الحرب أو الإجهاض المبكر.. خيارات عقابية تحاصر كردستان العراق

كتب – حسام عيد

رغم تأييد الأكراد الساحق للاستقلال عن العراق وتجاهلهم الضغوط التي تمارسها بغداد، وتهديدات تركيا وإيران، إلا أن الإجراءات العقابية بدأت تتصاعد ضد إقليم كردستان لمنعه من القيام بأي إجراء عملي لتطبيق نتائج الاستفتاء، والتي أشارت إلى تصويت 92% بـ “نعم”.

ويهدد الاستفتاء، الذي يمنح الزعماء الأكراد تفويضًا للتفاوض على استقلال إقليمهم البالغ عدد سكانه 8.3 مليون نسمة، بإشعال فتيل مزيد من الصراعات.

والخطر الأكبر هو الصراع على مدينة كركوك الغنية بالنفط وغيرها من المناطق متعددة الأعراق، التي يسيطر عليها الأكراد، إذ يضع القوات العراقية والفصائل المساندة لها في مواجهة قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان.

العراق تفرض سيادتها

قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إن استفتاء إقليم “كردستان” باطل حتى بمعايير الإقليم نفسه، مطالبًا حكومة كردستان بإلغاء نتائج الاستفتاء على انفصال الإقليم.

وشدد على أن حكومته تعمل على الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي العراقية.

فيما صوت مجلس الوزراء العراقي على إخضاع المنافذ الحدودية البرية والجوية في منطقة كردستان للسلطة الاتحادية.

وأوضح أنه وفقا للدستور العراقي سيتم إيقاف الرحلات الجوية القادمة من الدول الأخرى إلى مطارَي أربيل والسليمانية أو المغادرة منهما إلى الدول الأخرى.

الخيار العسكري مطروح

ألزم البرلمان العراقي، القوات المسلحة، باتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على وحدة العراق، وغلق المنافذ الحدودية الواقعة خارج سلطة الحكومة المركزية، واعتبار البضائع التي تدخل منها مهربة.

فيما طالب البرلمان رئيس الحكومة حيدر العبادي بإرسال قوات إلى منطقة كركوك النفطية المتنازع عليها، والسيطرة على حقول النفط هناك.

وتضامنا مع العراق، لم تستبعد أنقرة الخيار العسكري لمواجهة تداعيات الاستفتاء، حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “كل الخيارات مطروحة وقيد الدراسة لفرض عقوبات على إدارة إقليم كردستان، بدءاً من العقوبات الاقتصادية وصولاً للخيارات العسكرية، وإغلاق المجال الجوي، والمعابر الحدودية”.

واعتبر أردوغان أن إجراء الاستفتاء “ليس سوى نذير لصراعات وآلام جديدة”، مضيفاً: “عندما نبدأ بفرض عقوباتنا، ونقطع تصديرهم للنفط؛ فالمسألة تنتهي، لن يبقى بأيديهم أية مصادر للدخل، وفي حال توقفت الشاحنات من التوجّه إلى شمالي العراق، فلن يجدوا شيئًا يأكلونه ويلبسونه، حينئذ ماذا يمكن لإسرائيل أن تقدّم لهم ومن أين وكيف سترسل ما يحتاجونه؟”.

وأضاف: “لم نكن نتوقع حتى اللحظة الأخيرة أن يقع (رئيس إقليم كردستان مسعود) البارزاني في خطأ كهذا، وإنّ اتخاذ قرار كهذا في وقت كانت فيه علاقاتنا في أفضل ما يكون، ومن دون التشاور أو إجراء لقاءات، هو خيانة لتركيا”.

من جهته، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن تركيا ستقيّم كل الطلبات التي تقدّمت بها الحكومة المركزية العراقية في أعقاب الاستفتاء، بما في ذلك إجراء عملية مشتركة مع العراق.

وفي السياق نفسه، قال الوزير التركي لشؤون الاتحاد الأوروبي، عمر جليك، إنّ كل سلاح يذهب مستقبلاً إلى البشمركة سيُستخدم ضد التركمان والعرب وبقية مكونات العراق.

كما اعتبر أن “قرار الاستفتاء بحد ذاته يعتبر كارثة، واقحام كركوك في الاستفتاء، هو اقتراح البارزاني لتحويل العراق إلى حمام دم جديد”.

محاكمة بارزاني

أعلن البرلمان العراقي، دعمه لمحاكمة المسؤولين عن إجراء الاستفتاء “غير الدستوري” في إقليم كردستان العراق، بمن فيهم رئيس الإقليم مسعود بارزاني.

