مدينة المريخ العلمية.. ريادة إماراتية لإيصال البشر نحو الفضاء

حسام عيد – محلل اقتصادي

برؤيتها وإرادتها وفهمها لطبيعة المتغيرات المتسارعة التي يمر بها العالم ومع إيمانها بأن تحويل الفضاء إلى مكان صالح للحياة البشرية يحتاج إلى جهود جبارة تقودها دول كبيرة بإمكانيات ضخمة وموارد بشرية استثنائية من علماء وخبراء وباحثين، أطلقت الإمارات مدينة المريخ العلمية في خطوات واثقة نحو وصولها إلى كوكب المريخ الملقب بالكوكب الأحمر.

وأعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن حديقة مشرف بدبي سيكون مقرًا لمشروع بناء المدينة الفضائية الأولى من نوعها.

مشروع مدينة المريخ العلمية

تقدر كلفة المشروع بـ 500 مليون درهم إماراتي، على مساحة أرض تبلغ مليون و900 ألف قدم مربع، لتشكل بذلك أكبر مدينة فضائية تُبنى على الأرض ونموذجاً عمليًا صالحًا للتطبيق على كوكب المريخ.

وسيتم بناء المدينة في إمارة دبي بتقنية ثلاثية الأبعاد باستخدام رمال من صحراء الإمارات.

خطط إنشاء المدينة

يتضمن المشروع الذي تبلغ مساحته 500 ألف قدم مربع، وكُشف عنه ضمن أعمال الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات التي عقدت في العاصمة أبوظبي يومي 26 و27 سبتمبر الحالي مختبرات متطورة تحاكي تضاريس الكوكب الأحمر وبيئته القاسية، وسيُنفذ باستخدام تقنيات مطورة للطباعة ثلاثية الأبعاد، وعزل الأشعة، والحرارة.

أما الشكل الخارجي للمشروع، فسيتكون من عدة قباب لا ترتكز على أعمدة، ما يتطلب ابتكار تقنيات جديدة لضمان ثباتها وسلامتها، لتشكل هذه القباب السقف الأكبر عالمياً بدون أعمدة.

وعمل على المشروع فرق عدة من علماء ومهندسين ومصممين، يقودهم فريق علمي هندسي إماراتي من مركز محمد بن راشد للفضاء وبلدية دبي، وصممه المهندس بيارك أنجيل الذي صمم مشاريع عالمية متميزة من ضمنها مقر شركة “جوجل” الجديد ومقر شركة “ليجو”.

وبإنجازه سيكون مبنى مدينة المريخ العلمية أكثر مبنى تطورًا في العالم، وبالإمكان تنفيذه بشكل كامل على كوكب المريخ.

أهمية المدينة

يأتي الإعلان عن مشروع مدينة المريخ العلمية في إطار جهود الدولة ومساعيها الحثيثة لتحقيق الريادة في السباق العلمي العالمي لإيصال البشر إلى كوكب المريخ خلال العقود المقبلة، من خلال استراتيجية المريخ 2117، التي اُطلقت ضمن أعمال الدورة الخامسة للقمة العالمية للحكومات في فبراير الماضي، والتي تهدف لبناء أول مستوطنة بشرية على المريخ من خلال قيادة تحالفات علمية بحثية دولية.

وسيعمل على استقطاب أفضل العلماء والتجارب العلمية من حول العالم إلى دولة الإمارات لتلبية احتياجات الدولة العلمية المستقبلية، وتطبيق الدراسات بشكل يساهم في تطوير وتحسين الحياة البشرية والتصدي لتحديات أمن الغذاء والمياه والطاقة على كوكب الأرض.

كما ستعمل المدينة الأولى والأكبر عالمياً في مجال الفضاء على إجراء تجربة نوعية لإشراك فريق بشري مختص سيعيش داخلها لمدة عام واحد وسط ظروف بيئية وحياتية تحاكي ظروف الكوكب الأحمر، مع إجراء الدراسات السلوكية المطلوبة لمتابعة النتائج العلمية والاستفادة منها لاحقاً في مجال رحلات استكشاف الفضاء.

