بعد 86 عامًا على رحيله.. تعرف على قصة “أسد الصحراء”

دعاء عبدالنبي

رؤية – عماد الشريف
 
((نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت…. هذه ليست النهاية بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه… أمَّا أنا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي)).
 
في مثل هذا اليوم الموافق 16 سبتمبر، تم إعدام المجاهد الليبي الشهيد عمر المختار الذي سطّر بحياته كتابًا مضيئًا من الكفاح ضد الاستعمار بعد ٢٠ عاما قضاها في قتال المحتل الإيطالي الذي غزا البلاد عام ١٩١١، ظنًا أن وفاة “شيخ المجاهدين” ستفت عضد المقاومين، وتقضي على الحركات المناهضة للحكم الإيطالي، لكنها كانت وقودًا جديدا للثورة التي انتهت بانسحاب الطليان من البلاد عام ١٩٤٣، وفيما يلي عرض موجز لحياته.
 
نسبه:
عُمر بن مختار بن عُمر المنفي الهلالي -وشهرته عمر المختار- ويرجع نسبه إلى بني هلال.
 
نشأته:
ولِدَ عمر المختار في 20 أغسطس 1861م في قرية في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا، وتربَّى يتيمًا حيث وافت المنية والده المختار وهو في طريقه إلى مكة المكرمة، وقد درس العلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، كما أنه أصبح خبيراً بمسالك الصحراء وبالطرق التي كان يجتازها من برقة إلى مصر والسودان في الخارج وإلى الجغبوب والكفرة من الداخل، وكان يعرف أنواع النباتات وخصائصها على مختلف أنواعها في برقة، وكان على دراية بالأمراض التي تصيب الماشية ببرقه ومعرفة بطرق علاجها، وتوسَّع في معرفة الأنساب والارتباطات التي تصل القبائل بعضها ببعض، وبتقاليدها، وعاداتها، ومواقعها، وتعلَّم وسائل فض الخصومات البدوية وما يتطلبه الموقف من آراء ونظريات.
 
شبابه:
كان نبوغه ورزانة عقله سبباً لأن يختاره السيد المهدي السنوسي رفيقًا له سنة 1895 في رحلته من الجغبوب إلى الكفرة في جنوب شرق الصحراء الليبية، ثم في رحلة من الكفرة إلى منطقة قرو في غرب السودان، وعيَّنه هناك شيخاً لزاوية عين كلك، ثم عيَّنه المهدي السنوسي في سنة 1897 شيخاً لبلدة تسمى زاوية القصور تقع بمنطقة الجبل الأخضر شمال شرق برقة فأحسن العمل بها، وقد أدَّت علاقته الوثيقة بالسنوسيّين إلى اكتسابه لقب سيدي عمر الذي لم يكن يحظى به إلا شيوخ السنوسية المعروفين.

وعندما بدأ الاستعمار الفرنسي لتشاد في عام 1900 واجه الفرنسيون الحركة السنوسية بالعداء وأخذوا يحاربونها، فأعدت الحركة نفسها للكفاح ضد الفرنسيين بدورها، وكان عمر المختار ممَّن اختيروا لقيادة كتائب الحركة ضدَّهم، كما شارك في تلك الأثناء بالدَّعوة للإسلام في تشاد.
 
وعندما توفي محمد المهدي السنوسي في عام 1902م، وقيل في عام 1906م، استدعته القيادة السنوسية على إثر ذلك للعودة إلى برقة، وهناك عُين مجدداً وللمرة الثانية شيخاً لبلدة زاوية القصور، وقد ظلَّ عمر المختار في هذا المنصب حتى عام 1911م.
 
معاهدة لوزان (بداية الكفاح)
في عام 1911، قامت الحرب بين الدولة العثمانية وبين إيطاليا ، قامت بعدها إيطاليا بمهاجمة ليبيا واحتلالها باعتبارها إحدى الدول التابعة للحكم العثماني، وبعد انسحاب الأتراك من ليبيا وتوقيع معاهدة لوزان عام 1912 أصبحت ليبيا تحت الحكم الإيطالي.
 
الشيخ المجاهد:
عندما علم السيد عمر المختار بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة، وعقب توقيع معاهدة لوزان عام 1912، سطرت حركة المقاومة أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي ومنها على سبيل المثال المعركة التي وقعت يوم الجمعة الموافق 16 مايو 1913، عند درنة، حيث قُتل فيها للإيطاليين ما يقرب من سبعين جنديًّا وأصيب فيها قرابة أربعمائة آخرين، فضلًا عن عشرات المعارك الأخرى التي تكبَّدت فيها قوَّات الاحتلال الإيطالي خسائر فادحة.
 
الحكم الفاشي:
بعد الانقلاب الفاشي في إيطاليا في أكتوبر 1922م، وما نتج عنه من تغيرات شهدتها إيطاليا على المستويين السياسي والعسكري، تغيَّرت الأوضاع داخل ليبيا، واضطر السيد محمد إدريس السنوسي إلى ترك البلاد لأسباب عدة، فتولى السيد عمر المختار الأعمال العسكرية والسياسية في تلك الأثناء، وقام بالعديد من العمليات العسكرية التي سطرها له التاريخ بحروف من نور ومنها معركة الجبال السود في يناير 1928 والتي تكبد فيها الإيطاليون خسائر فادحة والكثير من الأسلاب والغنائم، مما نتج عنه توقف العمليات العسكرية طيلة المتبقي من عام 1928.
 
