كِش مَلك.. هل تقولها النخبة الكردية لـ”عرّاب الانفصال”؟

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

رائحة البارود باتت لا تفارق سماء إقليم كردستان والمناطق المتاخمة له، ودرجة الحرارة رغم رياح الخريف لا زالت تتجاوز حد الغليان هناك إلى الشمال من العراق وعلى الحدود مع تركيا وسوريا، الكل متأهب لما سيحدث اليوم عقب تأجيل جلسة طارئة للبرلمان المحلي كان يفترض أن تعلن إقالة الرئيس مسعود بارزاني ونائبه وتفويض صلاحياتهما إلى البرلمان ومجلس الوزراء.

وفي حين أعلن رئيس اللجنة النيابية للشؤون المالية والاقتصادية في الإقليم عزت صابر صباح اليوم، أن البرلمان سيجتمع، لمناقشة تعليق ولاية رئيس الإقليم، والحيلولة دون الوصول إلى فراغ سياسي وقانوني، مؤكدا أن أعضاء المجلس يتجهون صوب تجميد صلاحيات بارزاني وتفويضها إلى البرلمان ومجلس الوزراء، في ضوء تأجيل الاستحقاق الانتخابي لمدة 8 أشهر مقبلة.

كشف حزب بارزاني “الحزب الديمقراطي” ظهر اليوم على لسان القيادي علي عوني، عن تأجيل جلسة البرلمان بهدف إجراء المزيد من الحوارات بين الأحزاب الكردستانية والأطراف الخارجية والداخلية للوصول  إلى حل للمأزق السياسي الذي يعصف بالإقليم، مبينا أن مسعود بارزاني لا يرغب في الاستمرار في منصبه بشكل غير قانوني، على الرغم من الضغوط “الكبيرة” التي تمارس عليه من أجل البقاء نظرا لحالة الحرب التي يعيشها الإقليم.

لكن القيادي بالجماعة الإسلامية الكردستانية شوان رابر توقع، أمس الأربعاء، أن تقوم الدول الكبرى بـ”إجبار” بارزاني على الاستقالة من منصبه، مبيناً أن الدول لا تتعامل مع البارزاني كما كانت تتعامل معه سابقاً، عازياً ذلك إلى رفضه لنصائحهم ووساطاتهم لنزع فتيل الأزمة بين بغداد وأربيل عبر تأجيل استفتاء الانفصال.

فيما دعا رئيس برلمان كردستان يوسف محمد الثلاثاء، مسعود بارزاني إلى التنحي عن السلطة، مؤكدا أنه بذلك سيقدم خدمة كبيرة لشعب كردستان عند استقالته من منصبه، وقال في كلمة متلفزة مخاطبا رئيس الإقليم “عليك الاعتراف بالفشل وترك شعبنا يقرر مصيره بنفسه وليس أن تحدده أنت بحسب رغباتك”، موضحًا أن شعب كردستان يعد أسيرا لنخبة سياسية تعمل للسيطرة على ثروات الوطن من أجل توسيع سلطتها، وتتاجر بتضحياته ودماء شهدائه.

احتدام الصراع

إلى ذلك تدور خلال هذه اللحظات معارك عنيفة بين مقاتلين أكراد وقوات عراقية على طول طريق أنبوب نفطي ضخم على الحدود مع تركيا، حيث انطلقت آليات تابعة للجيش العراقي صباح اليوم من منطقة زمار الغنية بالنفط الواقعة شمال غرب الموصل، واستعادت القرى الواقعة على طول الطريق المعبدة لسهل نينوى، وقامت بقصف مواقع البيشمركة شمال غرب الموصل، حيث تسعى بغداد إلى تأمين خط الأنابيب النفطي الواصل إلى ميناء جيهان التركي، بسيطرتها خصوصا على معبر فيشخابور الحدودي مع تركيا، والواقع على تخوم محافظة دهوك الخاضعة لسيطرة السلطات الكردستانية.

بالنسبة لتركيا فأكدت منذ اللحظة الأولى لاستفتاء كردستان الذي أجري في الـ25 من سبتمبر الماضي، رفضها للنتائج المؤيدة لانفصال الإقليم عن بغداد، بل وهددت باتخاذ إجراءات عقوبية ضد الإقليم، وقامت بإغلاق حدودها معه، فيما اتفقت مع الحكومة المركزية في بغداد على فتح معبر “فيشخابور”، الذى يربط تركيا بالموصل وصولا إلى بقية أجزاء العراق في غضون أقل من شهرين بعد فرض سيطرة القوات العراقية على مناطق شمال الموصل المحاذية لدهوك، على أن يتم غلق جميع منافذ المعبر مع إقليم كردستان.

