استراتيجية “ترامب” في مواجهة تمدد إيران

يوسف بنده

رؤية

تحاول الولايات المتحدة الأميركية قطع الطريق أمام إيران التي تحاول استغلال الحرب ضد الإرهاب لمواصلة سياسة التوسع في المنطقة، وأعلنت واشنطن مؤخرا أنها ستنشر وثائق تكشف فيها علاقة طهران بتنظيم القاعدة وباقي التنظيمات المتطرفة. وتأتي الخطوة الأميركية لإقناع حلفائها الأوروبيين بخطورة التغاضي عن الأنشطة الإيرانية، خاصة وأن الغرب يرفض تهديدات الرئيس الأميركي بتراجعه عن الاتفاق النووي لجهة مصالح شركاء واشنطن الدوليين الاقتصادية مع الجانب الإيراني، ورغم الاتهامات تستعمل طهران الإرهاب كورقة ضغط حرصا على مصالحها، ما أثار استياء الداخل الإيراني بسبب سياسة خارجية كشف فيها التيار الراديكالي الحاكم أنه لا يقل خطورة عن التنظيمات المتطرفة.

وحسب تقرير محمد عباس ناجي، رئيس تحرير مجلة “مختارات إيرانية”، في صحيفة العرب: تتجه الولايات المتحدة نحو اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل الإستراتيجية الجديدة التي أعلنتها لمواجهة إيران في الآونة الأخيرة، وأشارت إلى أنها ستقوم بنشر وثائق تثبت علاقة طهران بتنظيم القاعدة، كما ألمحت إلى إمكانية تشكيل وحدات عسكرية لإرسالها إلى المنطقة بهدف تقديم مساعدات واستشارات في إطار التعامل مع التهديدات الإيرانية.

وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو خلال ندوة الأمن القومي التي نظمتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن الخميس الماضي إن “علاقة إيران والقاعدة سرية ومفتوحة.. ففي أوقات معينة عمل الإيرانيون مع القاعدة”، لافتا إلى أن “بعض الوثائق سوف تنشر قريبا”.

ورغم أن الحديث عن العلاقة بين إيران والقاعدة ليس جديدا، إلا أن الخطوة التي ستقدم عليها واشنطن تكتسب أهميتها من توقيتها، حيث تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف عبر فتح هذا الملف من جديد.

ويتمثل الهدف الأول في إضفاء وجاهة على السياسة الجديدة التي تتبناها الولايات المتحدة تجاه إيران، والتي لا تحصر خلافاتها معها في الاتفاق النووي وإنما تمدها أيضا إلى دعمها للإرهاب، وهى السياسة التي لم تحظ بتأييد واسع حتى الآن من جانب الشركاء الدوليين لواشنطن، الذين مازالوا يحاولون الفصل بين الاتفاق وبين الملفات الأخرى غير النووية ومن بينها العلاقة بين إيران والتنظيمات الإرهابية.

إقناع الحلفاء

تحاول واشنطن من خلال ذلك إقناع حلفائها بخطورة التغاضي عن أنشطة إيران غير النووية، في ظل حرصها على استغلال رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها قبل الوصول إلى الصفقة النووية وتحسن علاقاتها مع الدول الغربية للإمعان في تفعيل سياستها التي تسببت في تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة في الشرق الأوسط، ومنحت الفرصة للتنظيمات الإرهابية لتوسيع نطاق نفوذها في الدول التي تشهد تلك الأزمات.

والهدف الثاني، يتعلق بالرد على الادعاءات المستمرة التي تتبناها إيران وتقوم على أنها طرف رئيسي شارك في الحرب ضد الإرهاب، في كل من العراق وسوريا، وهى الادعاءات التي حرصت طهران على ترويجها بدرجة أكبر عقب تحرير مدينة الموصل في شمال العراق في يونيو الماضي، وسعت من خلالها إلى تبرير حضورها العسكري في مناطق الأزمات وتدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وفتح قنوات تواصل مع الدول الغربية المعنية بالحرب ضد الإرهاب.

وترمي إيران إلى دفع الدول الغربية لإجراء مفاوضات جديدة معها حول الملفات غير النووية، في ظل مخاوف غربية من تداعيات ظاهرة العائدين من مناطق الصراع، التي قد تفرض تهديدات على أمنها عقب انضمام بعض مواطنيها إلى تنظيمات إرهابية في المنطقة. وتجتهد إدارة ترامب عبر هذه الخطوات لقطع الطريق على طهران بسبب مساعي الأخيرة لاستثمار الحرب ضد الإرهاب بهدف الوصول إلى صفقة إقليمية جديدة مع الغرب.

أما الهدف الثالث، فيخص الاستعداد مبكرا لمرحلة ما بعد اضعاف نفوذ تنظيم داعش بعد تحرير الرقة السورية من قبضته واستعادة معظم المناطق التي كان يسيطر عليها في العراق.

