“ميت رهينة”.. عاصمة مصر الملعونة

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر
القاهرة – على بعد 19 كيلو متر جنوب العاصمة المصرية وتحديدا في محافظة الجيزة وجدت عاصمة مصر القديمة، والتي تعتبر من أعظم عواصم مصر القديمة، وارتبطت نشأتها بالوحدة بين دلتا النيل والصعيد، إنها مدينة منف أو قرية “ميت رهينة” حاليا.

القرية المصرية الصغيرة والتي بقيت شاهدة على أحد أهم العصور المصرية القديمة، واستمرت حوالي 5 قرون مدينة مصر الأولى بدأت في مشهدها الآن واحدة من أهم مناطق الإتجار بالآثار، إضافة إلى ما تعانيه من إهمال شديد فيما أبت أرضها أن تفرط فيها.

“موقع منف”

في عام 3200 قبل الميلاد أسست مدينة “منف” (ميت رهينة) حاليا، لتكون عاصمة مصر في عصر الدولة القديمة، وتعد منف من أشهر المدن في مصر القديمة، وعرفت في النصوص بعدد من الأسماء “إنب حدج” بمعنى الجدار الأبيض، و”من نفر” بمعنى الأثر الجميل، و”مخت تاوي” بمعنى ميزان الأرضين، وهو الاسم الذي حرفه الإغريق فصار “ممفيس”، ثم أطلق عليها العرب “منف”.

وتقع عاصمة مصر القديمة على بعد حوالي 19 كيلو متر جنوب العاصمة المصرية الحالية “القاهرة” وتحديدا في محافظة الجيزة، على الضفة الغربية لنهر النيل، وتعد علامة على الحدود بين مصر العليا والسفلى.

وتميزت “منف” بسبب موقعها الجغرافي بين أقاليم الشمال والجنوب، إضافة إلى أهميتها الدينية حيث كانت تضم على أرضها عبادة الإله بتاح، والمعبود سوكر، كما انطلقت منها أحد مذاهب الخلق في مصر القديمة الذي عرف بمذهب “منف”.

وكانت “من نفر” تضم القاعدة العسكرية التي ينطلق منها الجيش المصري، ويذكر عندما دخل الإسكندر مصر نُصّب فيها ملكًا، وضعفت العاصمة التي استمرت حتى نهاية الدولة القديمة من عصر الانتقال الأول.

“عاصمة مصر”

في ابتداء عصر الأسرة الثالثة سنة 2895 قبل الميلاد كان لمدينة القلعة البيضاء، جاذبية خاصة جعلت ملوك هذه الأسرة يهجرون الصعيد ويقيمون بها، لقربها من مدينة “أون” العاصمة الدينية للملكة البحرية ومركز الثقافة والجامعات المدنية التي كان يشع منها نور العرفان علي البلاد جميعها.

وبعد تحقيق الوحدة بين مملكة الشمال ومملكة الجنوب على يد موحد القطرين الملك مينا والذي اختار منف عاصمة لمملكته، وأمر ببناء قلعة حربية محاطة بسور أبيض، ليحصن نصره ويحمى ظهره من غارات أصحاب الشمال، وأسماها “نفر” أى الميناء الجميل، ظلت منف عاصمة القطر المصري السياسية حتي نهاية حكم الأسرة الثامنة لمدة 535 سنة.

واحتفظت منف بقيمتها التاريخية، حتى أنه تم  تحويل مجري النيل لإفساح المكان لجلالها، كما أنها لعبت دورا سياسيا ودينيا واقتصاديا هاما، فمنها خرجت إحدى نظريات خلق الكون لدى المصريين القدماح “بتاح”.

“آثار من نفر”

حوت منطقة “ميت رهينة” العديد من الآثار المصرية والتي تم ضمها إلى مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، أبرزها تمثال رمسيس الثاني والذي يزن حوالي 100 طن ويصل طوله إلى 11 مترا، وتمثال أبو الهول المرمري من عصر الدولة القديمة والذي يصل طول إلى ثمانية أمتار ويزن حوالي 80 طنا.

وتضم المنطقة معبد تحنيط العجل “أبيس” المقدس والذي اعتبر رمز للإله “بتاح” رب سقارة، وأنه ابن “أوزيريس” فى بعض الأحيان، إضافة إلى معبد رمسيس الثاني ومعبد الإله “بتاح” ومعبد الإلهة حاتحور ومقصورة “تي الأولى” وثالوث ممفيس، وهرم زوسر أو “سقارة والذي يقع غرب مدينة “منف”.

“لعنة ميت رهينة”

ويبدو أن عاصمة مصر القديمة، حلت عليها “لعنة الفراعنة” فبعد أن كانت أهم مدينة تحولت إلى أكوام من القمامة وبرك من المياه، علاوة على انتشار الحمير والبقر والأغنام في وديانها ومرتفاعاته، لتختفى أثارها بلا رجعة ولم يبقى منها سوى أحجار  وتماثيل منثورة و3 تماثيل بمتحف “ميت رهينة” المفتوح.  

وألقى المسئولون الكثير من الوعود والخطط، بشأن تطوير المنطقة لأهميتها حضاريًا ولكنها جميعًا كانت دون جدوي، فالأهالي يستغيثون ليس لإهمال الآثار بل لإنقاذهم بعد أن أصبحت الأمراض والفقر هما أهم معالم القرية، حتى أن مياه الصرف الصحي تطفح على شوارعها، وأكوام القمامة تحيط بجبالها ووديانها.

وشهدت “منف” منذ ثورة 25 يناير سرقة الآلاف من القطع الأثرية، كما خربت معابدها في ظل إهمال وزارة الآثار المصرية للمنطقة، كما اختفت 238 قطعة أثرية من مخزن منطقة “ميت رهينة”.

ربما يعجبك أيضا