“تعليم ودش وقيادة”.. فتاوى سعودية من التحريم إلى التحليل

ياسمين قطب

رؤية – ياسمين قطب

شعب أصيل تربى على الطباع البدوية العريقة، شعب تعود على الصبر والتحمل والقوة والتدين، وأكثر بلد في العالم يظل فيه رأي عالم الدين هو البوصلة الفكرية للمواطن، لكن تأتي الأوامر الملكية لتنهي جدلًا ليس بمحله، ومن أبرز تلك القضايا هي قضية قيادة المرأة للسيارة، حيث خاضت المرأة السعودية عقودًا من المطالبات بالسماح لها بالقيادة، حتى جاء الملك سلمان بن عبد العزيز منذ عدة أيام، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وأصدر قرارا تاريخيا يسمح للمرأة السعودية ولأول مرة بالقيادة.

ومن أبرز القضايا التي تمسك بها الشعب السعودي لعقود وفصلت فيها الأوامر الملكية ما يلي:

كرة القدم

عرفها العالم مبكرًا ولم يعترف بها في السعودية حتى أواخر أربعينات القرن الماضي، وكثرت الفتاوى الدينية حولها “بالتحريم”، فمنهم من رأى أن علة التحريم هي كونها لعبة “لهو”، ومنهم من رأى العلة في المنافسة على “كأس” وهو ليس أمر يتنافس عليه، وعلل البعض تحريمها بأن اللاعبين يرتدون ملابس قصيرة فوق الركبتين مما يظهر عوراتهم فاللعبة محرمة شكلًا وموضوعًا، إلى أن أنهى الملك عبد العزيز آل سعود الجدل، وحسم أمر منع “كرة القدم” بحضوره شخصيُا لمباراة كرة قدم أقيمت في  محافظة “الظهران” السعودية، بين فريقي “الاتحاد والتوفيق” وسلم فيها الملك الكأس للفريق الفائز بنفسه.

ويظهر في الفيديو النادر الذي تداوله نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أرض الملعب وهي جزء من أرض صحراوية لا زرع فيها ولا تخطيط، ولا يوجد مدرجات للجمهور، بل يقفون حول الملعب يشجعون ويصفقون.

تعليم البنات
تعليم البنات من أوائل القضايا التي أثارت جدلًا في المملكة، وحرمها الكثير من علماء الدين منذ عقود، واستمر الوضع حتى بدايات تأسيس الدولة السعودية الأولى، حتى جاء الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود -وكان وليا للعهد حينها- وأصدر قرارا تاريخيا عام 1947 بفتح مدارس للبنات والسماح للبنت بالتعليم ومساواة حقها مع الولد في تلك القضية المصيرية.

وقوبل القرار في بدايته برفض شعبي على مستوى الأسر وشيوخ القبائل، وعزفوا عن إرسال بناتهم لتلقي التعليم، فما كان من الملك سعود إلا أن أنشأ أول مدرسة لتعليم البنات، وكانت في “قصر المربع” وألحق بها بناته ليتعلمن فيها، وجلب لهن أفضل المدرسين ومعلمن القرآن وأمور الدنيا والدين، وتوالى في إنشاء المدارس للبنات والبنين، وزال الحرج عن البسطاء والعامة وبدأت البنات يلتحقن بصفوف الدراسة لتلقي العلم مثل نظرائهم البنين.

واستمر الوضع من حسن إلى أحسن، حتى جاء عهد الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- وأحدث “طفرة” في التعليم في المملكة، وأنشأ لأول مرة “وزارة المعارف”، واهتمت الوزارة بتشييد مدارس حكومية لتعليم البنين، وأنشأ أيضا الملك فهد وزارة أخرى لتعليم البنات تحت مسمى “الرئاسة العامة لتعليم البنات”، واستمرت الوزارتان تعملان بشكل منفصل تماما لعدة عقود، فتجد مناهج مختلفة وأساليب مختلفة ومباني دراسية منفصلة.. حتى وقع حادث حريق مدرسة بنات في مكة عام 2002 وقلبت الموازين.

