هالة الزغندي: “واحة الغروب” محاكمة لكل ما يعيق تطورنا

شيرين صبحي

حوار- شيرين صبحي

– افتريت عليا في التحقيق يا طلعت.. كذبت وعينك في عيني.
– كذبت عليهم.. إنما أنت كذبت على نفسك.
-خذلتني.
-وأنت خذلت الثورة.
-أنتوا حاصرتوني علشان أشهد شهادة زور.. إنما في إسكندرية كنت بضحي بحياتي، بواجه الموت تحت النار وشظايا القنابل.
– ههههه.. وخفت منه قدام حجر.. كان بينك وبين الولد خطوة.. وقفت.. اتسمرت.. سبت الشاويش الغلبان يسبقك للموت.. سنين وبتوهم نفسك والناس اللي حواليك ببطولة زايفة.. ماضي كداب رسمته بإيدك.. كان في إيدك تقول الحقيقة.. كان في إيدك تسيب الخدمة.
-وأعاني المحاكمات العسكرية. وأعيش منين؟
-قول كده بقى.. قول إنك عايز تعيش.
-أموت فداء البلد آه. لكن أموت من الجوع أو اتعدم في بلد مخنوقة بقبضة الخونة اللي زيك وزي خنفس.
-أنت خاين يا محمود. أنت خنت. أنت بتخدم الخونة.
-ما خوفتش وما خونتش.
-من خيبتك. لا عرفت تبقى زيي ولا عرفت تبقى بطل.

هذا الحلم الذي جاء على هيئة حوار بين “محمود” بطل مسلسل “واحة الغروب”، وصديقه القديم “طلعت” الذي ورطه في خيانة الثورة العرابية؛ كان أصعب المشاهد التي كتبتها السينارست هالة الزغندي، والتي فازت أول أمس الأربعاء، بجائزة أفضل مؤلفة في مهرجان الأهرام للدراما التلفزيونية.

تقول هالة: جاءت الصعوبة لسببين: أولهما أنها كانت الحلقة الأولى التي أكتبها حيث بدأت حلقاتي من الحلقة ١٦ فكان لازال لدي بعض التوتر والخوف من ضيق الوقت.

ثانيهما أن المشهد صعب في حد ذاته لأنه يلم بالصراع الداخلي لشخصية البطل وربما تلخيصا لإحساسه في الـ١٥ حلقة السابقة. كذلك يخلو المشهد من الحركة لذا كان الاعتماد على الحوار وحده في مبارزة حوارية بين البطل وضميره.

قلت لهالة: هل التزمت بما جاء في رواية “واحة الغروب” أم أضفت أحداثا وشخصيات وأبعادا جديدة؟

قالت: التزمت بالخط الرئيسي، ولكن كانت لي رؤية مختلفة في تناول الأحداث ومصائر الشخصيات في النهاية.

كما حاولت إضافة أحداث جديدة كمعالج بصري لوصف مشاعر الشخصيات وانفعالها بالأحداث الرئيسية الموجودة بالرواية، حتى لا اضطر إلى إطالة الأحداث الرئيسية حيث يختلف العمل كرواية أدبية عنه في صورته الدرامية.

كذلك تحدثت إلى الأديب الكبير بهاء طاهر في رؤيتي لبعض الأحداث فقال لي “اعملي اللي أنت حاساه وشايفاه صح من وجهة نظرك” لذا شجعني كلامه على طرح رؤيتي الخاصة.

هل هناك صعوبة في استكمال عمل لم تكتبينه من البداية؟

هناك صعوبة في حالتين فقط؛ الأولى أن يكون النص غير مأخوذ عن رواية وكانت قصته للمؤلف الذي بدأ كتابتها، وفي هذه الحالة لما كنت وافقت على استكمالها.

والحالة الثانية إذا كان النصف الأول اختلف كثيرا عن الرواية أو تمت إضافة شخصيات عديدة خارج الرواية.. في هذه الحالة يكون من الصعب استكمالها حيث يكون بمثابة نص جديد أو ما شابه، خاصة أني لم اتسلم ملفا للشخصيات أو للمعالجة وكان اعتمادي على الرواية وحدها.

ولكنني عندما قرأت الحلقات السابقة لم أجد الكثير من الشخصيات المضافة. ربما كانت شخصية “خديجة” وقد وجدت لها نهاية تلاءم إحساسي بالشخصية من خلال قراءتي للحلقات السابقة.

لذلك جاء استكمال الكتابة سهلا عن طريق الاعتماد على الرواية وحدها.


