هل تستكمل “ميركل” المعجزة الاقتصادية الألمانية؟

حسام عيد – محلل اقتصادي

في وقت تجتاح فيه التوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية أماكن عدة حول العالم، جاء فوز تحالف المحافظين الألمان بزعامة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في الانتخابات التشريعية ليمثل تأكيدًا على تركيز ميركل على تعزيز استقرار ألمانيا وازدهارها الاقتصادي.

ومهدت نتائج انتخابات الطريق أمام ميركل لتمديد قيادتها لألمانيا من 12 عامًا حتى 16 عامًا وهو الأمر الذي من شأنه تسجيل رقم قياسي لألمانيا ما بعد الحرب.

النمو الاقتصادي ومعدلات البطالة

يقدر حجم الاقتصاد الألماني بحوالي 3.5 تريليونات دولار، ويعد أكبر اقتصادات أوروبا وخامس أكبر اقتصاد في العالم بعد اليابان.

وحقق في عهد المستشارة أنجيلا ميركل الكثير من التقدم، فمعدلات البطالة تراجعت وتطور نمو الناتج الصناعي.

كانت معدلات البطالة في ألمانيا تفوق مستويات الـ 10% في عام 2006، واليوم تسجل المستويات الأدنى في تاريخ ألمانيا منذ توحدها، حيث بلغت 5.7%، بالمقارنة مع معدل 9.1% على مستوى منطقة اليورو ككل.

وبالنظر إلى النمو الاقتصادي ووفق إحصائيات البنك المركزي الألماني”بندسبانك”، نما الاقتصاد الألماني بنسبة 1.9% خلال العام الماضي 2016، ومن المتوقع أن ينمو هذا العام بنسبة تفوق 2.1%، وهو معدل أعلى من متوسط نمو منطقة اليورو.

ومنذ تولي ميركل الحكم، فإن الاقتصاد الألماني، يواصل الازدهار، متخطياً كل الأزمات العالمية، حيث تمكن من تخطي الأزمة المالية في 2008، دون خدوش تذكر.

التفوق في معادلة التجارة

تعتبر ميركل من أشد المدافعين عن التجارة الحرة على الرغم من تصاعد وتيرة السياسات الحمائية في الفترة الراهنة.

الميزان التجاري؛ حققت ألمانيا في 2016 فائضا بلغ 280 مليار دولار، لتأتي في المرتبة الثانية بعد الصين التي سجلت فائضا في ميزانها التجاري وصل إلى 479 مليار دولار.

في الوقت الذي تعاني فيه بريطانيا من عجز في الميزان التجاري بمقدار 225 مليار دولار، وكذلك سجلت أمريكا عجزا بلغ 797 مليار دولار.

وبالنظر إلى حصة الفرد من فائض الميزان التجاري، تتفوق ألمانيا على الصين بما يعادل 3.4 ألف دولار للفرد الواحد.

وفي السنوات الأخيرة تشير الأرقام والتقديرات إلى أن الصادرات باتت تشكل 46% من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا مقارنة بـ 13% في الولايات المتحدة الأمريكية.

الشركات قوة دفع للاقتصاد

هناك 1600 شركة ألمانية رائدة في مجالاتها وتولد إيرادات سنوية تتجاوز 2.2 تريليون دولار وتوظف ما يقارب 9 ملايين نسمة على مستوى العالم.

كما يوجد 3 ملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا تعادل 50% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر وظائف لـ 61% من العمالة في البلاد، وتجاوزت صادراتها 200 مليار يورو في 2016.

التركيز على القوى العاملة

بات التركيز على القوى العاملة عاملا رئيسيا داعما لتطور النمو الاقتصادي في ألمانيا وذلك من خلال برامج التدريب المهني لتخريج العديد من الطلاب في العديد من المجالات التي يحتاجها الاقتصاد.

طلاب برامج التدريب المهني؛ يستهدف هذا البرنامج خريجين المدارس الثانوية ولعب دورا رئيسيا في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال توفير العديد من برامج التدريب في الشركات الكبرى مثل “بي إم دابليو، مرسيدس وسيمنس” والعديد من الشركات الأخرى، وتستقطب هذه البرامج ما يقارب من 1.3 مليون طالب سنويا.

وهناك تركيز واسع في ألمانيا على كليات العلوم التطبيقية نظرا للاعتماد على الصناعة بشكل رئيسي في دعم وتيرة النمو الاقتصادي.

فرص الاستفادة من اللاجئين

هناك سؤال هام في الاقتصاد الألماني والأنتخابات الأخيرة يتعلق باللاجئين ودورهم في الاقتصاد الألماني وما إذا كانوا يمثلون عبئا.

يقبع نمو صافي السكان الألمان في المنطقة السالبة، مع احتمالات تسجيل خسائر بما يقارب 15 مليون من القوى العاملة خلال الـ 40 سنة القادمة، وهذا من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي.

لكن في الفترة الراهنة وبعد وتيرة الهجرة واللجوء الأخيرة، تحول نمو السكان من السالب إلى الموجب، فالتغير في السكان يقارب مليون نسمة سنوية بعد أن كان هنالك انخفاض على مستوى السكان الألمان وبالتالي قد يدعم النمو الاقتصادي في البلاد خلال المرحلة المقبلة.

يبدو أن المؤشرات الاقتصادية القوية التي تحظى بها ألمانيا، ستمنح المستشارة أنجيلا ميركل في ولايتها الرابعة تفويضا قويا لاستكمال مسيرة الازدهار الحالي في الدولة التي تعد الأكبر اقتصاديا في أوروبا.

لكن موجة الدعم الكبير الذي حظى به حزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المتشدد خلال الانتخابات تعد أمرا من شأنه أن يقلب أي أمة رأسا على عقب لاسيما عندما يتعلق بأهم لاعب سياسي بما قد يهدد الديمقراطيات الأخرى عبر الغرب.

ومن المرجح أن تُعقد نتائج الانتخابات من طموحات ميركل، لاسيما مع المفاوضات الشائكة المُنتظر أن يخوضها حزبها في الأسابيع المقبلة.

ربما يعجبك أيضا