الاستفادة المعكوسة.. كيف يمكن أن تستفيد مصر من مصبات نهر النيل؟

هيثم البشلاوي

هيثم البشلاوى
يفترض أن يكون التعامل مع أزمة سد النهضة على قدر من الوعي الاستراتيجي لندرك أن تلك الأزمة إذا لم يتم التعامل معها بتفهم كامل لضوابط الجغرافيا سنجد أنفسنا أمام قرار المنبع، وإن كان بعد تفاوض دول المصب.. ومن هنا يجب أن نطرح رؤية  لإدارة مستقبل الأزمة حال الوقوف علي حل أو التحرك نحو صدام.

على كل الاحوال لا ينبغي أن  نتسرع أو نبالغ في المفاضلة أو الاختيار بين تلك البدائل بمنطق الواقع لا المتوقع.. بل يجب صياغة تلك البدائل لتكون واقعية بقدر ما هو متوقع وليس بقدر ما هو متاح.. تبعد أكثر مما ينبغي لتطرح كل سيناريوهات المستقبل.. ثم تقترب لما هو كائن وتترقب ما سيكون.. وبهذا نكون في أحسن الأحوال أو أسوئها نمتلك رؤية للتعامل.

واجعلونا نطرح تساؤلا: إذا كان سد النهضة في إثيوبيا قد أنشئ علي المنبع فلم لا نقيم سدا عند المصب؟
بمعنى أدق لماذا لا نوظف كل مفردات وإمكانيات حصة مصر من المياه لسد فجوة الهدر عند المصب او الحجز عند المنبع.
 
ويمكننا طرح هذا كفكرة مجردة  تتطلب التدقيق والبحث المستمر لتتحول إلى مشروع، حيث تتشكل هذة الفكرة من المحاور التالية:   

على المستوى القومي:

1- مشروع مصر الدلتا:  

يكون من خلال إنشاء سدود تحويلية لفرعي النيل وذلك بإيقاف نزيف النيل في البحر المتوسط حيث إن الفاقد يساوي ثلث الحصة.

وبتلك السدود المقترحة يغذي فرع دمياط بكامل طاقته ترعة السلام لاستكمال المرحلة الرابعة منها بالوصول إلى منطقة السير والقوارير بوادي العريش بسيناء.

ويمكن فعل نفس الأمر عند مصب فرع رشيد ليغذي الساحل الشمالي.. لتكون تلك المسارات التحويلية مغطاة للتقليل من البخر وبهذا يمكن الحفاظ على معدلات  متقاربة من حصة مصر الحالية وتتحول الخريطة الزراعية من دلتا مصر  إلى مصر الدلتا.

2- المشروع القومي للإرشاد والترشيد الزراعي:

وفقا لما صدر في نشرة نشـرة الزمام والملكية الزراعية لعام 2015 بلغت مسـاحـة الزمـام الزراعي لمصر نحو 10.0 مليـون فــدان بواقع حصة ري  62,35 مليـار متر مكعب بما يمثل نسبة 81.6% من إجمالي مصر من الماء.

وعلى ما سبق يجب أن تستهدف مصر تحويل 50% من رقعتها للري الحديث في خلال 3سنوات من الان . 50% خلال 3 سنوات التي تليها .وذلك وفقا لخطة أرشاد زراعي قومية تلزم الاحواض بزراعات بعينها يتم تحديدها وفقا للتربة والمورد المائي. مع العمل على تطوير وتهجين محاصيل ذات استهلاك مائي منخفض .

3- رسم خريطة صحيحة للمياه الجوفية في مصر

من الضروري رسم خريطة صحيحة للمياه الجوفية في مصر، والوقوف عليها كمخزون استراتيجي لا يتم استهلاكه إلا لضرورة مستقبل الأزمة.. بمعني أدق أن تحتفظ مصر بشبكة المياه الجوفية ليس لصالح التوسع الزراعي ولكن كضمانة أخيرة حال أصاب دول المنبع الجفاف بالتزامن مع بناء السد.

وحال حدوث ذلك فمن المتوقع انخفاض معدل تدفق الأنهار الثلاثة (النيل الأزرق والسوباط وعطبرة) والذين يشكلون مجتمعين حوالى %85 من تدفق نهر النيل الواردة لدول المصب، فكل ما نخشاه هنا أن تكون توقعات الخبراء صحيحة فيكون الجفاف لسنوات عجاف تشهد فيضانات منخفضة، وهنا ستواجه مصر تأثير مضاعف للسد ويؤثر تأثيراً بالغاً على مخزون السد العالي  بل وعلي مجمل حصتها المائية البالغة حاليا 55.5 مليار متر مكعب سنويا.  لذا وضعنا هذا الطرح كضمانة أخيرة لمواجهه السنوات العجاف حال حدوثها. كما يجب الضغط على إثيوبيا لعدم ملء بحيرة سد النهضة قبل الانتهاء من الدراسات والاتفاق حول سنوات التخزين أثناء دورات الجفاف والسنوات المطيرة.

على المستوي الإقليمي:

 إحياء مشروع قناة جونجلي

من الضرورى إحياء مشروع قناة جونجلي وتجفيف مستنقعات الجنوب لتحصل مصر والسودان على حوالي 8 – 10 مليارات متر مكعب إضافية من مياه النيل. حيث  فعليا كان قد تم تنفيذ نحو 70% منها بطول 265 كيلومترا من إجمالي طول القناة البالغ 360 كيلومترا  حتى عام 1978م . إلا أن المشروع توقف عام 1984م أي بعد عام من اندلاع الحرب في الجنوب السوداني لينتهي المشروع عمليا بعد أن ضرب المتمردون موقع العمل. وهذا المشروع يكاد يكون مكتمل الدراسات ولا ينتظر سوي إعادة إحياء. واستكمال العمل على المشروع قد يحقق خطوة استباقية واحترازية لأزمة المياه المحتملة.

وكفكرة مجردة لا دراسة متكاملة الأركان فلا يمكننا الفصل في مدى جدوى الطرح من عدمه فتلك مهمة دولة لاستيعاب ضرورة المستقبل. كما أن هذا الطرح لم يستعرض سبل التحرك لمواجهه الأزمة علي المستوي الخارجي بقدر ما حاولنا وضع تصور أولي لما ينبغي لتأهيل الوضع الداخلي لمواجهه كل السيناريوهات المحتملة .

وختاما يكفي معرفة أن إنتاج مصر من المياه سنويا يبلغ نحو 60 مليار متر مكعب، من بنيها 55.5 مليار متر مكعب، حصة مصر في مياه النيل، والباقي من مياه جوفية وحجز سيول الأمطار، وذلك دون حساب فاقد البحر عند رشيد ودمياط.. بينما واقع استهلاك مصر الحالي أكثر من 75 مليار متر مكعب، ويتم سد النقص بين الإنتاج والاستهلاك من خلال إعادة تدوير نحو 15 مليار متر مكعب من مياه الصرف. أي أننا نعاني فعليا من العجز في الميزان المائي.. والذي كان يتوجب أن يكون كفيلا لإدراك أن الازمة قائمة وليست قادمة.

ربما يعجبك أيضا