باحتفالية استفزازية.. بريطانيا تحتفي بحرمان شعب من أرضه

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

“وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، ورغم ذلك سعت بريطانيا التي لا تملك حق الوصاية على فلسطين للاحتفاء بمئوية “وعد بلفور” الذي منحته لليهود لإقامة وطن قومي لهم، بدلًا من تقديم الاعتذار عما سببه الوعد المشؤوم من انتهاكات ومجازر واحتلال للفلسطينيين، في خطوة استفزازية لمحاباة إسرائيل على حساب معاناة الفلسطينيين التي بدأت منذ 1917 وحتى الآن.

بعد مرور مائة عام على “وعد بلفور” الذي منح وطنًا للصهاينة على أرض فلسطين، قررت بريطانيا هذا العام على لسان رئيسة وزرائها تيريزا ماي الاحتفاء بمئوية بلفور بتنظيم احتفالية يشارك فيها قادة إسرائيل، لتستفز العرب والفلسطينيين الذين عانوا كثيرًا جراء انتهاكات الاحتلال الذي وجد شرعنة لنفسه بعد هذا الوعد المشؤوم.. سياسات بريطانية لاحقتها الإدانات والمساعي لمقاضاتها عما سببه هذا الخطأ التاريخي بحق الفلسطينيين… فهل تنجح الحملات والدعوات في إجبار الحكومة البريطانية على تقديم الاعتذار؟

وعد بلفور 1917

وعد بلفور هو الاسم الشائع الذي أُطلق على الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني آنذاك “جيمس آرثر بلفور” باسم الملك جورج الخامس، يوم 2 نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد أحد كبار زعماء الحركة الصهيونية والتي أقرت بإقامة وطن للصهاينة وغيرت بذلك مجرى التاريخ.

وجاء نص الرسالة كالتالي:
وزارة الخارجية
في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
“إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر”.
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر جيمس بلفور

استطاع الوعد المشؤوم وما تبعه منذ 1917 وحتى 1948 في تهيئة الأجواء لإقامة إسرائيل، بعد احتلال فلسطين وتقسيمه على أيدي المحتلين واغتصاب الأراضي وتشريد الفلسطينيين لتتوالى النكبات والمجازر وقصف الفلسطينييين بالقصف والقنابل تحت أعين المجتمع الدولي دون أن يحرك أحد ساكنًا.

حملات للاعتذار

ورغم مرور قرن من الزمان على الوعد الذي منحته بريطانيا لإسرائيل، كانت هناك مطالبات فلسطينية بتقديم بريطانيا اعتذار عن الوعد الذي منحته لليهود، وأن تعترف بمسؤوليتها وتصحح هذا الخطأ التاريخي.

وعلى إثرها، قررت القيادات العربية في إسرائيل تنظيم مظاهرة احتجاج على وعد بلفور أمام السفارة البريطانية في تل أبيب، والمشاركة في النشاطات الفلسطينية المتمثلة في إرسال عريضة بمناسبة مرور 100 عام على وعد بلفور تحمل توقيع 100 ألف فلسطيني، يحتجون فيها على هذا الوعد وتبعاته ويطالبون بريطانيا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.

ومن جانبه، طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العمومية الشهر الماضي، الحكومة البريطانية بإلغاء هذه الاحتفالية وتصحيح الخطأ التاريخي وتقديم الاعتذار وتقديم التعويضات والاعتراف بدولة فلسطين.

وفي 20 سبتمبر الماضي، أطلق المؤتمر الشعبي الفلسطيني بالتعاون مع مؤسسة “مؤتمر فلسطينيي أوروبا” حملة تحت اسم “مئوية مشروع استعماري” لكشف ممارسات الاحتلال وتوعية الفلسطينيين حول وعد بلفور، وذلك عبر وسم هاشتاج (#Balfour100) الذي يستخدمه الصهاينة، بحيث تكون حملة موجهة ضدهم.

ومن المقرر أن يتم التغريد على هذا الوسم مساء الأربعاء 1 نوفمبر 2017 بكل اللغات، كما سيتم تزويد الموقع بملف معلوماتي حول وعد بلفور وما يشكله لواقع فلسطين والفلسطينيين، لوقف الاحتفال الصهيوني وإلغاء الاحتفال بالمئوية.

