حتى لا ننسى.. “صبرا وشاتيلا” دماء نزفت ولا زالت

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

دماء فلسطينية ولبنانية نزفت على الجدران ولازالت حتى وقتنا هذا.. ولكي لا ننسى تحل اليوم الذكرى الـ35 لمجزرة صبرا وشاتيلا، والتي حُفرت مقابرها بمخيم شاتيلا في لبنان عام 1982 على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي والميليشيات اللبنانية تحت ذريعة البحث عن مقاتلين، فدفع ثمنها المدنيين العزل من نساء وأطفال وشيوخ..

ورغم مرور سنوات على ارتكابها إلى أنها لا زالت محفورة في ذاكرة الفلسطينيين ووصمة عار في جبين الاحتلال وحزب الكتائب اللبنانية لارتكابهم أبشع المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني واللبناني، لتشكل علامة فارقة تضاف لجرائم الحرب الصهيونية التي لم يُحاسب عليها حتى الآن.

 كيف بدأت المجزرة؟

بعد اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل يوم 14 سبتمبر 1982، تقدمت القوات الإسرائيلية بقيادة وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون، بغطاء جوي داخل العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك بعد مغادرة مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية، وتم نشر عشرات الدبابات على أطراف مخيم صبرا وشاتيلا، وقد أحكمت حصارها على المخيم، لتخرق إسرائيل بذلك اتفاق فيليب حبيب -المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي آنذاك رونالد ريجان إلى الشرق الأوسط- وهو أول اتفاق رسمي يتم التوصل إليه بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية وقد تم التوقيع عليه في 24 يوليو 1981.

وينص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانسحاب مقاتلي المنظمة مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان وعدم دخول الجيش الإسرائيلي لبيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان ذلك.

وجاءت ليلة 16 سبتمير 1982 لتتقدم القوات الإسرائيلية بجانب مقاتلي حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي عبر الأزقة الجنوبية الغربية لمخيم صبرا وشاتيلا المقابلة لمستشفى “عكا” في منطقة كانت تسمى “الحرش”، وانتشروا في جميع شوارع المخيم وسيطروا عليه بشكل كامل ومن ثم ارتكبوا مجزرة أقل ما توصف به أنها جرائم حرب.

ضحايا المجزرة

رغم مرور 35 عامًا على ارتكاب المجزرة ، فلا أحد يعلم عدد الضحايا حتى اليوم ولكن أدق الأرقام تشير إلى سقوط ما يقارب 3500 رجل وامرأة وطفل من أصل 20 ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة، في حين ذكرت تقارير إسرائيلية وبريطانية عن جمع ما بين 800 إلى 950 جثة.

وبحسب التقديرات، فإن ربع الضحايا هم من اللبنانيين فيما كانت البقية من اللاجئين الفلسطينيين، وتتضارب أعداد الضحايا بسبب طمر الجثث في حفر جماعية والتي لم يتم العثور عليها جميعًا حتى الآن، لاسيما وأن السلطات اللبنانية آنذاك لم تحقق مع الجناة اللبنانيين .

وبخلاف الضحايا الذين تم العثور على جثثهم في مكان وقوع المجزرة، فهناك المئات من المفقودين، ومئات تم العثور على جثثهم في الطرقات الممتدة من بيروت إلى الجنوب الذي كانت تحتله إسرائيل.

يضاف إلى ذلك قيام قوات الاحتلال باختطاف المئات من المخيم ونقلهم في شاحنات لجهات مجهولة، ولا يزال مصير المئات منهم مجهولا إلى الآن.

الانتقام لمقتل بشير الجميل

كان الوجه الأبرز للمجزرة الانتقام لمقتل الرئيس اللبناني المنتخب بشير الجميل ووجود معلومات بأن هناك مقاتلين مسلحين داخل المخيم، ولكن السبب الحقيقي لتلك المجزرة كما يرويها الضحايا الناجون، بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، إضافة إلى تأجيج الفتن الداخلية في لبنان، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتأليب الفلسطينيين ضد قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية.

جدير بالذكر أن مجزرة “صبرا وشاتيلا” لم تكن أول المجازر الصهيونية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، ولم تكن آخرها،فقد سبقها مجازر قبية ودير ياسين والطنطورة، تلتها مجزرة مخيم جنين ومجازر غزة والضفة المستمرة حتى الآن.

