بريق التكنولوجيا.. حقائق مفزعة تستبيح خصوصيتك وتنتهك أسرارك

كتبت – علياء عصام الدين

أحد اللحظات الأشد رعبًا في الحياة تلك التي يزاح فيها الستار عن أسرارك، وتستباح فيها خصوصيتك، وتنتهك بها تفاصيلك الصغيرة، تلك التفاصيل التي تحيا بها وتحافظ من خلالها على كونك بشر.

ضحكاتك الصبيانية، ممارساتك الشاذة، دردشاتك التي تخرج فيها عن النص، تلك التي تظهر فيها كما أنت دون مواربة بخيرك وشرك، مساحتك الخاصة التي تلتقط فيها أنفاسك وترتكب فيها أخطاءك الصغيرة.

تخيل لوهلة أنك أصبحت تسير عاريًا تمامًا أمام الملايين تشارك هذه اللحظات الدقيقة مع الملأ عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تصور كيف يمكن أن تعيش محافظًا قلقًا مراقبًا طيلة الوقت لأنك تحت المجهر.

ذا “سيركل”

تدور أحداث الفيلم الملهم من بطولة “توم هانكس” و”إيما واتسون” حول “ماي” وهي فتاة بسيطة تطمح في الحصول على عمل لتحسن ظروفها المادية وتقوم بمساعدة والدها المريض، تتمكن ماي عن طريق أحد الأصدقاء من الحصول على وظيفة في أكبر شركة تكنولوجية في العالم والتي تدعى “ذا سيركل”، وتقوم الشركة بالسيطرة على أهم مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث ومواقع عرض الفيديوهات.

تتمكن “ماي” في وقت قصير من كسب ثقة رؤسائها ويتم اختيارها من ضمن مجموعة من العاملين لتشارك في تجربة فريدة من نوعها وهي مشاركة حياتها مع الجميع.

تصبح “ماي” تحت أنظار الكاميرات طوال الوقت وفي كل مكان، للوهلة الأولى تبدو هذه الكاميرات مفيدة فهي تكافح الإرهاب بإمكانها التسهيل في القبض على المجرمين وتنقذ الأشخاص المعرضون للخطر كذلك مراقبة الأطفال وحمايتهم من الاختطاف.

في مقابل هذه المزايا تصبح هذه الكاميرات خانقة للحرية والخصوصية التي يحتاجها الفرد، فماي التي انجذبت بشدة لتلك الهتافات الرنانة بشأن المعرفة وكونها حق للجميع والأسرار وعلاقتها بالكذب تحاول أن تصبح أكثر شفافية بمشاركة لحظاتها مع الآخرين.

تأتي الصدمة عندما يتم استخدام هذه التكنولوجيات في غير موضعها وبشكل مكثف فهي تسلب أبسط حقوقنا في التمتع بحياة خاصة بعيدة عن الأنظار فقد تم كشف مرض والد “ماي” على الملأ حتى قرر أبواها أن لا يتواصلا معها للحفاظ على خصوصيتهم فخسرت أسرتها.

تقوم “ماي” أيضًا بالبحث عن صديقها القديم وتستطيع من خلال كاميرات المراقبة المتطورة أن تصل إليه بسهولة لكنه يفزع من الملاحقة وينطلق بسيارته سريعًا حتى يسقط من أعلى الجسر ويموت.

هكذا قتلت “ماي” صديقها بيدها، فقد أعماها بريق التكنولوجيا فزاغ بصرها حتى استفاقت على صدمة الخسارة الكبرى لكل ما هو جميل وحقيقي.

بصورة أبسط “سيركل” تمثل نتاج دمج شركة فيسبوك وجوجل في شركة واحدة كبرى على سبيل المثال فهل من الممكن أن تتخيل حجم المأساة؟

حقائق مفزعة

في أحد الأيام قامت إحدى شركات جمع المعلومات بتوفير خدمة بطاقات ائتمانية لبعض مستخدميها حيث يقومون بإتمام عمليات الشراء من خلالها وبعد تطبيق هذه السياسة بفترة والتي قد تبدو في غاية البساطة والتلقائية وصل بيت أحد المستخدمين بعض الأدوات الخاصة بالأطفال حديثي الولادة بيد أن المفاجأة كانت أن المنزل لا يحوي أي أطفال.

أبلغت الشركة المستلم أن هذه الأشياء هدايا من الشركة لابنتهم البالغ وهي الآن على وشك الولادة.

كانت هذه حقيقة مفزعة للعائلة فابنتهم غير متزوجة فكيف لها أن تنجب، عرفوا فيما بعد أن ابنتهم قد حملت من عشيقها دون علمهم.

ما حدث في الحقيقة أن الشركة كانت تجتهد لتسجل مشتريات كل مستخدم وتحدد الصفات المشتركة فيما بينها وعليه قاموا بربط المشتريات وبين الصفات، وبعد عمليات من تحليل البيانات لمشتريات تلك الفتاة علموا أنها حامل وأردوا مفاجأتها بتلك الهدية وليتهم ما فعلوا.

