كردستان تصوت.. مناورة سياسية أم مخاطرة انفصالية

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبد النبي

رغم المخاوف والتحذيرات من إجراء الاستفتاء على إقليم كردستان، كان الإصرار واضحًا من قبل قادته على إجرائه في موعده المُقرر اليوم الإثنين الموافق 25 سبتمبر، وسط توقعات بانفجار صدام وشيك بين الإقليم والدول المجاورة وعلى رأسها حكومة بغداد وتركيا وإيران.

ولتحديد ما قد سيؤول إليه الاستفتاء يمكن إلقاء نظرة على أبرز تصريحات قادة كردستان بعد تحديهم للتحذيرات بعدم إجراء الاستفتاء، والمواقف التركية والعراقية التي سيتم اتخاذها حال إجراء الاستفتاء لمعرفة سيناريوهات الأحداث القادمة وأبرز الإجراءات التي سيتم اتخاذها.. فهل ينجح الإقليم في تحقيق حلم الانفصال وضم المناطق المتنازع عليها؟

تحدي الاستفتاء

رغم المعارضة الإقليمية والدولية لإجراء استفتاء كردستان، أصر قادة الإقليم في مؤتمر صحفي بالأمس على المضي قُدمًا في إجراء الاستفتاء في موعده المُحدد سلفًا بما في ذلك المناطق المتنازع عليها.

واستجابة لدعوة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، بدأت مراكز الاقتراع في فتح أبوابها، اليوم الإثنين، أمام الناخبين في كردستان العراق للتصويت في الاستفتاء، حيث يقدر أعداد المشاركين بأكثر من 5 ملايين مقترع في الاستفتاء الذي سيجرى في المحافظات الثلاث من الإقليم وهي، إربيل والسليمانية ودهوك فضلًا عن المناطق المتنازع عليها بما في ذلك كركوك.

وفي وقت سابق، بدأ الأكراد بالخارج في التصويت إلكترونيًا عبر موقع المفوضية العليا للانتخابات أول أمس، والتي يتوقع أن تستمر فيها عملية التصويت لليوم.

 ويجيب المشاركون في الاستفتاء بنعم أو لا عن سؤال “هل تريد إقليم كردستان والمناطق الكردية خارج إدارة الإقليم أن تصبح دولة مستقلة؟”، ومن المقرر أن تعلن النتائج الأولية بعد 24 ساعة من الاستفتاء. 

وبحسب المصادر الكردية، فسوف يشارك عدد كبير من المراقبين الدوليين في الإشراف على عملية الاستفتاء، عدا مراقبي الأمم المتحدة لكونها لا تعترف به.

ورغم التوقعات بأن تسفر النتيجة عن تصويت الأغلبية بـ”نعم”، إلا أن حكومة كردستان تُخطط لاستخدام هذا التصويت كتفويض شرعي، للضغط من أجل إجراء مفاوضات مع حكومة بغداد ودول الجوار للوصول إلى الاستقلال.

من جانبه، قال مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان، إن “الشراكة مع بغداد فشلت ولن نعود إليها”، مضيفًا أن “الاستفتاء هو أول مرحلة من تعبير إقليم كردستان عن رأيه. بعد هذا، ستبدأ عملية طويلة”.

يذكر أنه ولسنوات طويلة يسعى الأكراد للانفصال عن العراق وفقا لشروطهم المتمثلة في الحفاظ على كركوك عاصمة لهم، وهو ما تحقق بالفعل بعد ضم كركوك للإقليم في 2014 عقب تحريرها من قبضة داعش، مُمهدًا الطريق للانفصال.

ضغوط وممارسات عسكرية

يأتي الاستفتاء بعد ضغوط وممارسات إقليمية ودولية لتأجيله، خشية من أن يؤدي الاستفتاء لمزيد من الاضطرابات بين إقليم كردستان والدول المجاورة التي يقطن بها أكراد، فضلًا عن التوترات الناجمة تزامنًا مع استمرار الحرب ضد تنظيم داعش.