وصباح اليوم أعلنت عزمها على فتح معبر جديد بين البلدين بالاتفاق مع حكومة العبادي، وذلك بمجرد الانتهاء من تأمين المرر وإنشاء البوابات الحدودية اللازمة، إذ من المقرر أن تكون هذه البوبات بالقرب من مدينة الموصل شمال العراق، في منطقة لا تزال مهددة من داعش ومسلحي حزب العمال الكردستاني.

وعلى طول الشريط الحدودي بين شمال العراق وإيران يوجد ثلاثة معابر، قامت السلطات الإيرانية بإغلاقها في الـ15 من أكتوبر الجاري ردا على استفتاء الانفصال، إلا أن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المتنفذ في منطقة السليمانية الحدودية أعرب أمس عن استعداده لتسليم إدراة المنافذ الحدودية مع طهران للحكومة المركزية.

هذا المشهد يرجح توقعات المراقبين بأن ينتهي التصعيد الراهن في المناطق الحدودية الغنية بالنفط بذات السيناريو الذي حدث في كركوك الأسبوع الماضي، عندما انسحبت قوات البيشمركة من مواقعها لصالح تقدم القوات العراقية، في خطوة اعتبرها بارزاني “خيانة” من حزب الاتحاد الوطني، الذي اصدر أوامره أولا بالانسحاب ثم تبع ذلك انسحاب البيشمركة المحسوبة على حزب بارزاني نفسه من مواقع أخرى مثل بعشيقة وسنجار.

مبادرة جديدة ولكن

يبدو أن بارزاني “عراب الانفصال” بات في موقف لا يحسد عليه، بعد مغامرته غير المحسوبة والتي خسر في سبيلها الجميع بما فيهم الأصدقاء والحلفاء، فحتى مبادرة تجميد نتائج الاستفتاء وفتح حوار مع بغداد تحت سقف الدستور العراقي، قابلها العبادي أمس بالرفض التام مشترطا إلغاء نتائج الاستفتاء كقاعدة لأي حوار مستقبلي مع سلطات الإقليم.

هذا على الرغم من الترحيب الإقليمي والدولي بهذه المبادرة، التي جاءت بحسب بيان للخارجية الفرنسية عقب مكالة هاتفية بين بارزاني وماكرون، لذا دعمتها باريس ووصفتها بأنها بادرة إيجابية، داعية جميع الأطراف إلى اعتماد لغة الحوار وضبط النفس للخروج من الأزمة والحفاظ على وحدة العراق.

إلى ذلك دعا بيان مشترك صدر اليوم عن رئيس الكونجرس بول رايان، ورئيس لجنة الاستخبارات ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة القوات المسلحة، حكومة بغداد إلى قبول عرض كردستان والدخول في مناقشات هادفة تعالج مخاوف أربيل المستمرة حول الحكم الذاتي، وحصة الإقليم من الميزانية الوطنية وعائدات النفط، موضحا  أن الاشتباكات المستمرة بين القوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة تقوض المكاسب في الحرب ضد داعش، وتهدد بعودة العراق إلى موجة جديدة من العنف الطائفي، ما يجعل بغداد أمام مسؤولية حقيقة من أجل وقف إراقة الدماء.

يرى بعض المراقبين أن المخرج الوحيد أمام بارزاني من هذا المأزق، هو الاستقالة وربما اعتزال العمل السياسي، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذ تتطلب المرحلة وجه جديد للتفاوض مع بغداد على مزيد من الحكم الذاتي والصلاحيات الاقتصادية، تحديدا تلك المتعلقة بعقدة الأمر “النفط”، والواقع أن بارزاني تأخر في هذه الخطورة كثيرا على أمل تحقيق الحلم القديم “دولة الأكراد المستقلة” والتحول إلى إيقونة تاريخية على غرار مانديلا، لكن الأمر مختلف وكذلك الوقت والأهم الموقع الاستراتيجي للإقليم المرتبط بدولة باتت ساحة للاعبين الكبار في الشرق الأوسط ولا يمكن لقطع الشطرنج على رقعتها من التحرك بحرية تامة أو تجاهل أرشادات اللاعبين الكبار، أما التحرك كوزير أو قلعة أو حصان فهو أمر وارد بحكم اللعبة السياسية.

ربما يعجبك أيضا