عزلة قطر.. كشفت دبلوماسية الشيكات والسقوط يتوالى

دعاء عبدالنبي

 كتبت – دعاء عبدالنبي

المال السياسي ليس سيئًا بالمطلق، فأحيانا يصبح وسيلة ضرورية لخدمة سياسات ومشاريع طموحة بالمنطقة، ولكن واقع الأمر أن سياسات بعض الدول جعلته يصب تحت جنح الظلام مُحدثًا الفوضى والدمار، وهو ما حدث مع قطر التي سعت لتوظيف أموالها لتحقيق مخططاتها بالمنطقة، عبر دبلوماسيتها الناعمة التي بدأت تتكشف بعد عزلتها الأخيرة، لتكشف حجم المؤامرة القطرية لشراء الأصوات والذمم والمؤسسات الدولية لدعم الإرهاب وتحقيق مأربها كما حدث في مونديال 2022، وفي انتخابات اليونسكو الأخيرة التي باءت بالفشل.

وجهة الأموال القطرية

منذ التسعينات والدوحة تسعى لتغيير المواقف والاتجاهات السياسية لبعض الدول والمنظمات الإقليمية والدولية، بل وبعض الرؤى السياسية الرافضة لتدخل قطر في المنطقة العربية، وذلك بصورة مرحلية عبر توظيف أموالها لتتدخل في قطاعات عديدة وهو ما ظهر جليًا في استثماراتها في العديد من الدول الأوروبية مستغلة عوائد استثماراتها في شراء الذمم والأصوات ودعم الإرهاب.

ويمكن استعراض أبرز استثمارات قطر في الخارج، والتي توضح جليًا مساعيها للاستحواذ على كبرى الشركات والأندية والتأثير على قرارت بلدانها ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

ــ شراء جهاز قطر للاستثمار، برج آسيا سكوير الذي يضم مكاتب لشركات عالمية في سنغافورة مقابل 2.5 مليار دولار ، فضلًا شراء الجهاز القطري لـ 3 أشهر الفنادق العالمية في بريطانيا والولايات المتحدة بـ 772 مليون دولار.

ــ شراء أندية ومصارف وعقارات جديدة، ومراكز خيرية واستشارات دولية وإعلامية عديدة في بريطانيا وألمانيا، ومنها محاولة شراء نادي “مانشستر يونايتد الإنجليزي” بـ 1.5 مليون جنيه إسترليني ولكنها قوبلت بالرفض بعد ارتفاع الصفقة لـ 1.8 مليون جنيه إسترليني.

ــ شراء 24 طائرة حربية من طراز تايفون من شركة بي إيه إي سيستمز، يضاف لذلك الصفقة التي وقعتها قطر مع شركة بوينج الأمريكية، لشراء طائرات إف 15 بقيمة 12 مليار دولار، وصفقة أخرى بقيمة 6 مليارات دولار لشراء 7 سفن بحرية من إيطاليا.

ــ شراء شركة ليجند المالكة لمجموعة لينوفو لأجهزة الكمبيوتر، وبنك لوكسمبورج الدولي الذي تأسس قبل 161 عاماً من بريسيشن كابيتال، وهي ذراع استثمارية لأفراد في الأسرة الحاكمة القطرية، من بينهم رئيس الوزراء القطري السابق، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.

مليارات الدولارات استثمرتها قطر في الخارج واستخدمتها في العديد من الصراعات بالمنطقة وخارجها، مستغلة العوائد النفطية والاستثمارات السيادية في تسهيل حركة تلك الأموال لإحداث الفوضى والدمار بالمنطقة تحت شعارات خيرية وتنموية، واجهتها التغيير ودعم الديمقراطية ولكنها تندرج ضمن مسلسل التمويل القطري للإرهاب كما حدث في تمويلها لجماعات إرهابية في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من دول المنطقة.

