استفتاء كردستان.. “عاصفة اقتصادية” على أربيل ودول الجوار

حسام عيد – محلل اقتصادي

يستعد إقليم كردستان “شبه المستقل” لإجراء استفتاء للانفصال عن العراق، غدًا الإثنين، وسط معارضة إقليمية ودولية واسعه لما سيخلفه من تداعيات سياسية واقتصادية تهدد أمن المنطقة.

وتعتقد الحكومة المركزية في بغداد أن الاستفتاء قد يحدث انقساما فوضويا بالعراق في وقت يكافح البلد فيه من أجل إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

فيما تخشى تركيا وإيران من انتقال عدوى الانفصال إلى سكانهم الأكراد، ففي تركيا أكبر أقلية كردية في المنطقة، وهي تخوض اشتباكات مع حزب العمال الكردستاني في جنوبها الشرقي منذ عام 1984.

أما الأكراد الإيرانيون فقريبون ثقافيا من أكراد العراق ويتحدثون اللغة الكردية ذاتها.

وتعصف بسوريا حرب أهلية يسعى فيها الأكراد لحكم ذاتي.

صدمة اقتصادية لأربيل

تعتبر تركيا الرئة التي يتنفس منها الإقليم -في ظل خلافاته مع الحكومة المركزية- عبر التجارة البرية البينية، ومرور خطوط النفط عبر أراضي تركيا إلى العالم الخارجي.

وتعد استثمارات تركيا في إقليم “كردستان” العراق الأعلى بين دول العالم، وتتراوح بين 37 إلى 40 مليار دولار وفي مختلف المجالات والقطاعات، فضلا عن القطاع البنكي، حيث توجد أربعة بنوك تركية كبيرة في الإقليم وتنشط أكثر من غيرها.

لكن بعد تمسك وإصرار حكومة إقليم كردستان بإجراء الاستفتاء في موعده وضربها بالتحذيرات الإقليمية والدولية بعرض الحائط، هددت الشركات التركية بالانسحاب من الإقليم، الأمر الذي سيشكل “صدمة اقتصادية” لأربيل.

هناك نحو 200 شركة تركية تعمل في كردستان بقطاع النفط والغاز والإسكان والبنى التحتية والسياحة والنقل والكهرباء والاتصالات تشغل أكثر من 200 ألف من مواطني الإقليم، وانسحابها سيشكل صدمة اقتصادية للإقليم.

كما يصدر الإقليم نحو ربع مليون برميل نفط عبر تركيا التي تعتبر المقوم الأساسي الحالي لحكومة كردستان في تدبر دفع مرتبات موظفي الإقليم والإنفاق على الجانب الأمني والعسكري، ويتم إيداع العائدات النفطية في بنوك تركية.

وحسب تقارير رسمية، تبلغ نسبة الفقر في إقليم كردستان أكثر من 30% تفاقمت بعد عقوبات فرضتها بغداد على أربيل، من بينها قطع مرتبات موظفي الإقليم وتقليل نسبة حصتهم بالموازنة السنوية من 21 إلى 17%.

خسائر تركية بالغة

انفصال كردستان قد يؤدي إلى خسائر تركية كبيرة على المستوى الاقتصادي، وستفقد تركيا طريق صادراتها المباشر نحو العراق، الذي قد يغلق الحدود مع كردستان وربما يشعل معها حرباً على الأراضي المتنازع عليها، لا سيما مسألة مدينة كركوك ذات الغالبية التركمانية.

وكان إقليم كردستان العراق بوابة السلع والمنتجات التركية إلى السوق العراقي بشكل عام، وسوق كردستان بشكل خاص، إذ بلغ حجم الصادرات التركية للعراق عام 2013 حوالي 11.9 مليار دولار، كانت حصة كردستان 8 مليار دولار.

إيران تفقد منفذ تجاري

تحول الحصار الاقتصادي الذي فُرض على إيران إلى فرصة بالنسبة للأكراد، حيث إن التبادل التجاري بين إقليم كردستان العراق وإيران بلغ سبعة مليارات دولار بشكل رسمي، وما يعادل هذا المبلغ عبر تهريب البضائع بين البلدين، واستغلت إيران منفذ إقليم كردستان العراق للإفلات من العقوبات الاقتصادية.

وخلال السنتين الأخيرتين؛ بدأ التوتر يسود علاقات إيران بقيادة كردستان العراق بسبب تحركات بعض الانفصاليين من معارضي إيران الأكراد بهذه المنطقة، وقيامهم بعدة هجمات في مناطق ومدن حدودية.

وإذا قام الأكراد بالانفصال عن العراق؛ فإن أول ما ستفعله إيران هو قطع جميع علاقاتها الاقتصادية مع إقليمهم، وإغلاق الحدود بالتنسيق مع تركيا والحكومة المركزية ببغداد لتصبح الدولة الجديدة معزولة عملياً عن العالم.

عقوبات اقتصادية

يعتبر التهديد الاقتصادي للإقليم أكبر وأكثر خطرا من العسكري المستبعد حاليا بأي شكل من الأشكال من قبل دول الجوار.

ولوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفرض عقوبات على إقليم كردستان العراق ردا على الاستفتاء، قائلا: “إن مجلسيْ الوزراء والأمن القومي في تركيا سيبحثان طبيعة العقوبات المحتملة والخيارات بهذا الشأن”، مشددا على أن العقوبات “لن تكون عادية” في حال قررتها بلاده بالفعل.

ومن المتوقع أن يتخذ الجانب التركي خطواته بشكل حذر وتتصاعد بشكل تدريجي، بالتنسيق والتعاون مع إيران وحكومة بغداد.

وستبدأ بإغلاق القنصلية التركية في أربيل ومن ثم فرض عقوبات اقتصادية على الإقليم، كما أشار لذلك أردوغان في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن بين تلك العقوبات، تقييد الحركة في معبر خابور الحدودي مع الإقليم والذي يعتبر المعبر التجاري الرئيسي وكذلك تقييد الحركة في كل من معبر ديريجيك وغوليازي وأوزمولو.

وسيكون إغلاق الحدود بين تركيا والإقليم بمثابة انهيار القدرة المالية والاقتصادية لكردستان، فالمنتج المحلي لا يسد أكثر من 60% من احتياجات كردستان، كما أن أي منفذ للتصدير لم يعد متاحًا.

كما قد تلجأ تركيا إلى حصار جوي بالتعاون مع إيران، وإغلاق الأجواء الإيرانية والتركية في وجه الطائرات المتجهة إلى كردستان، مع العلم أن مطارات إقليم كردستان تعتمد بشكل أساسي على شركات الطيران التركية والمطارات التركية كمنفذ على العالم.

ربما يعجبك أيضا