المفوضية الأوروبية.. إيجاد تعاون استخباراتي مع القوى العسكرية في مناطق النزاع

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ما زالت قضية عودة المقاتلين الأجانب تمثل الشغل الشاغل لأجهزة الاستخبارات الأوروبية، وهي تسعى بمفردها أو من خلال المفوضية الأوروبية، لإيجاد سياسات وتعاون استخباراتي، لرصد وتتبع عودة المقاتلين الأجانب، والذي ما زال تحديا أمام أجهزة الاستخبارات، كون هذه الجماعات المتطرفة، لديها الخبرة باستخدام الوثائق المزورة، والإفلات من الإجراءات الأمنية التقليدية عبر الحدود والمطارات.

ذكر مفوض الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب “جيليس دي كيرشوف” يوم 12 سبتمبر2017 إن هناك حاليا نحو 2500 أوروبي يقاتلون في صفوف تنظيم “داعش” في سوريا والعراق.

وقال إنه يتعين تحسين التعاون مع القوى العسكرية المنخرطة في منطقة النزاع، للحصول على معلومات لسلطات الأمن الأوروبية مثل بصمات المشتبه بهم، موضحا في الوقت نفسه ضرورة تبادل بيانات بيومترية بين الدول الأعضاء في الاتحاد لكشف هوية العائدين من القتال في صفوف “داعش” في الوقت المناسب.
 
بيانات بيومترية (Biometrics)

 
هو علم تحقيق شخصية الإنسان عن طريق مكونات الأجسام البشرية لأنه يضم وسائل التعرف علي الهوية للأشخاص تلقائيا علي أساس الصفات الشكلية والفسيولوجية والتشريحية الخاصة بكل شخص.

أبرزها بصمات الأصابع وراحة الكف والأقدام، كذلك التعرف على الهوية من خلال ملامح الوجه أو الصوت أو هندسة اليد أو حدقة، وهذه المقاييس تعالج من خلال البرمجة والتشفير للسمات الفريدة لكل شخص وتخزن في قاعدة البيانات لمطابقتها تلقائيا بملامح وسمات المشتبه فيهم.

وكشف تقرير سري للشرطة الاتحادية الألمانية يوم 13 اوغست 2017، أن داعش استولى على نحو 11 ألف جواز سفر سوري فارغ، يمكن ملؤها بتفاصيل شخصية.

وتخشى برلين من أن ينجح التنظيم عبرها في إرسال مناصريه إلى أوروبا، وفي المجموع تقول أجهزة الأمن الألمانية أن 18 ألف جواز سفر سرقت من مقار للحكومة السورية بينها آلاف أصبحت في حوزة مجموعات أخرى غير تنظيم “داعش”. وتبيّن أن عناصر في المجموعة التي تقف وراء اعتداءات باريس التي أودت بـ130 شخصا في نوفمبر 2015، كانوا يحملون جوازات سفر سورية مزورة.

ودعت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) الدول إلى الحصول على بيانات” بيومترية” من مسلحي تنظيم داعش وجماعات متطرفة أخرى من أجل مساعدة أجهزة إنفاذ القانون على رصدهم، لاسيما عند العودة إلى أوطانهم. وقال الأمين العام لإنتربول يورغن ستوك إن المنظمة لديها بيانات تعريفية عادية، مثل بصمات الأصابع والحمض النووي أو صور الوجوه مثل المسح الضوئي، لنحو 10 بالمائة من بين 9 آلاف “مقاتل إرهابي أجنبي” على قاعدة بياناتها.

مسالك عودة المقاتلين الأجانب

أشار رئيس وكالة المخابرات الداخلية الفرنسية كالفار إلى أن “داعش” لا يزال يستخدم الطرق نفسها التي يسلكها المهاجرون عبر البلقان لإدخال مقاتليه إلى أوروبا، مبينا أن التنظيم في وضع يحاول الرد بأسرع ما يمكن وبأقسى ما يستطيع لتشتيت الانتباه والثأر من ضربات التحالف الجوية.

من جهة تعتبر تركيا في مقدمة الدول التي يشار إليها ويتم اتهامها بتسهيل دخول المقاتلين عبر حدودها مع سوريا والتي ليست تحت سيطرة النظام، فالعبور من تركيا إلى داخل سوريا أمر سهل الآن

إجراءات أوروبية لمواجهة المقاتلين الأجانب

اتخذت دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ببعض الإجراءات الاحترازية لمكافحة عودة المقاتلين الأجانب إلى الغرب منها : مراقبة حدود دول الاتحاد الأوربي الخارجية وكذلك مابين دول الاتحاد خاصة فضاء “الشنغن”، وفرض إجراءات أمنية مشددة على المطارات والمعابر الحدودية وتبادل البيانات والمعلومات حول المسافرين عبر نظام الكتروني يسمح بالدول الأعضاء الدخول إليه.

وجاء قرار تشديد المراقبة على حدود الاتحاد الأوروبي استنادا إلى تعديلات البرلمان الأوروبي لقانون الشنغن في 16 فبراير 2017 . وبموجبه فأن دول الاتحاد الأوروبي تملك الحق في التفتيش الاختياري للأشخاص بالنقاط الجوية والبرية والمائية أي التحقق فقط من جنسية الشخص وقانونية الوثائق، لكن مع ذلك قد يتخذ مثل هذا القرار وفقاً لتقييم الخطر.

وتفاوتت الاجرائات التي تتخذها الحكومات الاوروبية ضد عناصر داعش العائدين من القتال، فلا توجد معايير موحدة، على سبيل المثال:

فرنسا

تعتبر جميع من سافر إلى سوريا والعراق متورط  بعمليات قتالية وجرائم داخل صفوق تنظيم داعش وفصائل وتنظيمات  متطرفة أخرى وممكن أن تصدر بحقهم عقوبة سجن تتجاوز العشر سنوات.