التصدي لتحركات إيران

ترى إدارة ترامب أن هدفها الأهم بعد ذلك يكمن في مواجهة تحركات إيران والميليشيات الموالية لها على الأرض، بعد أن باتت تعتبر تلك التحركات تفرض تهديدات مباشرة لمصالحها وأمنها القومي.

ويمكن تفسير حرص الجنرال جوزيف فوتيل قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، في كلمة له أمام المجلس الوطني العربي- الأميركي بواشنطن، الأربعاء الماضي، على اتهام إيران بالسعي إلى بناء محور من طهران إلى بيروت، متعهدا بالعمل مع شركاء محليين للتصدي لما يوصف بـ”الدور الخبيث”، في إشارة إلى التشكيلات العسكرية التي تستعد واشنطن لتكوينها في إطار إستراتيجيتها الجديدة تجاه طهران. وأعادت الاتهامات الأميركية الأخيرة تسليط الضوء على العلاقة التي تربط إيران والتنظيمات الإرهابية والمسلحة المنتشرة في بعض دول المنطقة، فقد حرصت طهران دائما على الوصول إلى تفاهمات مع تلك التنظيمات لتحقيق أهدافها.

وعملت على منع تلك التنظيمات من استهداف أراضيها أو مصالحها، ومن هنا يمكن تفسير أسباب عدم تنفيذ تلك التنظيمات هجمات ضد إيران طوال السنوات الماضية، على الرغم من تواجدها بكثافة في دول محيطة بها على غرار أفغانستان والعراق وسوريا.

وحاولت طهران -عبر الإبقاء على بعض قيادات تنظيم القاعدة داخل أراضيها- امتلاك أوراق ضغط واستخدامها عند الحاجة، ومساومة القوى الأخرى المعنية بالحرب ضد الإرهاب، بما فيها الولايات المتحدة نفسها التي أبدت اهتماما بهذا الملف في عهد الرئيس السابق جورج بوش، قبل أن يتراجع الملف في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما نتيجة تعويل إدارته على إتمام الصفقة النووية مع إيران، دون النظر إلى مخاطر ذلك على الأمن والاستقرار الإقليمي.

كما أن إيران سعت عبر تأسيس علاقات قوية مع بعض التنظيمات مثل حركتى حماس والجهاد الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، إلى نفي الاتهامات التي توجهها إليها قوى عديدة بتبني سياسة طائفية تقوم على دعم التنظيمات والأطراف الشيعية الموجودة في المنطقة.

وانعكس ذلك في تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي تنفي الطابع الطائفي للسياسة الإيرانية، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي زعم أن بلاده “بعيدة كل البعد عن اتخاذ مواقف طائفية؛ لأنها وقفت إلى جانب المقاومة اللبنانية الشيعية مثلما ساندت المقاومة الفلسطينية السنية”.

هذه المزاعم لا تتفق مع المعطيات الموجودة على الأرض التي تكشف أن السياسة التي اتبعتها إيران كانت ذات طابع طائفي في المقام الأول، وكانت أحد أسباب تفاقم الأزمات الإقليمية المختلفة واتساع نطاق حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

وتدحض تصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين مزاعم خامنئي نفسه، مثل علي يونسي -مستشار الرئيس روحاني لشؤون الأقليات- الذي لفت إلى أن “إيران تحولت إلى إمبراطورية عاصمتها بغداد”، وحيدر مصلحي وزير الاستخبارات السابق الذي قال: إن “إيران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية”، في إشارة إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

وتعمدت إيران تطوير علاقاتها مع بعض خصومها السابقين مثل حركة طالبان، لحرصها على دعم نفوذها داخل أفغانستان وامتلاك أوراق ضغط في مواجهة الولايات المتحدة، لدرجة أن بعض التقارير أشارت إلى أن زعيم الحركة السابق الملا أختر منصور قتل في غارة شنتها طائرة أميركية من دون طيار بعد دخوله باكستان عائدا من إيران في 22 مايو 2016.

الواضح أن هذه التفاهمات يصعب أن تضمن مصالح إيران باستمرار، فمن الممكن أن تفرض في النهاية تداعيات عكسية عليها، مثلما حدث لقوى دولية عديدة، بما فيها الولايات المتحدة نفسها التي سبق أن دعمت جماعات إسلامية في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي السابق، قبل أن تنقلب عليها الأخيرة، وبدت نتائج ذلك واضحة في أحداث 11 سبتمبر 2001.

من هنا ظهرت اتجاهات داخلية إيرانية تبدي استياء من استنزاف النظام الإيراني لموارد الدولة في مغامرات خارجية لا جدوى منها، على غرار دعم تلك التنظيمات، بل إن هناك من بدأ يجاهر بضرورة التركيز على محاربة “دواعش” الداخل، في إشارة إلى التيارات الراديكالية التي تنتهج سياسات متشددة لا تقل خطورتها عن العمليات الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات متطرفة مختلفة، وهي السياسات التي منحت فرصة لهذه التنظيمات لتكريس نفوذها وتمددها في المنطقة.

ربما يعجبك أيضا