132 عامًا من الاستعمار.. والجزائريون يلهثون وراء فرنسا

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في مشهد يعكس واقع ما يعيشه الجزائريون اليوم، يسعى الآلاف طلبًا للهجرة إلى فرنسا بعد 132 عامًا من الاحتلال، والتي كانت كافية للدفع بتبعية الجزائر من حيث الشراكة واللغة والمؤسسات وحتى أحلام الجزائريين الذي يسعون اليوم إلى تحقيقها عبر البوابة الفرنسية، التي قُتل بسببها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد لطردها.. وها هي تعود للواجهة عبر تهميش السلطات الجزائرية لأحلام شعوبها منذ استقلالها وحتى اليوم.

نزفت دمًا طردًا للمحتل

في مثل هذا اليوم 1 نوفمبر 1954، اندلعت ثورة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي الذي احتل البلاد سنة 1830، ثورة دامت فيها المعارك  طيلة 7 سنوات ونصف من الكفاح المسلح والعمل السياسي وانتهت بإعلان استقلال الجزائر في 1962، بعد أن استشهد فيها أكثر من مليون ونصف مليون جزائري مسطرة واحدة من أعظم ما شهد التاريخ من ثورات.

ومن المصادفة الغريبة، أن القوات الفرنسية انسحبت في 5 يوليو 1962، وهو نفس يوم دخول الاستعمار الفرنسي 5 يوليو 1830 ، أي بعد 132 عامًا من الاستعمار، كما انسحبت هذه القوات من نفس المكان الذي دخلت منه إلى الجزائر في منطقة “سيدي فرج” القريبة من الجزائر العاصمة، وتمّ في هذا اليوم تعيين السيد أحمد بن بيللا كأول رئيس لجمهورية الجزائر المستقلة بعد خروجه من السجون الفرنسية مع عدد من قادة الثورة وكوادرها.

يعود الفضل في نجاح الثورة الجزائرية إلى وضوح أهداف القائمين بها والتضحيات الشعبية الهائلة التي قدمها الشعب الجزائري، الذي استطاع أن يعبيء كل طاقاته لتحقيق الانتصار، فضلًا عن الأساليب المبتكرة التي لجأ إليها الثوار لتوجيه ضربات أليمة لجيش يفوقهم عددًا وعُدة.

وبرغم من قدسية وأهمية هذه الثورة التي نزف أبنائها دمًا من أجل طرد المستعمر الفرنسي، إلا أن ذكراها باتت مفروغة من محتواها وباتت مقتصرة على كلمة تلقيها السلطات وانتقادات من قبل خصومها، فلم تعد أكثر من يوم راحة مدفوع الأجر بسبب زيف الوعود التي قدمها قادة الجزائر ولم تتحقق حتى الآن.. ولكن لا تزال جرائم ومجازر المحتل الفرنسي في عقول الجزائريون يتذكرونها من وقت لأخر حتى تم تدشين هاشتاج للتذكير بها تحت وسم #أنا_مانسيتش.

حلم الهجرة لفرنسا

جرائم ومجازر وانتهاكات واحتلال لم ينساها الجزائريون ولكنها لم تردعهم عن حلم السفر إلى فرنسا، ما دفع الآلاف من الطلاب الجامعيين للتدفق أمام المركز الثقافي الفرنسي خلال اليومين الماضيين، من أجل إتقان اللغة الفرنسية والحصول على فرصة للهجرة إلى فرنسا لاستكمال الدراسة والعيش بها.

مشهد تدفق الشباب الجزائري أثار الجدل أمام واقع العلاقة التي أصبحت تربط بين الوطن وأبنائه، وطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت بالجزائريين لترك بلادهم والهجرة نحو فرنسا.

يرى المحللون، أن دافع الشباب يرجع إلى حالة اليأس والإحباط التي يعاني منها الجزائريون، معتبرين أن المشاهد التي التقطتها الكاميرات أمام المركز الثقافي الفرنسي هي “رسالة للسلطات التي قدمت على مدى سنوات وعودًا كثيرة للشباب لم تتحقق، ودفعت بأبنائها للبحث عن بصيص أمل خارج البلاد”.

الغريب أن مشاهد تدافع الآلاف من الشباب الجزائري، تزامنت مع الاحتفال بذكرى اندلاع ثورة التحرير من المستعمر الفرنسي التي توافق الأول من نوفمبر، ليؤكد بأن ما يحدث هو محاولة للهروب من الواقع المر والمستقبل الغامض الذي يواجهه الجزائريون في بلادهم.

وفي المقابل، هناك من استنكر تلك الحشود البشرية التي تدفقت على المركز الفرنسي من أجل الهجرة والتدافع للخروج إلى “بلد الاستعمار” بدلًا من أن تقدم خبراتها وكفاءتها للبلد الأم.

ووفقا للأرقام الرسمية، تخسر الجزائر سنويًا حوالي 6 آلاف من كفاءاتها العلمية والتكنولوجية التي تضطر للهجرة إلى الخارج، بسبب عدم الاستقرار السياسي وتجاهل وتدني برامج دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي.

كانت آخر الإحصائيات تشير إلى تواجد أكثر من 5.5 مليون جزائري في فرنسا، نصف مليون منهم مقيم في باريس، ويرجح المراقبون أسباب اختيارهم لفرنسا بسبب الواقع المعيشي الذي تعيشه الجزائر فضلًا عن التسهيلات التي أقرتها باريس واستغلها الجزائريون.

واقع الأمر

المشكلة الحقيقية والتي تدفع العديد من الجزائريين للهجرة، هي أن النظام الحاكم في الجزائر استطاع أن يخلق من الصعوبات الاقتصادية ما يحول دون تقدم البلاد منذ الاستقلال، صعوبات ترسخت منذ عام 1992 وبلغت ذروتها في عهد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة.

يضاف إلى ذلك أن الشركات الفرنسية تحظى بالأولوية في كل الصفقات والعقود الاقتصادية في الجزائر، حتى أن المسؤولين الجزائريون يخاطبون بعضهم وشعبهم باللغة الفرنسية وبالأخص في مجلس الوزراء.

ليس هذا فحسب، فالوثائق الرسمية في دوائر الدولة تحرر أولًا بالفرنسية ثم تترجم إلى العربية، وقد لا تترجم، وفي حالة المرض يذهب الجزائريون إلى فرنسا لعلاج التهاب اللوزتين وإجراء الفحوصات الطبية الروتينية فضلًا عن الوعكات الصحية الجادة.

ولهذا السبب، أصبحت فرنسا وجهة الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في متابعة أسرار حالته الصحية ومن ورائها أسرار مستقبل بلاده، وهو ما دفع الأغلبية الساحقة من الجزائريين للسعي وراء نيل الجنسية الفرنسية، بحسب المحللين.

ويمكن القول، أن تبعية الجزائر لفرنسا جعلها الحلم الأكبر لآلاف الجزائريين الذين يلهثون ورائها اليوم، تحت شعار” يأكلني الحوت ولا يأكلني الدود” بعد أن وجدوا كل العوائق في بلادهم لتحقيق طموحاتهم.

ربما يعجبك أيضا