استكمال العمل هل يلزم السينارست بتقديم نفس الرؤية أم هناك حرية في تقديم معالجة جديدة؟

استكمال العمل لا يستلزم الالتزام بالرؤية خاصة إذا كانت الأحداث ما زالت في طور البداية والتأسيس، كما هو الوضع في “واحة الغروب”، حيث بدأت حلقاتي بوصول المأمور وزوجته إلى سيوة وهي مرحلة جديدة في الأحداث مما أمكنني تقديم رؤيتي الخاصة.

في “واحة الغروب” تتعاملين للمرة الأولى مع ثقافة الصحراء.. كيف وجدتيها وكيف كان استقبالك للصحراء؟

الصحراء ليست غريبة علي، فرغم أني ولدت بالقاهرة إلا أن والدي ووالدتي من الواحات كما اعتدت منذ طفولتي أن اقضي أجازات الصيف ومنتصف العام هناك وسط عائلتي الكبيرة بين الجبال وحقول العائلة كما حرص والدي رحمة الله عليه أن يبني لنا بيتا مستقلا هناك ليكون ملاذا لنا من ضوضاء القاهرة وضجيجها.

عموما أنا احب الصحراء وأفضل الذهاب إليها دون البيئة الساحلية مثلا أو غيرها.

لماذا وجدنا تحولا في علاقة البطل محمود بزوجته كاترين منذ حلقتك الأولى؟

كان لابد من تحريك الأحداث قليلا بعد رحلتهما الطويلة من القاهرة إلى سيوة.

“واحة الغروب” هل هي محاكمة للتاريخ أم للعادات التي تتحكم في مصائر الإنسان؟

“واحة الغروب” محاكمة لكل ما يعيق التطور والتنوير من عادات بالية وتاريخ نتباهى به دون الاهتمام بصنع حاضر يليق بهذا التاريخ.

شخصية “محمود” النصف الخائن والنصف الثوري هل يمكن تعميمها لوصف طبيعة المصريين؟

لا أرى أن محمود يمثل عموم المصريين، بل إنه يمثل القلة التي ثارت ضد الظلم بمختلف صوره على مرور العصور.

وكيف ترين أزمته ومحاكماته التي لا تنتهي للماضي والحاضر؟

من وجهة نظري محمود أضاع عمره في محاكمات صورية لم تنته بفعل حقيقي ملموس على أرض الواقع، إنه صراع الإنسان الدائم ما بين الخير والشر.

ولكن “محمود” خصوصا شخصية انهزامية محبطة أتمنى آلا يتخذها البعض قدوة بقدر ما يتعلم منها.

الصراع الذي يعيشه “محمود” ويلخص صراعات كثيرة داخلنا.. هل نهايته لا تكون سوى بالموت؟

مادام صراعه يبقى داخله دون الثورة عليه وإحداث فرق ملموس على أرض الواقع؛ فمصيره حتما الموت ولو رمزيا، فمحمود في نظري ونظر نفسه قد مات منذ خان الثورة.

الحديث عن الثورة والخيانة ولعن من يكره الحرية هل هو إسقاط سياسي على ما تعيشه مصر في تاريخها القريب؟

التاريخ ليس حكاية نرويها لأبناءنا للتسلية، وإنما التاريخ دوما مصدرا للتعلم من خبرات السابقين لأنه يكرر نفسه. واعتقد مهما تغير مكان أو زمان عرض المسلسل فسوف يجد البعض إسقاطا على حاله. لأن بهاء طاهر يتناول صراعا إنسانيا بامتياز وهو ما يجعله صالحا للتطبيق في أي مكان و زمان.

الصراع بين الشرق والغرب الذي يعتمده بهاء طاهر في كثير من أعماله لماذا لا يبدو جليا وتلخيص هذا الصراع في الاحتلال الانجليزي؟

بالعكس، الصراع ليس من خلال الاحتلال الانجليزي، وإنما بين زوجة المأمور والواحة. فمن وجهة نظري ورؤيتي للأحداث وجدت كاترين تمثل الغرب بما يتسم به من علم ورغبة مستمرة في التطور وما يتبع ذلك من صفات سلبية كالأنانية وعدم مراعاة مشاعر الآخرين، فهذا قطار العلم يدهس كل شئ في طريقه، والغاية دوما هي خدمة البشرية ولو على حساب البعض أو على حساب العالم نفسه.

فكما روى لنا تاريخ العلم عن علماء قاموا بإجراء تجارب على أنفسهم ولو جاءت النتيجة بهلاكهم. هكذا الشغف والهوس العلمي لابد أن يخلو من المشاعر.

في مقابل الشرق وما يمثله من عادات وتقاليد تقف أحيانا كثيرة أمام العلم وهذا ما يمثله أهل الواحة. بينما يقف محمود فيما بينهما حائرا متأرجحا بين هذا وذاك.

ربما يعجبك أيضا