في عام 2002 شب حريق هائل في المتوسطة “الحادية والثلاثون” في محافظة مكة، ولقيت 15 فتاة مصرعها، فضلًا عن عشرات الاختناقات والإصابات، وأثبتت التحقيقات أن الحريق اندلع بسبب ماس كهربائي، ومما زاد حدة الخسائر البشرية هو تدخل بعض أفراد “هيئة الأمر بالمعروف” ومنعهم لرجال الحماية المدنية من الدخول للمدرسة لأن القتيات “غير مرتديات حجابهن”، وهو الأمر الذي تسبب في إحالة الرئيس العام لتعليم البنات الدكتور علي بن مرشد المرشد إلى التقاعد، ودمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف.

وبرغم أن الرئاسة العامة لتعليم البنات ظلت تعمل بشكل منفصل إلا أنها تتبع هيكليًا وزارة المعارف، إلا أن القرار قوبل بتذمر شعبي ورفض، ووصفه بعض رجال الدين بالخطوة الأولى نحو “الاختلاط الكامل” بين الطلاب الفتيات والبنين، وهو الأمر الذي جاء فيه القرار الملكي حاسمًا لينهي الجدل والثرثرة حول الأمر.

التلفزيون والدش

طبق “الدش” كان حديث أهل السعودية طيلة العقد التاسع من القرن الماضي، وأقيمت الندوات والمناسبات والخطب والمحافل الوعظية التي تشدد على تحريم مشاهدة قنوات التلفزيون ومنع دخولها البيوت لما في ذلك من تاثير سلبي على العقول.

وفي بادئ الأمر كان الناس يتهربون من وضع أطباق الدش فوق أسطح منازلهم ويخفونه ببناء شيء محيط به، ووصل الأمر بأصحاب البيوت رفض تسكين أي عائلة تملك طبق “دش”.

ومن كثرة انتشار الموضوع تناقشت فيه الدراما السعودية الأشهر حينها مسلسل “طاش ما طاش” لبطليه “عبد الله السدحان، وناصر القصبي، ويظهر في إحدى حلقاته ناصر القصبي وكأنه مذيع يحاور “السدحان” ويسأله عن متابعته للتلفزيون السعودي، ثم يباغته بسؤال عن “هل تشاهد قناة الجزيرة؟”، ووقتها كانت قناة الجزيرة هي الأشهر عبر الستالايت.
الدراجة
كانت قيادة الدراجة سواء العادية أو النارية من “المحرمات” وفق فتاوى شهيرة في المملكة، واعتبروها من “اللهو” الذي يصرف الناس عن العبادة، إلا أنه مع مرور الوقت أصبح مسموحًا بقيادتها بشرط الحصول على رخصة لقيادة الدراجة بعد تقديم شهادة تزكية بحسن السير والمواظبة على الصلاة والأخلاق الحميدة من إمام الحي.

ولم يقف الأمر عند حد تحريم الدش والتلفزيون، وحظي الجوال ولاسيما “ذو الكاميرا” على حرب ضروس شنت ضده، إلا أن تلك الفتاوى والقناعات ما لبثت أن انهارت سريعًا أمام ثوابت وتغييرات الحياة بما لايخالف شرع الله، ومن أبرز الأمور التي تغيرت فيها الفتاوى:

غلق المحلات وقت الصلاة
الغترة البيضاء
التصوير الفوتوغرافي

ومن أشهرهم وأكثرهم طرافة هي السيارة، حيث اعتبروا السيارة في بداياتها ضربا من ضروب السحر، فكيف لحديدة أن تتحرك، وتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لرجل يصف حالة رؤيتهم لأول سيارة تدخل أرض المملكة.

ربما يعجبك أيضا