بداية التحول:

كانت البداية مع تعيين بادوليو حاكمًا عسكريًّا على ليبيا في يناير 1929، والذي بدأ حكمه بعمل مفاوضات سلام في سيدي أرحومه، ولكن لم يكن الغرض هو التفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت والغدر بالمختار، وتأليبَ أنصاره والأهالي عليه، وفتنة الملتفِّين حوله، وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه إمَّا  مغادرة البلاد إلى الحجاز أو مصر، أو البقاء في برقة وإنهاء الجهاد والاستسلام مقابل الأموال والإغراءات، رفض كل تلك العروض، وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث؛ وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.
 
غراتسياني:
دفعت مواقف عمر المختار ومنجزاته، إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد، وتوصَّلت إلى تعيين جنرال غراتسياني 1930؛ وهو واحد من أكثر الجنرالات وحشية في التاريخ الحديث؛ ولم يتوان غراتسياني عن العمل على إبادة وإفناء الشعب الليبي، من خلال عمليات عسكرية شديدة القسوة والدموية استهدفت فزان وبرقة، ثم قامت الطائرات الإيطالية في 26 أغسطس 1930م بإلقاء حوالي نصف طنٍّ من القنابل على الجوف والتاج، وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة والتي كانت تعتبر المعقل الأخير لحركة المقاومة في الجنوب، وبسقوط منطقة الفايدية في الشمال بأكملها في 14 يونيو 1931 أصبح عمر المختار معزولاً تماماً.
 
الأسد أسيراً:
في 11 سبتمبر1931، توجَّه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء، فعرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوَّاتٍ لحصاره، ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقان قرب عين اللفو ورجحت الكِفَّة للعدوِّ فأمر عمر المختار بفكِّ الطوق والتفرُّق، ولكن قُتلت فرسه تحته، فأراد ابن أخيه أن يعطيه فرسه ولكنها قتلت أيضا، وسرعان ما حاصره العدوُّ من كلِّ الجهات وتعرَّفُوا على شخصيَّته، فنُقل على الفور إلى مرسى سوسة في الجبل الأخضر؛ ومن ثَمَّ نَقَلَهُ رأسًا إلى بنغازي، حيث أودع في السجن الكبير بمنطقة سيدي أخريبيش، وقد كان لاعتقاله في صفوف العدوِّ صدًى كبيرٌ؛ حتى إن غراتسياني لم يُصَدِّق ذلك في بادئ الأمر.
 
إعدام الشيخ الأسير: 
عُقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي، مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 من سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم له الحُكْم، قال الشيخ: ”إن الحكم إلا لله.. لا حكمكم المزيف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”.

وفي صبيحة اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء 16 سبتمبر 1931م، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحُكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأحضر 20 ألفًا من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة؛ وذلك لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم، وأُحضر الشيخ عمر المختار مُكَبَّل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تُحَلِّق في السماء فوق المعتقلين بأزيزٍ مجلجلٍ؛ حتى لا يتمكَّن عمر المختار من مخاطبتهم.
 
وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلِّمَ الشيخ إلى الجلاد، وكله ثبات وهدوء، فوُضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كانوا على مقربة منه أنه كان يُؤَذِّن في صوت خافت أذان الصلاة. والبعض قال أنه تمتم بالآية الكريمة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) (سورة الفجر: 27، 28). ليجعلها مسك ختام حياته البطولية، وبعد دقائق صَعدَتْ رُوحه الطاهرة النقيَّة إلى ربِّها راضية مرضية بإذن الله.
 
قالوا عنه:
”ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً، وفي بعض الأحيان يسلّط علينا لسانه، ويعاملنا بغلظةٍ مثل الجبليّين، كان دائماً معادياً لنا ولسياستنا في كافة الأحوال، ولا يلين أبداً، ولا يهادن، إلا إذا كان الموضوع في صالح وطنه ليبيا، ولم يخن قيادته، فهو دائماً موضع الاحترام رغم التصرّفات التي تبدر منه في غير صالحنا“.. رودولفو غراتسياني – قائد القوات الإيطالية في ليبيا.

“الرجل الذي لا يسعنا إلا أن نعترف له بالصّمود وبقوَّة الإرادة الخارقة حقاً”.. إتيليو تروتسي – حاكم برقة الإيطالية بين عامي 1927 و1929.

“الرجل الرهيب” و”شيخ القبيلة الضاري العنيف الذي بقي لسنواتٍ طويلةٍ يمثّل روح المقاومة العربية”.. صحيفة التايمز البريطانية في اليوم التالي لإعدامه.

في ذمة الله الكريم وحفظه.. جسد ببرقة وسيد الصحراء.. أحمد شوقي – ختام أبياته في رثاء عمر المختار

ربما يعجبك أيضا