ومن المقرر، أن يقوم الفريق بإجراء تجارب لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة والمياه والغذاء.

وستساهم مدينة المريخ العلمية في إنشاء جيل يقوده الشغف نحو العلم والفضاء والاستكشاف، حيث ستفيد أكثر من 200 مركز بحثي حول العالم.

وبدوره، شدد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على أن علوم الفضاء لعبت الدور الأكبر والأبرز في تحسين حياة الإنسان على كوكب الأرض، وساهمت في تطوير حلول مبتكرة للعديد من التحديات التي ظلت حتى زمن قريب ضرباً من المستحيل.

وأكد أن “المشروع الجديد هو خطوة جديدة تضاف إلى إسهامات دولة الإمارات في قيادة الحراك العلمي العالمي، ودورنا يتمثل في تحفيز الدول الأخرى وتشكيل قدوة ونموذج يحتذى لها، للمشاركة والإسهام في مسيرة البشرية نحو الفضاء”.

رحلة مسبار الأمل

في مساعيها الحثيثة لاستكشاف الكوكب الأحمر، ستطلق دولة الإمارات في يوليو 2020 رحلة مسبار الأمل لتصل إلى مدار المريخ في يونيو 2021، وهو العام الذي سيتم فيه الاحتفال بخمسينية دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتتمثل الأهداف العلمية للرحلة في فهم العلاقة والتفاعلات بين طبقات الغلاف الجوي، وكيف يؤثر ما يحدث في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي في كوكب المريخ على الطبقة العليا.

كما يعمل على اكتشاف أسباب تآكل الغلاف الجوي لكوكب المريخ والذي تسبب في انعدام البيئة المناسبة للحياة على الكوكب.

وسيساهم في فهم التغيرات المناخية على سطح الكوكب الأحمر عبر بناء نموذج متكامل للتغيرات اليومية والموسمية والتي بدورها ستساعد في تقييم كواكب أخرى قد تدعم وجود الحياة.

الجوانب الاقتصادية

يعد الفضاء حيزًا جديدًا لإيجاد أفكار جديدة تتيح فرصًا متعددة لإنشاء أعمال وشركات ناشئة في القطاع الخاص بدعم من الاقتصادات المعرفية في العالم مثل الإمارات، ما يؤدي إلى خلق قطاعات جديدة مبنية كاملة على العلوم والمعرفة والتكنولوجيا.

ويضم مجال صناعة الفضاء جوانب عدة منها الاستكشاف الفضائي والصناعات المستوحاة أو المستخدمة لتكنولوجيا الفضاء والسياحة الفضائية.

وتقدر حجم صناعة الفضاء الدولية بـ 300 مليار دولار، وتنمو بمعدل 8% سنويا، ولدى الإمارات تجربة رائدة عربياً في مجال الفضاء عبر إطلاق 4 مركبات فضائية تدور حالياً حول الأرض.

ويعتبر قطاع الفضاء في الإمارات من القطاعات الواعدة، حيث يهتم بدمج تكنولوجيات الفضاء في الحياة اليومية للمواطنين كما يساعد على إثراء المعرفة بالأرض والكون.

وتتخطى الاستثمارات الإماراتية في مجال تكنولوجيا الفضاء حالياً عتبة 20 مليار درهم.

كما تعمل وكالة الإمارات للفضاء حالياً على إنشاء خليفة سات وهو قمر صناعي للتصوير سيتم إطلاقه عام 2018.

وهذا يدل على إرادة القيادة الرشيدة لدولة الإمارات للمضي قدماً نحو اعتماد مجالات استثمارية قوية ومبتكرة وواعدة تسمح بمواصلة تعزيز الاقتصاد بتنويع الموارد الاقتصادية للدولة.

ربما يعجبك أيضا