واتخذ البرلمان خلال جلسة استثنائية، قرارا يتضمن التأكيد على تنفيذ القرارات المتخذة من قبل المجلس الوزاري للأمن الوطني في جلسته الأخيرة، لا سيما قرار المتابعة القضائية للمسؤولين عن تنفيذ الاستفتاء، ومن بينهم رئيس سلطة الإقليم، المنتهية ولايته (يقصد مسعود بارزاني) وتقديمهم للمحاكمة وفقا للقوانين العراقية النافذة، وكذلك سائر الموظفين الكرد العاملين في مؤسسات الدولة الاتحادية.

إغلاق الفضائيات الكردية

قررت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي في إيران، اليوم الأربعاء، إغلاق مكتب مؤسسة “كردستان 24 للإعلام والأبحاث” في طهران، ردا على إجراء الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق.

وتعود القناة التلفزيونية لحزب رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، الذي دعا لتنظيم هذا الاستفتاء وأصر على إجرائه رغم المناشدات الإقليمية والدولية بالتراجع عنه.

وجاء قرار طهران بعد يومين من إغلاق تركيا مكتب مؤسسة “كردستان 24” على أراضيها.

وأعلنت تركيا، أمس الثلاثاء، توضيحا تبين فيه الأسباب التي دفعتها إلى وقف بث ثلاث فضائيات كردية بينها كردستان 24.

وقالت أنقرة إن برامج فضائية كردستان 24 “تهدد الأمن القومي التركي”.

حظر جوي

في استجابة سريعة لقرار حظر الرحلات الجوية الدولية من كردستان، وإليه بعد ثلاثة أيام، في حال لم يتم إخضاع المطارات للحكومة الاتحادية، أعلنت كل من شركة بيغاسوس التركية للطيران، وشركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، وشركة مصر للطيران، اليوم الأربعاء، وقف رحلاتها المباشرة للإقليم بدءًا من بعد غد الجمعة حتى إشعار آخر.

وقالت القنصلية التركية في عاصمة إقليم كردستان أربيل، في بيان لها، إن تركيا ستعلق الرحلات إلى مدينتي أربيل والسليمانية في إقليم كردستان، اعتبارا من الساعة 1500 بتوقيت غرينتش يوم الجمعة المقبل، وذلك ردا على استفتاء الكرد على الانفصال الذي أجري في وقت سابق هذا الأسبوع.

وأضاف البيان أن العمل جار لزيادة الطاقة الاستيعابية للرحلات حتى يوم الجمعة المقبل،  حيث سيؤثر القرار على الخطوط الجوية التركية وشركتي “بيغاسوس وأطلس غلوبال”.

إيران تجهز صواريخها

أرسلت السلطات الإيرانية تجهيزات صاروخية جديدة إلى الشريط الحدودي الغربي لإيران، أي القريب من إقليم كردستان، للرد على أي اعتداء.

وقال مستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، إن إيران لا يمكن أن تقبل نتائج استفتاء كردستان كونه غير قانوني وغير دقيق، معتبراً أنه سيؤدي في النهاية لحالة فوضى ونزاع في المنطقة.

انتكاسة أمريكية

وجه استفتاء كردستان ضربة لواشنطن، التي حاولت على مدار سنوات منع تفكك العراق، وضحت في سبيله بمليارات الدولارات، وبأرواح آلاف من قواتها.

وتعتبر فشل المساعي الدبلوماسية في إقناع الزعماء الأكراد، وهم من أوثق حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بإلغاء الاستفتاء، دليلا جديدا على تراجع القوة الأمريكية.

وقال جيمس جيفري، وهو سفير أمريكي سابق لدى العراق ويعمل حاليا باحثا في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “هذه انتكاسة كبرى…إنها تحرمنا من القول إن الولايات المتحدة وحدها هي من تستطيع إبقاء العراق موحدا”.

وبدورها أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نويرت، أن بلادها أصيبت بـ”خيبة أمل عميقة” بسبب الاستفتاء، مؤكدة أنه “سيزيد من انعدام الاستقرار والمصاعب” في الإقليم.

روسيا تحذر

من جهتها، حذرت وزارة الخارجية الروسية حكومتي بغداد وأربيل من اتخاذ أي خطوات قد تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط، داعية الجانبين للتوصل إلى حل في إطار دولة عراقية موحدة.

وفي بيان للوزارة أوضحت أنها تحترم الطموحات الوطنية للكرد لكنها تحبذ الحفاظ على وحدة العراق.

ربما يعجبك أيضا