مجزرة العصر

رغم بشاعة المجزرة برؤية نساء حوامل بقرت بطونهم وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة، والجرحى الذين تم التنكيل بأجسادهم والفتيات اللاتي تم اغتصابهن بعد تكبيلهن بالسلاسل ومن ثم تقطيع أجسادهن بالسكاكين وفقا لرواية وليد العوض أحد الناجين من المجزرة.

وبين بيوت وأزقة المخيم المنكوبة -كما يقول العوض- كانت هناك مجموعة من الشباب الذين يزيد عددهم قليلا عن عدد أصابع اليدين، يتنقلون وهم يحملون بنادقهم الخفيفة ويحاولون منع تقدم “القوات الغازية” في منطقة محور “الكلية الحربية” وسط المخيم.

وعملت هذه المجموعة على إنقاذ الآلاف من وسط المخيم وشماله، بعد أن أخرجوهم بأمان إلى مستشفى “غزة” ومنها إلى وسط العاصمة بيروت.

رغم قساوة المذبحة إلا أن المجتمع الدولي لم يفتح أي تحقيق في تفاصيلها،ولكن إسرائيل شكلت في عام 1982 لجنة تحقيق قضائية للتحري في ظروف المجزرة والمسؤولين عنها،واستنتجت في تقريرها النهائي بعد عام بأن المسؤول المباشر عن قيادة هذه المذابح هو إيلي حبيقة مسؤول مليشيات حزب الكتائب بلبنان آنذاك الذي قتل بتفجير سيارة مفخخة في بيروت عام 2002.

وأكدت اللجنة أن أرييل شارون -وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت- وعددا من الضباط الكبار بالجيش الإسرائيلي كانوا مسؤولين مسؤولية غير مباشرة عن هذه المذابح، وبعد إعلان نتائج التحقيق أرغم شارون على الاستقالة من منصبه.

ولم تصل كل الدعاوى القضائية التي رفعت ضد شارون في لبنان وبلجيكا إلى خواتيمها لمحاسبته على هذه الجريمة – كما بقية المشاركين فيها- وظل يتبوأ مناصب رفيعة مستمرا بسياسة قتل الفلسطينيين في غزة إلى أن أصيب بجلطة دماغية في العام 2005 ودخل في حالة غيبوبة موت دماغي انتهت بوفاته عام 2014.

وعن هذه المجزرة تحدث لـ”رؤية” أستاذ القانون الدولي والقيادي بحركة فتح د. جهاد الحرازين، قائلا: إن المجزرة ليست جديدة على الاحتلال المجرم الذى تجرد من الآدمية والأخلاق وارتكب أبشع الجرائم بالتعاون مع حزب الكتائب اللبنانية في مخيمى صبرا وشاتيلا والتي استمرت على مدار اثنان وسبعون ساعة من القتل والتخريب بأفعال وحشية بربرية بدأت بقتل الأطفال ودفنهم أحياء وبقر بطون النساء الحوامل وصلب الشيوخ وإعدامهم بل أعدموا عائلات باكملها أمام أعين ذويهم،هذه الجريمة البشعة التى قادها آنذاك وزير الحرب الصهيوني آرئيل شارون.

وأضاف الحرازين، إن اثار هذه المجزرة مازالت ماثلة حتى يومنا هذا أمام حالة من الصمت المريب وعدم الانتصار للعدالة وحقوق الإنسان من قبل المجتمع الدولي ومحاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جريمة إبادة جماعية لأفراد عزل ليس لديهم أي شئ، مؤكدًا أن هذه الجرائم -التي لا تسقط بالتقادم- ستكون وصمة عار في جبين الإنسانية لأن من ارتكبوها لازالوا أحرارًا ولم يحاسبوا على جريمتهم النكراء إلا أن الحق لن يضيع وسيتم محاكمة الاحتلال وعصاباته على تلك الجريمة البشعة.

وسيظل منتصف شهر سبتمبر من كل عام، يومًا يحيي الفلسطينيون فيه ذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا التي لا تزال صورة الأطفال والنساء والشيوخ -الذين تم قتلهم بوحشية أو تغييبهم- حاضرة في وجدان الفلسطينيين، وستظل دائمًا طالما أن الجناة لم ينالوا عقابهم.

ربما يعجبك أيضا