شبح “الفيدرالية” يسكن “بلاد الأرز” وسوريا ليست ببعيد

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

مع دخول لبنان إلى فلك انتخابات 2018، تبدأ الكلمات المتقاطعة والمواقف الصدامية في الظهور عادة، لكن هذه المرة الأمر مختلف فالخطط ترسم لسوريا متعددة الطوائف وربما مقسمة إلى فيدراليات وإلى الشمال كردستان العراق يجري استفتاء الاستقلال عن بغداد، وبالعودة إلى الداخل اللبناني نلمس فعليا انتهاء شهر العسل بين السلطات الثلاثة وسط مظاهرات للاتحاد العمالي للمطالبة بتطبيق قانون سلسلة الرواتب، وأنباء عن مؤتمر يُحضر لمناقشة إمكانية تطبيق الفيدرالية في لبنان ربما كخطوة تمهيدية لاعتمادها من قبل الجارة السورية أيضا.

وكشفت مصادر مطلعة لـ”عكاظ” السعودية أخيرا، أن مؤسسات محلية تعمل على التحضير لمؤتمر في بيروت حول إمكان تطبيق الفيدرالية في لبنان، مشيرة إلى أن الجهات التي تحضر للمؤتمر تضم طيفاً واسعاً من القوى الحزبية والمدنية متعددة الاتجاهات السياسية والطائفية.

هذا الكلام ليس جديدا ويمكنا توقع هوية هذه الجهة التي تطالب بالفيدرالية، فعلى الأرجح هي تجمع اللقاء الأرثوذكسي الذي يدعو دائما إلى تكاتف أبناء الطائف المسيحية معا للوصول إلى حقوقهم السياسية، وتحديدا في 2013 دعا اللقاء إلى مشروع قانون انتخابي تباه مسيحيو 8 و14 آذار ويعتمد على توزيع المقاعد على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، بحيث ينتخب كل مذهب لائحة تضم نواب من مذهبه على مستوى كل لبنان، بمعنى أن تتشكل لوائح طائفية تمثل جميع المناطق الانتخابية.

فيدرالية لبنان

في 2015 وقبل وصوله إلى قصر بعبدا طرح ميشيل عون تحت عنوان عريض ” تصحيح التمثيل المسيحي في هيكلية الدولة” مشروعًا يمزج بين اللامركزية والفيدرالية، لكنه أزعج الخصوم والحلفاء على حد سواء، إذ اعتبره الخصوم ضربة قاسمة للطائف وتخلي عن إعلان بعبدا، فيما اعتبره الحلفاء وتحديدا تيار المردة يعرض التمثيل المسيحي للخطر أكثر، إذ يحتكم أكثر للتعددية بدلا من المحاصصة الطائفية، التي تحكم لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية والخروج السوري، والتي بموجبها يأتي رئيس الجمهورية من الطائفية المسيحية ورئيس الحكومة من المسلمين السنة أما رئاسة البرلمان فتذهب للمسلمين الشيعة.

ولأن زواج الدم والتاريخ بين بيروت ودمشق لا يمكن أن يسقط بحكم الطلاق العسكري، فلم يكن من قبيل الصدفة أن يتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الفيدرالية كحل للأزمة السورية لأول مرة في نوفمبر من العام 2015 أيضا، ويبدو أن موسكو عملت طوال عامين على تكريس هذا الحل على أرض الواقع، لتطلع علينا تقارير أجنبية تؤكد أن مشروع فيدرالية سوريا سيطرح على الأمم المتحدة خلال هذا الشهر مع دستور مقترح يعتمد على تشكيل مجلس رئاسي ثلاثي، بمعنى أن يكون هناك رئيس ونائبان للرئيس، شرط أن يكون لنائبي الرئيس حق المشاركة الكاملة في اتخاذ القرار، وعلى أن يتشكّل هذا المجلس على أساس أن يكون الرئيس علوياً ونائب الرئيس سنياً والنائب الثاني من الأقليات، كما ذكرت “الشرق الأوسط” وصحف لبنانية.

