الاستيطان يخنق حلم الدولة

محمود

كتب – محمد عبد الكريم
 
القدس المحتلة – تتفشى الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة كخلايا السرطان، لتقتل حلم الفلسطينيين بدولة مجتزأة على 20% فقط من فلسطين التاريخية، الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأمس، للقول لأعضاء من الكنيست “برلمان الاحتلال الإسرائيلي” ليأتي نتنياهو “رئيس حكومة الاحتلال” ويتسلم مفاتيح المقاطعة “مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله”.
 
تصريحات عباس التي قال فيها أيضا “إن نتنياهو وحكومته لا يريدون حل الدولتين وأنهم يدمرون عملية السلام، فنتنياهو يعتقد بأنني سأبقى هنا لأحافظ على الاحتلال”، حنق وغبن من الرئيس الفلسطيني في وقت تتسارع فيه مخططات الاستيطان بالضفة الغربية بشكل هستيري، لإقامة دولة ليس للفلسطينيين وإنما للمستوطنين.
 
فبالنظر إلى عام 2017 (الأعلى وتيرة في التوسع الاستيطاني منذ 17 عاما بحسب أفيغدور ليبرمان، والعام الذي صودق خلاله ايضا على وحدات استيطانية أكثر مما صودق عليه في السنوات الـ10 الأخيرة بحسب ما يسمي بـنائب وزير “الأمن الإسرائيلي” إيلي دهان)، أرقام تعكس نوايا مستقبلية جهر بها وزير جيش الاحتلال السابق موشيه يعلون قبل أيام بتأكيده على “ضرورة استعمار مليون أو حتى مليوني مستوطن جديد أراضي الضفة”، فما هو الأساس الذي سرقت عليه الأرض وتفشت خلاله الوحدات الاستيطانية كالسرطان.
 
وفي فسيفساء الاستيطان الهادف لضم الضفة وتقطيع أوصال الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، إلى 4 أقاليم (قطاع غزة، جنوب الضفة، وسط الضفة، شمال الضفة)، يشكل قرار ضم 4 قرى غرب مدينة رام الله هي: بيت سيرا، وبيت لقيا، وخربثا المصباح، والطيرة، لضواحي القدس قطعة أخرى في رسم حزام استيطاني يفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها، كما هو الحال مع مستوطنة “عيمحاي” التي بدء العمل بها لتعزيز الشريط الاستيطاني الفاصل لشمال الضفة عن وسطها.
 
وفي سبيل تعزيز الشريطين الاستيطانيين والوصول إلى مليون مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، تأتي الخطة الاستيطانية الجديدة، من شأنها أن تنهب مساحات واسعة من الضفة الغربية، لإسكان 340 ألف مستوطن من خلال بناء 67 ألف وحدة استيطانية جديدة، الخطة التي أعدّت من قبل مجلس مستوطنات الضفة بالتعاون مع وزير الإسكان يؤاف غالنت.
 
مشهد تهويدي تأكد في خطاب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي قال فيه، إن “الضفة جزء من إسرائيل وإن حل الدولتين لشعبين طريقه مسدود”، أقوال جاءت خلال كلمة مسجلة لنتنياهو بثت خلال بحث أعضاء حزب “الاتحاد القومي الإسرائيلي” المتطرف، خطة لتهجير الفلسطينيين من داخل وخارج الخط الأخضر مقابل تعويضات مالية، بحسب ما جاء على موقع صحيفة (هآرتس) العبرية.
 
يضاف إليه عودة الخطط الصهيونية بقوة إلى الحديث عن “الحكم الذاتي” للفلسطينيين، وهو ما تجسد في مشروع الليكودي المتطرف يواف كيش، الذي نادى بالحاق فلسطيني عام 48 والمقدسيين وسكان الضفة الغربية إلى مرجعية الحكم العسكري، بحيث يصبح الفلسطيني باستثناء قطاع غزة المعزول، مجرد مقيم في دولة يهودية على كامل فلسطين التاريخية.
 
ويقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف: ما جرى من قرار ضم القرى الأربع هو الملاصقة للخط الأخضر، وهو أشبه بوضع اللمسات الأخيرة على شريط استيطاني بعرض 40 كم يمتد من بيت سيرا غربا الملاصقة للخط الأخضر، مرورا بمستوطنات القدس، وتجمع غوش عتصيون الاستيطاني وحتى مستوطنة “فيرد يريحو” باتجاه البحر الميت، وبذلك يتحقق فصل جنوب الضفة (الخليل وبيت لحم والقدس) عن وسطها (رام الله والبيرة وبعض قرى وبلدات محافظة القدس).
 
ويضيف: وهذا يتطابق أيضا مع مخطط 20/30 ومخطط 20/40 ومخطط (الجُدُر) الذي يقضي بإقامة جدران داخل “الكانتون” الجنوبي في القرى والبلدات في محافظة القدس المحتلة لعزل واخراج 180 ألف مقدسي يقطنون شعفاط، وكفر عقب…الخ، وضم 180 ألف مستوطن من المستوطنات التي تحيط بالقدس المحتلة “معالي أدوميم” و…الخ، لتغيير التركيبة السكانية بالقدس.
 
