رؤية مصر (2) .. كيف تتحول الجامعات إلى مراكز تخطيط إقليمي؟

هيثم البشلاوي

هيثم البشلاوي

  تناولنا في الطرح السابق أربعة برامج بحثية مستهدفة من مقترح إنشاء مراكز تخطيط إقليمي بالجامعات المصرية.. وسنكمل في هذا الجزء حزمة جديدة من البرامج البحثية المقترحة في محاولة لصياغة تصور أولي لامتلاك مصر أكبر شبكة علمية من بيوت الخبرة المتخصصة من خلال التخصصات العلمية القائمة بالجامعات. 

توصيف مقترح مراكز التخطيط الإقليمي بالجامعات:
في البداية وقبل الخوض في استكمال الطرح السابق يجب إعادة الإشارة إلى توصيف مقترح مركز التخطيط الإقليمي الذي يشترط ضرورة إعادة النظر في هيكلية الجامعات المصرية من حيث التخصصات والمهام بما يتيح استحداث تخصصات علمية جديدة وتغيير المناهج ومسميات بعض الكليات وفصل أقسام داخل الكلية الواحدة لكليات منفصلة وإتاحة تأسيس الجامعات والأكاديميات المتخصصة؛ ومنح الجامعات حق تشكيل مجلس أمناء لها بمعايير وشروط محددة ليكون هذا التطوير مقدمة لإنشاء مركز للتخطيط الإقليمي في كل جامعة بلائحة موحدة وجدول زمني ملزم التنفيذ.

 وتعمل تلك المراكز بقدر كبير من الاستقلالية  في طرح رؤيتها بما لا يتعارض مع تكليفات المخطط القومي الشامل للدولة؛ ويتكون المقترح من مجموعة برامج بحثية متخصصة سيتم استعراضها بالتتابع بما يحقق بنية تحتية علمية لمصر تمكنها من الخروج بمشروع قومي قائم على تخطيط إقليمي دقيق ومتكامل؛ ونكمل مقترح تلك البرامج كالتالي:

1- برنامج التعليم المستمر:
  تقوم على البرنامج كليات تربية في الجامعات بمختلف أقسامها  ونقترح أن تتحول كليات تربية إلى كلية دراسات عليا فقط  تمنح من خلالها دبلومات تربوية لخريجين الكليات ذات التخصص العلمي المطلوب (كلية العلوم – الآداب – الفنون الجميلة.. إلخ ) وذلك بعد استيفاء بعض الاختبارات شاملة القدرات العلمية والهيئة العامة ونستهدف من ذلك وقف عجلة البطالة لخريجين الكلية الجدد وربط مهنة التدريس بالتخصص العلمي الأصيل دون تداخل وتكرار في التخصصات بين كلية تربية والكليات الأخرى. وبهذا يقتصر دور كلية تربية على مهمتها الأساسية في إعداد تلك التخصصات لمهنة التدريس؛ ويشترط هذا البرنامج وجود خطة قومية للتعليم تتضمن تطوير المناهج وتأهيل المعلمين.

وبهذا تعمل أقسام كليات تربية بالتعاون مع الكليات العلمية ذات التخصص العلمي لكل منهج على إعداد مسودات المناهج لمختلف مستويات التعليم الأساسي والثانوي.

وترفع جميعها لوزارة التربية والتعليم لينظر فيها من خلال لجنة من الخبراء في إعداد المناهج لانتقاء أفضل المقترحات ودمجها في مناهج جديدة.

ثم يعمل البرنامج على تحضير محتوى الدورات العامة والمتخصصة للمعلمين ويتم إقرارها بنفس طريقة إقرار المناهج لترسل المقرر النهائي لكل كليات تربية لتنفيذ الدورات التدريبية للمعلمين باستخدام طرق التدريس الحديثة المستخدمة في شرح المناهج. وذلك بالتعميم على مستوى الجمهورية وفقا لإطار محددات الخطة القومية للتعليم.

ويقترح أن تنفذ الدورات التدريبة خلال الإجازة الصيفية وذلك بإلزام السادة المعلمين بالحضور إلى مقر كلية تربية التابع لها إقليما وذلك تحت إشراف وزارة التربية والتعليم ويتم خلال البرنامج تدريب المعلمين على الانضباط المرن والتواصل الفعال مع الطلبة.

2- برنامج البحوث الطبية:
يعمل البرنامج المقترح في إطار مشترك بين  كليات (الطب – الصيدلة – الهندسة الطبية) وذلك بالتنسيق مع وزارة الصحة ويستهدف البرنامج المقترح إعداد بحوث حول التكنولوجيا الطبية واستحداث عقاقير مصرية ويعتمد البرنامج على فكرة التخصص الدقيق. فمثلا: يتم تخصيص برنامج البحوث الطبية لجامعة المنصورة بأمراض الكلى وهو ما تتميز به مستشفيات المنصورة وبهذا يكون دعم برنامج البحوث في نفس اتجاه تميز الخدمة الطبية بما يحقق التكامل والتطوير والاستدامة للخدمة وبالقياس يتم تخصيص برنامج البحوث الطبية بجامعة أسوان في أمراض القلب وتحويل أسوان لعاصمة طبية لأمراض القلب. ويشترط لتفعيل هذا الطرح وجود مخطط قومي لتحسين الصحة العامة الذي سيعمل البرنامج في إطاره.

3- برنامج البحوث البيئية:
يتضمن هذا المقترح  تعاون مشترك بين وزارة البيئة وقسم علوم البيئة بكلية العلوم، ونقترح فصل هذا القسم عن كلية العلوم ليصبح كلية منفصلة وذلك لاستيعاب تشعب علوم البيئة لتخصصات دقيقة تهتم بدراسة الظواهر الطبيعية المختلفة. ويتم قبول الطلبة بنظام الاحتياج السنوي لوزارة البيئة وهذا المقترح لا يتطلب التعميم على كافة الجامعات لتكاليفه الضخمة بل يكفي توزيعه إقليميا لتقوم جامعة واحدة بهذا الدور في كل إقليم بيئي. هذا ويعمل البرنامج  كمرصد للظواهر الطبيعية السائدة في الأقاليم المختلفة (التصحر- التلوث بأنواعه – تآكل الشواطئ – الأرصاد الجوية – السيول.. إلخ)، ويصدر عن البرنامج تقرير سنوي يشمل مسوحا بيئية للإقليم مجدولة إحصائيا بالنسب ليتم من خلالها تحديد نقاط الخلل البيئي وطرح خطط عاجلة لاتخاذ التدابير اللازمة على مستوى الإقليم لتجنب الكوارث الطبيعية المحتملة.

ختاما: ربما تبدو تلك البرامج في مجملها طموحة إلى حد الخيال؛ ولكن واقع المقترح أنه قائم على مقومات بشرية وإمكانيات مادية تمتلكها مصر فعليا؛ تحتاج فقط أن تعمل ضمن إطار مخطط قومي لتحقيق التنمية المستدامة بمعدلات متوازنة للأقاليم بما يحقق في النهاية تكامل رؤية مصر المستقبلية… يتبع

ربما يعجبك أيضا