وبرغم من ذلك، أصر قادة إقليم كردستان على إجراء الاستفتاء في موعده المقرر في 25 سبتمبر، وعلى إثرها صدرت مواقف عراقية وتركية وإيرانية ردًا على الإصرار على إجراء الاستفتاء.

في العراق، وصف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الاستفتاء بأنه غير دستوري وقال إن “التفرد بقرارٍ يمس وحدةَ العراق وأمنه ويؤثر على كل مواطنيه وعلى أمن المنطقة عبر اجراء الاستفتاء على الانفصال من طرف واحد هو قرار مخالف للدستور وللتعايش السلمي بين المواطنين”.

ولم يقتصر على تصريحاته الرافضة للاستفتاء، ولكنه طالب حكومة كردستان بتسليم المواقع الحدودية الدولية والمطارات، داعيًا الدول الأجنبية إلى وقف استيراد النفط الكردي، مُعلنًا اتخاذه خطوات أخرى (لم يحددها) لحفظ وحدة البلاد.

وإضافة إلى رفض حكومة بغداد لإجراء الاستفتاء، يرفض التركمان والعرب أن يشمل الاستفتاء محافظة كركوك، وبقية المناطق المتنازع عليها.

في تركيا، تعهد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، باتخاذ خطوات أمنية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية، وذلك تزامنًا استعداد تركيا لنشر الجنود الأتراك في سوريا والعراق.

واعتبر بن يلدريم، أن استفتاء كردستان من شأنه تهديد أمن تركيا، فضلًا عن إرغام أنقرة على تطبيق عقوبات لم يوضح طبيعتها.
كانت تركيا قد عبرت مرارًا وتكرارًا عن معارضتها لاستقلال إقليم كردستان، خشية من أن يؤدي الاستفتاء لتأجيج التطلعات الانفصالية لدي الإثنية الكردية الكبيرة في ظل استمرار القوات التركية في حرب المسلحين الأكراد في الجنوب الشرقي من البلاد.

وفي غضون ذلك، أعلنت رئاسة الأركان التركية رفع مستوى مناوراتها العسكرية في منطقة “سيلوبي – الخابور” بالقرب من الحدود العراقية، مؤكدة استمرارها حتى 26 من الشهر الجاري، أي بعد يوم واحد من موعد الاستفتاء المقرر في 25 سبتمبر.

في إيران، اتفقت إيران كلا من تركيا وحكومة بغداد على رفض الاستفتاء، واستجابة لطلب الحكومة المركزية في بغداد، قامت إيران بحظر جميع الرحلات الجوية مع كردستان العراق.

وإضافة إلى ذلك، أعلنت إيران اليوم الاثنين إغلاق حدودها البرية مع إقليم كردستا العراق ، وذلك تزامنصا مع يوم التصويت على الاستفتاء ،وقد سبق ذلك قصف للمدفعية الإيرانية بالأمس للمنطقة الحدودية فضلًا المناورات العسكرية للحرس الثوري الإيراني.

بدوره، حذر مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة من إجراء الاستفتاء، خشية من أن يؤدي لمزيد من الاضطرابات وإحداث فوضى بالمنطقة، فضلًا عن عرقلته للجهود الرامية للقضاء على داعش.

وبين المطمع الكردي للوصول للانفصال عن العراق، وبين المخاوف والتحذيرات الإقليمية والدولية، يبقى الاستفتاء الذي سيقرر بدوره مصير إقليم كردستان ما بين تحقيق الحلم الكردي بالانفصال وما بين المناورة السياسية التي قد تستخدم في المفاوضات مع حكومة بغداد.

ويمكن القول إن الاستفتاء بقدر ما يشكل فرصة، إلا أنه يحمل في طياته تحديات ومخاطر حقيقية، وذلك لأنه يتم دون وجود توافق داخلي أو إقليمي أو دولي حوله، بل ترفضه بشدة الحكومة العراقية، وأيضاً دول الجوار الإقليمي خصوصاً تركيا وإيران وسوريا التي تتخوف من فكرة الدولة الكردية وتأثيرها على أكرادها، وبالتالي فإنها لن تتوانى عن محاولات تقويض دولة كردستان المستقلة إذا قامت في العراق.

ربما يعجبك أيضا