ألمانيا

تختلف بإجراءاتها عن فرنسا، وهي لا تخضع العائدين للقتال، إلا بعد ثبوت الأدلة القضائية، التي تثبت تورطه بالقتال مع تنظيم داعش، لذا هي مضظرة الى اخضاعهم للمراقبة الشديدة ومن تثبت تورطه بالقتال مع تنظيم داعش، ربما من خلال الشواهد او صور او ادلة جنائية، يعاقب بعقوبة تمتد مابين ثلاث الى خمس سنوات فقط، مع تقديم الرعاية الاجتماعية والنفسية.

السويد

تختلف ربما عن بقية الدول، بعدم اخضاع العائدين من القتال، وتقديم الدعم والرعاية الاجتماعية والنفسية. هذا يعكس اختلاف فلسفة اجهزة الاستخباراتت ورؤيتها الواحدة عن الاخرى بتعاملها مع المقاتلين الاجانب، ومكافحة الإرهاب. دول أوروبا ربما تتفق مابينها بوجود سياسات متقاربة لمحاربة داعش، مع غياب استراتيجية موحدة لمحاربة الإرهاب والتطرف.

هولندا

أصدرت قانونًا يجرم التوجه للقتال في سوريا، وبموجبه منعت عددًا من المقاتلين من العودة إلى هولندا، وأسست وحدة أمنية لتعقب العائدين ومحاكمتهم.

السؤال لماذا أثارت ألمانيا هذا التقرير مجددا في هذا التوقيت، رغم أن التقرير كشف عنه النقاب خلال عام 2016؟

ليس مستبعدًا أن  يكون إصدار هذا التقرير لأغراض سياسية ما قبل الانتخابات الألمانية المقررة يوم 24 سبتمبر 2017، كون موضوع الأمن واللاجئين، أصبحا ورقة تراهن عليها جميع الأحزاب الألمانية ما قبل الانتخابات.

المفوضية الأوروبية، لاول مرة تعلن توصياتها مع الجماعات العسكرية في مناطق النزاع ربما يقصد فيها سوريا والعراق وليبيا. هذا النوع من التعاون بات مطلوبا، وان ياتي متاخرا افضل من عدم التعاون الاستخباراتي.

رغم اعلان المفوضية، فأن اجهزة الاستخبارات الاوروبية ابرزها الفرنسية والايطالية والبريطانية والالمانية الى جانب الاستخبارات التركية، اتخذت من دول الجوار السوري محطات لانشطة عملائها، بجمع المعلومات حول المقاتلين الاجانب.

النظام السوري من جانبه، سرب معلومات مقصودة حول لقائات وزيارات الى اجهزة الاستخبارات الاوروبية ومنها الفرنسية حضرت تحت اغطية اعضاء بالبرلمانات الاوروبية.

أنماط المقاتلين الأجانب العائدين إلى بلدانهم

في ظل اختلاف مصادر تهديد عودة “الجهاديين” إلى أوروبا، يمكن تصنيف أربعة أنماط للعائدين من سوريا:
أولا: نمط عدم التكرار مرة أخرى، وهؤلاء يكون لديهم الحماس الشديدة للانخراط في القتال، ولكنهم يكتشفون بعد ذلك مدى بشاعة القتال، ويقررون بعدم المشاركة مرة أخرى، وهذا النمط لا يمثل خطورة.

ثانيا : الانزواء النشط” ، وهؤلاء لا يقتصرون فقط على الانزواء والندم، ولكنهم يحاولون منع ذويهم من الذهاب وخوض التجربة نفسها.

ثالث :  وهو السياح “المجاهدون”، وهؤلاء يحملون في البداية أفكارًا مثالية عن القتال، ثم يصطدمون بالأمر الواقع، ولكنهم يحاولون خداع الآخرين بنشر أفكار عن “عظمة الجهاد” عند عودتهم إلى ديارهم، وهذا النمط يشكل خطورة على الدول الأوروبية.

رابعا:  وهو الجهاد العابر للقارات، وهؤلاء لديهم التزام إيديولوجي للعنف باسم الإسلام في الداخل والخارج، وهؤلاء لا يعودون إلى ديارهم إلا بعد تنفيذ عدة هجمات في الخارج، وهو النمط الأشد خطورة و الأكثر انتشاراً.

لماذا الاعلان الان عن ايجاد تعاون مع المجموعات العسكرية؟

يأتي هذا الإعلان مع تغيير المعادلة السياسية في سوريا، وفي اعقاب هزيمة تنظيم داعش في معاقله في الموصل والرقة ودير الزور. وهناك تدفق غير مسبوق في هذه الايام للمقاتلين الاجانب عبر تركيا من الحدود السورية،.

تأتي هذه التطورات في أعقاب تغيير في واقع تنظيم داعش، وشعور مقاتليه بالإحباط وتخليهم عن القتال، وهو منحى جديد بدا يظهر في أعقاب معارك الموصل، يعكس انكسار تنظيم داعش والجماعات المتطرفة في معاقلها.

مخاوف دول أوروبا، تصاعدت مع هذه التطورات، ومع عودة المقاتلين الأجانب، بالتزامن مع التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، وهذا يعني أن منطقة الشرق الأوسط، سوف تشهد استقطاب أكثر إلى زيارات مسؤوليين من أجهزة الاستخبارات الأوروبية، وربما تأخذ أشكالا غير واضحة، بعقد ورشات عمل مع أجهزة استخبارات دول المنطقة تحت أغطية مراكز دراسة معنية بالسياسات الأمنية.

*باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات

ربما يعجبك أيضا