بالنسبة للبنان الفيدرالية تحوم في الأفق دائما بسبب تركيبته المعقدة، ويرى المدافعين عنها وعلى رأسهم  أنطوان نجم الذي أكد في حديث له مع صحيفة الجمهورية عام 2013 أنّ الفيدرالية كنظام ستكفل للدولة مجلس تشريعي يتكوّن من مجموعتين متساويتين في  العدد تعتمد النسبية الطوائفية في داخل كل مجموعة، وأن تنتخب كل طائفة نوابها، ما سيضمن للمسيحيين تمثيلا عادلا وتحديدا طائفة الأرثوذكس، أم الرأي المعارض فيقول بأن الفيدرالية موجودة بالفعل في لبنان ومكرسة بفعل “الطائف”، وليتها مفيدة، فالفيدرالية القائمة في لبنان هي فيدرالية طوائف تسعى وراء المصالح الضيقة بعيدا عن المصلحة الوطنية.

سيناريوهات الحل السوري

الأمر وإن بدا مختلفا في سوريا، إلا أنه على أرض الواقع سيجعل الأسد يتذكر وهو يجلس في برجه العاجي المثل القائل “من حفر حفرة لأخيه وقع فيها”، فالنظام الفيدرالي إن أقر في سوريا فسيكون مبيناً على أساس عرقي وديني أيضا كما هو الحال في لبنان، ما يعني أنها فقط  ستوقف إطلاق النار إلى حين إشعار آخر لتضفي الشرعية على القتال والتناحر بين العلويين والسنة والأكراد.

وعلى الأرض انقسمت سوريا فعلياً إلى أقاليم متعددة، ففي الشمال أعلن الأكراد  في المناطق التي يسيطرون عليها وبشكل مستقل تطبيق النظام الفيدرالي، وفي الجنوب تسعى الأقلية الدرزية في السويداء إلى نموذج مماثل، بينما تخضع إدلب لسلطة قوات المعارضة السورية، ويدير نظام الأسد المنطقة الغربية والوسطى من البلاد، وبالطبع لا ننسى أن معركة الجرود التي أعادت ملف حزب الله إلى دائرة الخلاف مرة أخرى في لبنان، هي الأخرى كرست لواقع جديد في سوريا، إذ دفعت باللاجئين السوريين إلى خارج المخليمات اللبنانية باتجاه الأراضي السورية مرة أخرى تحت عنوان “محاربة داعش”، لكن الهدف الأكبر هو تعزيز موقف الأسد على الساحة الدولية وإعطائه المبرر لقتل المزيد من السوريين.

لم ولن تكون معركة “جرود عرسال” العنوان الأخير للخلاف بين السلطات الثلاثة في لبنان، وتحديدا بين حزب الله وحليفه رئيس الجمهورية من جهة وتيار رئيس الحكومة سعد الحريري من جهة أخرى، فالطرف الأول يرى أن المعركة قادها في الأساس حزب الله فيما يرى الطرف الثاني أن المعركة قادها الجيش اللبناني ويجب أن تنسب له انتصارًا لسيادة الدولة، ومن أبرز تداعيات هذا الخلاف الانقسام حول التطبيع مع النظام السوري من أجل التنسيق فيما يتعلق بأمن الحدود وعودة النازحين السوريين.

فالأمس القريب سمعنا وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق يصف لقاء وزير الخارجية جبران باسيل –صهر عون- بنظيره السوري وليد المعلم بالاعتداء السياسي على الحريري ويتوعده بالرد، وفي المقابل قال عون في تصريحات له من باريس حيث يقوم بزيارة رسمية للإليزية، لبنان سيبحث مع سوريا مسألة عودة النازحين، معتبرا أن الحرب في سوريا ستنتهي قريباً، وأن الرئيس بشار الأسد سيبقى وفق مصالحة وطنية تلوح في الأفق.

عن أي مصالحة يتحدث عون، ربما عن مصالحة “هشة” جديدة بالمنطقة، تستنسخ الفيدرالية اللبنانية بشكل أقبح في الجوار السوري، الذي سيكون دائما قابلًا للأنفجار مستندا إلى قوى إقليمية تتحكم في مصير أبناء شعبه وفق مصالحها العليا.

ربما يعجبك أيضا