ربما تعتقد أن ما حدث للفتاة أمر طارئ أو محض صدفة أو ربما لأنك لا تستخدم خدمات كهذه لكن لا تطمئن تمامًا، الحقيقة أن كل عملية تقوم بالبحث عنها عبر جوجل تسجل عليك حتى وإن قمت بمسح التاريخ، كذلك كل عمليات الدردشة التي تقوم بها يتم تسجيلها حتى تلك المنشورات التي لم تضغط على زر النشر لإتمام نشرها يتم حفظها في فيسبوك.

إن كنت تجلس على الإنترنت لمدة ثمان ساعات على سبيل المثال فأنت تمنح تلك الشركات التي تتعامل معاها معلومات عن نفسك طيلة هذه المدة مع كل ضغطة زر وأنت لا تشعر.

القاعدة العامة التي تحكم خدمات الكمبيوتر مفادها إن لم تدفع من أجل السلعة فكن على يقين أن السلعة هي أنت.

قد تعتقد أنك مجرد فرد عادي لا تمثل تلك الأهمية التي قد تدفع أحدًا للاهتمام بك وبتفاصيلك وخصوصياتك ولكن ماذا لو وجدت فضائحك فجأة دون سابق إنذار وتم ابتزازك؟

قد تشعر أنك إنسان عادي ضمن ملايين المستخدمين حول العالم لكن أنت لا تعلم أنك منجم ذهب للشركات ووجودك على الشبكة في غاية الأهمية.

تحت المجهر

لقد عقدت التكنولوجيا الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي علاقة البشر بالخصوصية، وقامت بنسف المفاهيم القديمة حول أهمية هذه الكلمة دون رجعة، فمشاركة المعلومات والصور الشخصية والتطبيقات في مواقع التواصل لا يمكن ضمان أمنها أو عدم استغلال البيانات فيها لأغراض غير معلومة.

استخدام المدن للكاميرات -على سبيل المثال- في الأماكن العامة أحد وسائل المراقبة الجديدة المرعبة، فأنت مراقب والحجة أقوى من أن تواجه وهي ضمان الأمن ومكافحة الإرهاب وضبط المجرمين ولكن أين حقوقك أنت؟

التسجيلات والفيديوهات والصور وأدوات تحليل الخوارزميات من الوسائل الناجعة في التقليل من معدلات الجريمة بيد أنها أثبتت في مواقف شتى إخفاقها في فهم السلوك البشري وكسرت خصوصيات كثير من الأفراد بشكل سافر دون مبرر.

فكثير من محاولات اكتشاف تدبير الجرائم أو الهجمات الإرهابية ورصدها قبل وقوعها عبر متابعة ترديد كلمات معينة في مواقع التواصل باءت بالفشل واتضح أنها تعلقت في كثير من الأحيان بنكاتٍ أو موضوعات ساخرة لا تشكل تهديدًا جديًا .

كم من حريات انتهكت باسم الأمن، وكم من بيانات استغلت دون ضابط أو رابط، لقد أضحت حياتك الشخصية مفتوحة على مصراعيها فأنت كأنما تجلس في الشارع على مرأى ومسمع من الجميع.

تقول الأمم المتحدة، في تقرير خاص لها، إن المعلومات التي جمعت عن طريق المراقبة الرقمية استخدمتها الدول في استهداف المعارضين وهناك تقارير موثوقة حول استخدام التكنولوجيا الرقمية وجمع البيانات في تعذيب الأفراد وتهديدهم ورصدهم.

بقصد أو بدون قصد أنت مهدد وحياتك الشخصية على المحك، فمن المرجح أن يزيد تعدي الجهات الحكومية والأمنية عليك من خلال مواقع التواصل كاميرات المراقبة والفيديوهات.
أنه الدين الجديدة المنظومة المرعبة التي اجتهدنا في محاولة الوصول إليها حتى سقطنا بين أنيابها طوعًا وتلذذنا التهامها لأرواحنا وتصفيتها لمعانينا الإنسانية ونهشها في كل ما يتعلق بحياتنا الشخصية.

نحن لا ندرك حقًا إلى أي مدى يمكن استخدام بياناتنا الشخصية ستظل اللحظة التي تحول فيها كوكبنا على اتساعه إلى كرة ملتهبة من المعلومات والبيانات تتدفق في سماء الواقع الافتراضي اللامعقول باتجاه مستقبل مرعب لحظة فارقة في تاريخ الإنسانية بأكملها.

حقيقة لم تكن النظريات الفلسفية الكثيرة التي حذرت من رعب التكنولوجيا مجرد محاولات رجعية لوأد التقدم لقد كانت ناقوسًا للخطر ظل يدق مسامعنا دون فائدة إلى أن ركلناه لنرتمي في أحضان المجهول.

نحن في لحظة خلل كبرى فقد استطاعت التكنولوجيا أن تغوينا وتخطفنا فاختلط علينا الواقع بالخيال، وزاغت عقولنا انبهارًا بمجتمع الاستهلاك الذي استحوذ علينا تمامًا.

نحن نفقد أنفسنا ونعاني تخبطًا غير مسبوق، لم نتمكن من ردم تلك الفجوة بين ضمائرنا وعقولنا، فالعقل يقف الآن عاجزًا عن الإجابة على أسئلة “الضمير” ما دمنا تورطنا بقوة في “العقلانية” التي تحسب كل شيء بالورقة والقلم.

ربما يعجبك أيضا