“برسوم العريان”.. قديس بالمسيحية وولي في الإسلام

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر
القاهرة – ينظر المسيحيون والمسلمون في مصر إلى القديس برسوم العريان بأنه صاحب الخوارق والكرامات، حيث يحتفل المسيحيون بمولده من 10 سبتمبر وحتى 27 سبتمبر من كل عام، باعتباره قديسًا، في الوقت الذي يحتفل به المسلمون كونه “وليا”.

ويعد مشهد الاحتفال بمولد “العريان” مظهرا من المظاهر الذي تتفرد بها مصر، والذي يجمع المتعبدون كل على عقيدته في مكان واحد، حيث يشهد جوًا من التسامح الديني بين المسلمين والأقباط، فالعامة من المسلمين يشيرون له بـ”سيدي محمد البرسومي” أو بـ”سيدي العريان”، في الوقت الذي يقدسه المسيحيون معتبرين أنه قائد نهضة الكنيسة في فترة كاحلة عليها.

“من يكون”

يعد الأنبا برسوم العريان” أحد قديسي القرن الثالث عشر، والذي ولد لأب يدعى الوجيه المفضل عام 1257 بمدينة الفسطاط عاصمة الفاطميين، ونشأ على تعاليم المسيحية، كان والده كاحيث اتخذته الملكة شجرة الدر كاتمًا لأسرارها، وتوفي وابنه ما زال في ريعان شبابه، لتلحق به أمه بعد عام واحد.

توفي الوالدان تاركين له ميراثا من العلم والمال، ليطمع خاله في ميراثه، ورغم محاولات من حوله رفض مقاضاته، قائلا: “باطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح”، وانطلق إلى حياته الجديدة متخذا من التضرع والإيمان وسيلة إلى الله.

“صديق الثعبان”

خرج “برسوم” من الفسطاط ليعيش في مغارة حياة “روحية”، يرتدي جلد الماعز حتى لقب بـ”العريان”، لينتقل إلى كنيسة أبي سيفين “مرقوريوس” بمصر القديمة، والتي كان بها مغارة بجوار الباب البحري، لا تزال موجودة، وكان بها “ثعبان ضخم” بسبب ذلك امتنع الناس من النزول إليها.

وتقول المراجع القبطية: “حاول الأنبا النزول إلى المغارة فمنعه خدام الكنيسة مظهرين خوفهم عليه، لكنه بسط يديه نحو السماء وصلى، قائلاً: (يا ربي يسوع المسيح ابن الله الحيّ، أنت الذي أعطيتنا السلطان أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو.. أنت الذي وهبت الشفاء لشعب إسرائيل الذين لدغتهم الحيات عندما نظروا إلى الحية النحاسية، الآن انظر أنا إليك يا من عُلقت على الصليب لكي تعطيني قوة أستطيع بها مقاومة هذا الوحش)”.

وتضيف المراجع: “رشم نفسه بعلامة الصليب تقدم نحو الثعبان، وهو يقول: (تطأ الأفعى والحيات، وتدوس الأسد والتنين)، فنزع الله من الثعبان طبعه الوحشي، وصار مرافقًا له في المغارة حوالي 20 عامًا”، وكان ذلك سببا لظهوره صورته برفقة “ثعبان ضخم” في ديره الموجود حاليا بالقاهرة.

“نهضة الكنيسة”

وتذكر الكنيسة المصرية أنه في أيامه اجتازت الكنيسة ضيقة شديدة في أواخر سلطنة خليل بن قلاوون، حيث أغلقت الكنائس جميعا عدا بالإسكندرية وأمر المسيحيين بارتداء “العمامة الزرقاء” إلا أنه رفض ارتداءها، فأوشى به البعض لدى الوالي، والذي أمر بجلده وسجنه، ثم أطلق سراحه، قبل أن يسجن ويجلد بـ”السوط” مرة ثانية، حتى أمر الحاكم بإيداعه دير شهران بمنطقة المعصرة بحلوان.

وشهدت فترة وجوده في الكنيسة “نهضة روحية ورعوية” كبيرة، فكان يأتيه الناس من كل صوب آملين في الحصول على راحة سماوية، وتبرك منه، حتى إن البابا كيرلس السادس أشهر أباء الكنيسة كان يزور الدير كثيرا، رغم سكنه على “سطح الكنيسة” بالدير الذي سمي باسمه فيما بعد، متواريا عن أعين الناس، وظل في الدير حتى توفي في عام 1317.

ويحتفل الأقباط “بنهضة الأنبا برسوم، تمجيدا لجهاده ضد اضطهاد السلطان الأشرف الخليل، لمدة أسبوعين، إيمانًا بدوره، ومعتبرين أنه مثال روحي حيث تخلى عن كل مغريات الدنيا، ولم يتمسك بشيء سوء “الإيمان”.

“دير الأنبا برسوم”

فى مزار الأنبا برسوم بالدير، بمنطقة المعصرة جنوب القاهرة، تستقبلك أيقونة أثرية قديمة تحمل صورته وهو يرتدي جلد الماعز على جسده وثعبان ضخم بجواره، ويقصده الأساقفة والعامة من المسيحيين والمسلمين قاصد عونه للشفاء من داء أو راجين البركة.

ويحاط الدير بباعة حلوى الحمص والبلح، ليوفوا النذر ويذبحون الذبائح، طامعين في نيل البركة من صاحب الدير، فمئات من القصص يرويها أقباط ومسلمين عن فضائل “برسوم العريان”.

“سيدي العريان”

ويشهد احتفال “برسوم العريان” مشاركة المسلمين فيه حيث يعتبروه “وليًا”، فالعامة من المسلمين يشيرون له بـ”سيدي محمد البرسومي” أو بـ”سيدي البرسومي” أو بـ”سيدي العريان”.

وعن ذلك قال الباحث عصام ستاتي في كتابه “مقدمة في الفولكلور القبطي” إن السبب يعود إلى أن القديس حين حبس نفسه في مغارة داخل الكنيسة، واستطاع استئناس الثعبان وتطويعه حتى أقام معه 25 عاما دون أن يؤذيه بعد أن نزع منها الشر، وهو ما دفع الجماعة الشعبية من المسلمين لإيجاد صلة بين “العريان” وبعض الأولياء.

وتابع: “ربطت بينه والرفاعي في مسألة التعامل والتعايش مع الأفاعي، ومن ثم فهم عادة ما يهتفون (عم يا عريان يا طب التعبان) و(عم يا رفاعي يا طب الأفاعي)”.

ربما يعجبك أيضا