ويتابع عساف: إن الحزام الاستيطاني الذي يعزل شمال الضفة عن وسطها؛ ظهرت ملامحه ببدء بناء مستوطنة “عميحاي” التي تتوسط تجمع مستوطنات (شيلو، عيلي، جالود..) ويمتد من مستوطنة جالود ليرتبط شرقا بمستوطنات الأغوار الشمالية، وليرتبط كرأس مثلث غربًا عند حاجز زعترة جنوبي نابلس مع مستوطنة “إرائيل” الملاصقة لكفر قاسم عن الخط الأخضر.
 
ويقول رئيس قسم الجغرافيا في جامعة بيرزيت د.عبد الله عبد الله، “حقيقة الوضع هو ان مخطط جهنمي خطير، وضم فعلي للضفة دون الاعلان عن ذلك بشكل قانوني رسمي، وقضاء على حل الدولتين، فالقدس الكبرى التي ترتبط بمستوطنات الأغوار وبمنطقة البحر الميت قد اكملت تمزيق جنوب الضفة عن وسطها وبضم القرى الأربع غرب رام الله اليها، ليصبح هذ الشريط الاستيطاني متصلا بمستوطنة “موديعين” على الخط الاخضر، اضافة الى ضم مستوطنات تحيط ببلدة نعلين “كريات سيفر” و”حشمونئيم”، امتدادا حتى “تل ابيب” والساحل.
 
ويضيف عبد الله “في الجهة المقابلة أيضا فإن مستوطنات الأغوار الشمالية سترتبط مع البؤر الاستيطانية والمستوطنات “جالود”، و”شيلو” في منطقة شمال رام الله شرق سلفيت وجنوب نابلس، التي أقيمت مستوطنة “عميحاي” لإتمام هذا الشريط الاستيطاني وصولا إلى مستوطنة إرائيل الملاصقة لكفر قاسم عند الخط الأخضر”.
 
بدوره، يقول خبير الخرائط والاستيطان خليل التفكجي، إن قرار ضم القرى الأربع إلى القدس هو رسالة سياسية خطيرة من الاحتلال الإسرائيلي مفادها “إننا من يحكم ويقرر كأدارة مدنية”، إما على الأرض فهذا يعني أن شارع 443 الممتد من تل أبيب-القدس هو منطقة يحرم دخول الفلسطينيين عليها، وذلك إلغاء لقرارات العليا الإسرائيلية بفتح هذا الشارع لمواطني غرب رام الله خاصة بيت سيرا لاستخدام الشارع.
 
ويضيف التفكجي، هذا أيضا يعني ترسيما للحدود بضم المنطقة الواقعة جنوب شارع 443، وشق سكك حديدية في كامل منطقة اللطرون، وفرض حماية كاملة لشارع 443 الذي يشق الضفة الغربية.
 
ومع تضاعف الاستيطان إلى ما يصل 600% منذ 1993، تشير أرقام إسرائيلية إلى التسارع الاستيطان أخذ بالتغول أكثر فاكثر، إذ يشير مركز الإحصاء الإسرائيلي إلى أن الاستيطان في الضفة الغربية ارتفع 40% خلال العام 2016 مقارنة مع العام 2015، فيما ارتفع حجم الاستيطان ارتفاعا حاداً بنسبة 85% مقارنة بجميع الوحدات الاستيطانية المصادق عليها خلال عام 2016، بحسب ما قاله أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات.
 
ويشير مركز الحوراني للدراسات أيضا، إلى أن ارتفاعا حادا طرأ على مصادرة الأراضي، بلغ (127%) مقارنة مع العام الماضي، وتركزت المشاريع الاستيطانية الجديدة في مدينة القدس بنسبة 70% من عدد الوحدات الجديدة، بهدف تغيير طابعها الإسلامي المسيحي العربي وتهويدها، عدا عن سياسات هدم المنازل والممتلكات التي وصلت في الفترة ما بين 1988 و2014 أكثر من 14 ألف أمر هدم، فيما يشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ‘أوتشا’ بمدينة القدس المحتلة، الى أن الاحتلال هدم في العام 2015 ما مجموعه 417 مبنى، لتزداد هذه النسبة بحسب رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف إلى نحو 400% في عام 2016.
 
ويتوزع قرابة 650 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة على 174 مستعمرة، و107 بؤرات استيطانية، إلى جانب إقامة 93 موقعًا عسكريًا، و21 موقعًا خدماتيًا، و25 منطقة صناعية على أراضي محتلة في الضفة الغربية التي يقطعها جدار ضم وتوسع يبلغ طوله المقترح 715 كم وبعرض 22 كم.
 

ربما يعجبك أيضا