طموح الانفصال عند مناطق كثيرة في البلاد أولها البصرة ومدن الجنوب والتي ستنتقل إلى دول الجوار.

أما البرلمان العراقي الذي تهيمن عليه الأحزاب التابعة لإيران، فصوت بغالبية ضد إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان.
كما حذر هادي العامري الأمين العام لمنظمة “بدر” المنضوية في “الحشد الشعبي، من أن استفتاء إقليم كردستان قد يجر إلى “حرب أهلية”، داعياً الجميع إلى منع التداعيات السلبية للاستفتاء.

اللعبة الأمريكية وحقيقة موقفها

وكما العادة، في العلن تتظاهر الولايات المتحدة الأمريكية بأنها ضد الاستفتاء في الوضع الحالي خشية من أن يستغل تنظيم “الدولة” ذلك، وفي السر تقدم واشنطن كل الدعم لتقسيم العراق.

المسؤول الكردي رشاد كلالي كشف أن الجيش الامريكي قد يتسلم مواقع قوات البيشمركة حال أي تصعيد عسكري يطرأ على العلاقات بين بغداد و اربيل بسبب استفتاء كردستان.

فيما لم يستبعد الجنرال المتقاعد في الجيش الأمريكي إيرني أوديرنو من اندلاع مواجهات مسلحة بين قوات البيشمركة والحشد الشعبي بعد الاستفتاء، وقال اوديرنو: “توجد احتمالية المواجهات بين الحشد والبيشمركة”، مبينا أن “التهديد الثاني بعد داعش بالنسبة لكردستان متمثل بالحشد الشعبي”.

وأضاف أن “أمريكا لن تعمل بعقلية القرن المنصرم”، في إشارة إلى تخلي واشنطن عن الكرد بعد ثورة سبتمبر/أيلول واتفاقية مارس/آذار، وتابع أوديرنو إن “هناك تفهما سائدا في الشارع الامريكي بأن الكرد إذا ذهبوا إلى الاستفتاء فلن نتركهم”، كاشفا أن “أمريكا تقوم بإنشاء قنصلية جديدة في أربيل هي الأكبر في الشرق الأوسط، وواضح بأن واشنطن تريد ان تحول تلك القنصلية الى سفارة مستقبلا”. وأردف بالقول “أعتقد أن أمريكا والرئيس ترامب أخيرا سيقبلون بنتائج الاستفتاء واستقلال كردستان”.

رؤية عربية

فيما قال الأكاديمي العراقي المتخصص بالشؤون الإسلامية، طه الدليمي، أنه ” إذا نظرنا إليه من حيث الشرع فليس فيه ما يمنع إجراءه، وإذا نظرنا إليه من حيث قوانين العالم فلا غبار عليه، وإذا نظرنا إليه من الناحية القومية ففي العراق يوجد الكورد والعرب وأقليات أخرى، وبالنظر إلى القومية لا يحق للعرب أن يعترضوا على قوم خلقهم الله كورداً، أما من ناحية الإسلام والشريعة ومن ناحية القانون العالمي والقومية، فالاستفتاء أمر طبيعي ولا غبار عليه وللكرد كل الحق في أن يجروا هذا الاستفتاء”.

وأردف قائلاً: “لماذا لم يحمونا نحن العرب السنة، فلم نجد من مأوى أو ملاذ لنا إلا إقليم كردستان، فالإقليم استطاع أن يحمي نفسه ويحمينا، ونحن العرب لجأنا إلى إقليم كردستان، والإقليم طيلة 14 سنة مضت، استطاع أن يصمد بوجه مؤامرة إيران على التهام المنطقة وإعادة الإمبراطورية الساسانية الفارسية”.

معضلة كركوك

أما محافظة كركوك فقد تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير، وتخلط الأوراق وتسبب في معارك لا تبقي ولا تذر، فالمحافظة تحتوي على نسبة 4% من عائدات نفط العالم، وإن انضمامها إلى استفتاء الاقليم، بالرغم من عدم كونها جزءا منه عقد الأمور كثيرا.

وقد ندد البارزاني ندد بتصويت البرلمان العراقي لإقالة محافظ كركوك نجم الدين كريم من منصبه، وقال البارزاني في كلمة أمام تجمع مؤيد للاستفتاء في زاخو شمال إقليم كردستان إن بغداد لم تترك مجالا للمفاوضات بشأن الاستفتاء على الاستقلال.

كما ان مجلس محافظة كركوك عقد ايضا الوضع اثر عملية التصويت، التي حضر فيها 24 عضوا فقط من اصل 41، صوت 23 منهم على انضمام كركوك، في حين قاطع الأعضاء الاخرين التصويت، ووصفوه بكونه “خالي من الشرعية والغير صائب”. مشيرين إلى أن هذا القرار سيترك اثارا عميقة، ليس لكركوك فقط، بل للعراق باكمله.

عضو البرلمان العراقي، النائب التركماني “ارشد الصالحي”، قال إن “قرار مجلس محافظة كركوك سيخلق صراعات جديدة كما انه سيخلق تناقضات واختلاف رأي بين العرب، التركمان، والاكراد فيها، مسببا حرب اهلية في المدينة”.

كذلك فإن تركيا تعتبر مدينة كركوك تركمانية، وهذا ما قد يعقد عملية استقلال الإقليم بالتأكيد.

حيث أكدت تركيا أنه “في حال أقدم الإقليم الكردي على إجراء الاستفتاء، فإن هذه الخطوة سيكون لها ثمن، والنتائج التي ستتمخض عنها هي الفوضى والأزمات وغياب الاستقرار في المنطقة”.

اغراءات 

ومع هذا فالضغوط الدولية والإقليمية على رئاسة إقليم كردستان العراق مستمرة، حيث قدم وفد غربي خطة لتأجيل الاستفتاء على استقلال الإقليم.

وقال قيادي في “الحزب الديمقراطي الكردستاني”، الذي يتزعمه مسعود البارزاني، إن المقترح البديل الغربي يتضمن حلًّا على عدة مراحل للمناطق المتنازع عليها، ضمن المادة 140 من الدستور، ولملف النفط، ومرتبات موظفي الإقليم الحكوميين، فضلًا عن أزمة كركوك، بضمانات تلك الدول، مقابل حصول الإقليم على امتيازات جديدة لم يذكرها، فضلًا عن دعم من تلك الدول للإقليم، مقابل تأجيل الاستفتاء لحين توفر البيئة المناسبة لتنفيذه وبتوافق من كل الأطراف، وأكد أن “البارزاني بدا راضيًا عن المقترح الجديد، لكنه طالب بالعودة إلى قيادات الأحزاب المشاركة معه في المشروع”.

إذا ففي حالة تأجيل الاستفتاء، سيتأخر الانفصال، ولكنه سيظل حلما يراود الأكراد، ولن يتخلوا عنه، سيسعون لتحقيقه في أقرب وقت ممكن، وسيعتبرون ان هذا التأجيل فرصة للحصول على المزيد من الأراضي المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد والمزيد من الامتيازات.

   

ربما يعجبك أيضا