استفزاز رسمي

ولكن تبقى سياسات النكبة مستمرة منذ بلفور وحتى عهد الحكومة البريطانية الحالية، متجاهلة كافة المطالب والحملات لوقف هذا الاحتفال وتقديم الاعتذار، بعد أن تفاخرت رئيس الوزراء البريطانية تيريزا في الجلسة الأسبوعية أمام مجلس العموم البريطاني، بدور بريطانيا في إقامة “دولة إسرائيل” .

وقالت: إننا “فخورون بالدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل، وسنحتفل بالتأكيد بالذكرى المئوية لوعد بلفور بكل فخر”.

وتابعت: “يجب أن ندرك أيضا الحساسيات التى يعانى منها بعض الناس بسبب وعد بلفور وندرك أن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به. وما زلنا ملتزمين بحل الدولتين فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين”.

ومع إصرارها على الاحتفال بمئوية بلفور، يفترض أن يصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى لندن في السابع من نوفمبر المقبل، للمشاركة في تلك الاحتفالات التي تبدأ بحفل عشاء يحضره نتنياهو وماي.

على الجانب الآخر، رفض زعيم حزب العمال البريطاني المعارض جيرمي كوربين، الاشتراك في تلك الاحتفالات التي ستقام لإحياء الذكرى، وهي خطوة ثمنها الفلسطينيون والعرب في أوروبا على أمل أن يصبح رئيسًا للوزراء في حال جرت أي انتخابات مقبلة.

إدانات وملاحقات

وفي غضون ذلك، هاجمت السلطة الفلسطينية وبقوة إصرار تيريزا ماي على إحياء الذكرى المئوية لوعد بلفور، ووصفته بـ “تكرارًا للجريمة السياسية الأكبر في التاريخ الإنساني، ومواصلة للخروج على كل التقاليد الدبلوماسية”.

كما أعلن وزير شؤون الخارجية والمغتربين في السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، أن السلطة ستقاضي بريطانيا على خلفية عزمها إحياء مئوية وعد بلفور، قائلًا: “وكأن هذا الوعد ما زال قائماً بنفس النهج والتفكير والعقلية، وكأننا أيضا نقف أمام بريطانيا اليوم كامتداد للعقلية البريطانية الاستعمارية العنصرية”.

بدورها، حذرت حركة فتح من أن موقف ماي سيجعل بريطانيا تدفع الثمن غالياً من سمعتها وصورتها، وسيؤسس لعزلها أمام المجتمع الدولي والمنطقة كلها، وطالبتها بالتراجع عن تصريحاتها المشرعنة للاحتلال ودعم إقامة دولة فلسطين والسعي لإلزام الاحتلال ومحاسبته على انتهاكاته.

ومن المقرر، أن تبدأ السلطة الفلسطينية حملة خلال الأيام القادمة تشمل احتجاجات في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل، والتظاهر بشكل أكبر في لندن يوم 1 نوفمبر، على أن تتوج الفعالية المركزية في الثاني من نوفمبر لإيصال رسالة للمجتمع الدولي بضرورة العمل على رفع الظلم التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني وإنصافه.

وفي خطوة تصعيدية جديدة ضد الحكومة البريطانية، قرر نشطاء بريطانيون إطلاق حملة شعبية لجمع 100 ألف توقيع لإجبار مجلس العموم البريطاني على مناقشة الطلب الفلسطيني للحكومة بالاعتذار رسميًا على إصدار “وعد بلفور” عام 1917 وما ترتب عليه من آثار كارثية عانى منها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.

لوهلة، تبدو سياسات تيريزا ماي شبيهة بسياسات الإمبراطورية البريطانية، مع فارق واحد أن بريطانيا لم تعد إمبراطورية، ولوهلة أخرى، تبدو بريطانيا ساعية لاستجداء رضا إسرائيل للحصول على التأييد الأمريكي، ولكن تلك السياسات لن تنفع “ماي” في حل مشكلاتها داخل حزبها وقلقها من إطاحتها بحسب المحللين.

ويمكن القول أن الدول لا تعتذر أو تغير من سياستها برضاها، وذلك عندما يصبح كلفة عدم الاعتذار أكبر بكثير من الاعتذار، وربما تنجح الدعاوى القضائية وتصعيد حملات المقاطعة لإسرائيل وشن حملات دبلوماسية وسياسية وقانونية وحقوقية، إلى جانب التواصل والتنسيق مع الوسط السياسي البريطاني المؤيد لتلك المساعي، وخصوصًا زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن الذي اعتذر وأعرب عن حزنه لما تعرض له الفلسطينيون جراء هذا الوعد.. في إحداث تغييرًا مفصليًا في تاريخ الإنسانية.

ربما يعجبك أيضا