وإلى جانب توظيفها للمال السياسي في صراعات المنطقة، بدء ينكشف جليًا مخططات الدوحة لشراء الأصوات والذمم لصالحها، ولعل أبرزها محاولتها شراء منصب مدير اليونسكو والرشاوى التي قدمتها لاستضافة مونديال 2022.

اليونسكو تسقط الشيكات

رغم المحاولات القطرية للحصول على منصب مدير اليونسكو، إلا أنها باءت بالفشل بعد فوز الفرنسية أودريه أزولاي بعد حصولها على 30 صوتًا في الجولة الخامسة مع منافسها القطري الخاسر حمد الكواري، والذي حصل على 28 صوتًا.

كانت انتخابات منصب مدير اليونسكو قد شهدت جدلًا واسعًا خلال اليومين الماضيين بشأن المرشح القطري، نظرًا لتاريخ الدوحة في الفساد والحصول على ما لا تستحقه بالطرق الغير مشروعة.

وخلال الجولات الانتخابية لليونسكو، خرجت العديد من المظاهرات المُنددة باستخدام قطر للأموال من أجل حشد الأصوات لصالح مُرشحها، بعد أن ثبت اعتماد حملة المرشح القطري حمد الكواري على استراتيجية “صيد الأصوات”، مستخدمًا نفوذه لجمع الأصوات .

وعلى إثرها انطلقت حملات إعلامية ضد جمع قطر للأصوات، واصفين إياها بـ”دبلوماسية الشيكات”، والتي أسقطتها استراتيجية النفوذ الفرنسي بدعم كل الإمكانات لدعم المُرشحة الفرنسية في مواجهة المُرشح القطري.

ومع تعالي الأصوات باستخدام قطر للمال من أجل الحصول على أصوات الدول لمرشحها الكواري، تقدمت مصر بمذكرة رسمية إلى اليونسكو للتحقيق في الخروقات التي تم رصدها خلال عملية التصويت ومنها استخدام المال في شراء الأصوات.

من جانبها، قالت عبلة إبراهيم، مستشار منظمة اليونسكو، ووزير مفوض بجامعة الدول العربية: “إن المال السياسي القطري استطاع أن يحشد الأصوات لصالح مرشحها دون أي مسائلة قانونية أو دولية”.

وفي سياق متصل، كشفت وسائل إعلام فرنسية مرموقة قبل الانتخابات عن استقبال قطر عشرة مندوبين على الأقل من اليونسكو قبل أسبوعين، وعن تلقيهم هدايا سخية، وكشفت أيضًا عن شراء الدوحة ذمم مندوبين خلال اجتماع تم عقده معهم في إحدى المطاعم القريبة من مقر المنظمة في باريس بينهم اثنين من دول عربية، وعدد آخر من دول إفريقية ومن أمريكا اللاتينية.

 وتضمنت العروض القطرية السخية التي قدمها المرشح القطري لانتزاع المنصب، عقد منتدى ثقافي دولي سنوي في باريس وتقديم التمويل اللازم لإعادة تأهيل مقر المنظم، فضلا عن مساعدة اليونسكو على تجاوز أزمتها المالية عبر المساهمة في تسديد ما عليها من مستحقات، حيث يتجاوز العجز المالي لها 329 مليون يورو.

وبحسب مصادر مُطلعة، فإن المُرشح القطري ” حمد الكوارى” وعد مندوب تل أبيب فى اليونسكو “كرمل كوهين” بعدم إدراج أى مشروع تصويت خاص بفلسطين أو المقدسات الإسلامية فى القدس حال تم اختياره مدير عام المنظمة الأممية، ورغم تلك المحاولات فشلت قطر في شراء المنصب.

الفيفا سمحت لقطر بـ2022

وعلى الصعيد الرياضي، برز اسم قطر خلال العقد الأخير كلاعب أساسي في عالم الرياضة، إلا أن الفضائح باتت تلاحقها لاسيما حول شروط الدوحة لاستضافة مونديال 2022، والتي حاولت فيها استخدام الدبلوماسية الناعمة لتعويض صغر حجم أراضيها.

وتحت عنوان “فساد القوة الناعمة لقطر.. تهزه الفضائح” نوهت صحيفة “ليزايكو” الفرنسية إلى قصة الفساد القطري في عالم الرياضة والتي بدأت منذ عام 2010، عندما قرر الفيفا إسناد تنظيم مونديال 2022 إلى قطر في الوقت الذي يبت فيه القضاء السويسري في مدى مطابقة الشروط على الملاعب القطرية.

ومؤخرًا، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بدء تحقيق مع رجل الأعمال القطري ناصر الخليفي، رئيس نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، بشأن بيع حقوق البث التلفزيوني لمباريات كأس العالم، لمجموعة شركات بين سبورت التي يديرها الخليفي بالاتفاق مع الأمين العام السابق للفيفا، جيروم فالكه.

ويشتبه الإدعاء في أن “فالكه تلقى امتيازات غير قانونية من ناصر الخليفي على صلة بمنح الحقوق الإعلامية لبعض الدول المنظمة لكأس العالم ، كان أخرها قيام الخليفي، بوضع فيلا في سردينيا الإيطالية تحت تصرف جيروم فالكه”.

وهنا لا يمكن إغفال تقرير المحقق الأمريكي مايكل جارسيا الذي أشار فيه إلى استخدام قطر لأساليب غير قانونية للحصول على حقوق تنظيم المونديال، ومنها مخالفة الدوحة لقوانين الفيفا، والتي تنص على عدم جواز منح هدايا أثناء فترة التصويت على ملفات المونديال وقد ثبت العكس ضد قطر إبان تحقيقه في الملف المشبوه.

وبحسب تقرير جارسيا، فإن رئيس الاتحاد الأوروبي آنذاك ميشال بلاتيني، قد أكد بعد مدة وجيزة من التصويت، أنه صوت لصالح قطر ، فضلًا عن الصفقات التي عقدتها قطر بإبرام صفقات في فرنسا مقابل نيل دعمها لاحتضان كأس العالم، وهو ما حدث بشراء الدوحة لنادي باريس سان جيرمان بـ 50 مليون يورو في 2011، ومن ثم إنشاء وتمويل قناة “بن إن سبورت” بـ 150 مليون يورو بالدور الفرنسي .

ويواجه الاتحاد الدولي لكرة القدم”الفيفا” سيلًا من الضغوطات لسحب استضافة مونديال 2022 من قطر، بعدما تأكد تورطها في قضايا فساد ورشاوي من أجل تنظيم البطولة، فضلًا عن تنديد منظمات أممية بأوضاع عمال تشييد الملاعب القطرية لتكشف حجم المؤامرة بين الفيفا والدوحة، والتي أخفتها الدبلوماسية الرياضية لقطر لسنوات عدة، إلى أن بدأت تتكشف في يونيو الماضي ، وتحديدًا بعد قرار عدد من الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع الدوحة لدعمها الإرهاب.

ويتوقع المراقبون، أن تعاني الدوحة خلال الفترة المقبلة من  تأخر وصول مواد البناء اللازمة لتشييد المنشآت الرياضية والمرافق المتعلقة بالملاعب المخصصة لاستضافة فعاليات المونديال، فضلا عن الصعوبة التي ستواجه الوافدين في الوصول لقطر لحضور المباريات بسبب قرار الحظر المفروض على خطوط الطيران من وإلي قطر.

وفي حال تأكد الاتحاد الدولى لكرة القدم “فيفا” من عدم قدرة قطر على إنهاء تسليم المشروعات الخاصة ببطولة كأس العالم 2022 فى المواعيد المتفق عليها، قد يلجأ “الفيفا” لسحب تنظيم البطولة من الدولة الخليجية.

ربما يعجبك أيضا