في ذكرى اغتيال “رابين” .. “نتنياهو” واليمين الإسرائيلي في حالة “انفصام”!

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبد الدايم

هجوم مبطن من “يوفال رابين” على “نتنياهو” واليمين الإسرائيلي.

“بنيامين نتنياهو” يعزف على ألحان سلفه “رابين” في ذكرى اغتياله: “هذا موقفي، وهذا موقف أغلب مواطني إسرائيل”.

نتنياهو 2017: “رابين” مخطئ وليس خائنا،  مقاتل وطني يهودي صهيوني وإسرائيلي، يحب شعبه ووطنه.

نتنياهو 1995: “رابين” فرط في أرض إسرائيل وأضاع حقوق الشعب اليهودي.

      في حفل التأبين السنوي الذي يقام في ذكرى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي “يتسحاق رابين” ألقى ابنه “يوفال” خطابا قال فيه :”علينا أن نواصل بأقصى ما لدينا العمل على نبذ العنف، وترسيخ الحكمة فيما بيننا، فهذا هو طريق دولة إسرائيل” وأضاف “يوفال” في الذكرى 22 لاغتيال والده: “علينا أن نستخلص من الذكرى المائة لإعلان بلفور إعلانا جديدا ينادي بتنحية العنف والكراهية من بيننا”.

بدا أن “يوفال رابين” يوجه في خطابه بحفل تأبين أبيه هجوما مضمرًا للقيادة اليمينية الإسرائيلية الحالية، حيث قال إن والده “يتحساق رابين” كان رجل دولة وقائدا لكل الإسرائيليين، ولم يتراجع أمام الضغوط الإعلامية والتهديدات، بينما الآن يبدو وكأن قائمة الخيانة تطول يوما بعد يوم.

خطاب نتنياهو 2017:-

      وبعد انتهاء طقوس حفل التأبين، التألم الكنيست الإسرائيلي بكامل أعضائه، وألقى رئيس الوزراء نتنياهو خطابا، وجهه إلى يوفال رابين وأخته داليا أبناء يتسحاق رابين، ليرد على خطاب يوفال الذي قال إن قائمة الخونة تطول يوما بعد يوم.

   في حديثه؛ أعرب نتنياهو عن “إدراكه للألم” الذي يعتري “يوفال رابين” جراء موجات الهجوم والتحريض ضد أبيه، ودعا إلى ما سماه “مصالحة قومية وأخوة، واتحاد حول المبادئ الأمنية والسياسية المشتركة بين أغلبية الإسرائيليين”

تحدث نتنياهو عما اعتبره تاريخا مشتركا مع “رابين”، حيث تعارفا منذ الصبا، وخلال مرحلة التجنيد، وقال إنه أحب “رابين” كثيرا وكان يقدره منذ أن تعارفا للمرة الأولى في السبعينيات من القرن الماضي، وأضاف إنه قد جمعته محادثات كثيرة مع “رابين” حينما كان الأخير رئيس لوزراء إسرائيل بينما كان نتنياهو حينها زعيما للمعارضة، حيث اتفق كلاهما – على حد قول نتنياهو- في أمور كثيرة تتعلق بالاقتصاد، والبيروقراطية، والأمن، واتفاق السلام مع الأردن الذي دعمه نتنياهو بشده كما زعم، وختم بقوله إن “رابين” مقاتل وطني يهودي صهيوني وإسرائيلي، يحب شعبه ووطنه.

“رابين” مخطئ وليس خائنا:-

       قال “نتنياهو” محدثا “يوفال”: “لقد وقع “رابين” اتفاق “أوسلو” بناء على تقديره بأن ذلك لمصلحة إسرائيل، وأنا عملت حينها وأعمل الآن بناء على تقديري بأن ما أفعله أيضا لصالح إسرائيل، لكن معارضتي لرابين كانت نابعة من قناعتي بأنه أخطأ في هذا الاتفاق، هو ليس خائنا، بل مخطئ.”.

نتنياهو زعيم المعارضة وخطاب 1995:-

      جاء خطاب نتنياهو المتزلف ليوفال رابين وأخته “داليا” ربما في محاولة منه لدفع الاتهام عنه بأنه أحد المشاركين في تأليب الرأي العام الإسرائيلي ضد “يتسحاق رابين”، وكان كذلك أكبر المستفيدين من اغتياله، حيث تقلد منصب رئيس الوزراء بعد مقتل “رابين” وبعدما نجح في التغلب على “شمعون بيريز” في انتخابات مايو 1996.

كان نتنياهو متزعما للمعارضة اليمينية في إسرائيل إبان حكم “رابين”، كما كان أكثر من كال له الهجوم بعد توقيعه لاتفاق “أوسلو” عام 1993، وفي معرض خطابه بالكنيست الإسرائيلي في 5 أكتوبر عام 1995 قبيل اغتيال “رابين”؛ هاجمه نتنياهو قائلا” لقد فرطت في أرض إسرائيل الكاملة  مقابل دولة إسرائيلية صغيرة جدا،  متقزمة وهزيلة، يرتبط أمنها بصديقك عرفات”.

كان خطاب “نتنياهو” ردا على خطاب “رابين” في الجلسة نفسها، وهو الخطاب الذي وُوجه بردود فعل عنيفة من قبل المعارضة اليمينية بزعامة “نتنياهو” بعد أن أعلن “رابين” توقيعهفي سبتمبر 1995على اتفاقية “أوسلو 2” مع منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

ورغم أن “رابين” لم يعلن في خطابه موافقته على إعلان دولة فلسطينية، ولكن مجرد حكم ذاتي للفلسطينيين على مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن نتنياهو قد اتهمه  بالتخلي عما أسماه “أرض الوطن”.

شهدت تلك الجلسة عاصفة من ردود الفعل المتبادلة بين معسكري اليسار بقيادة رابين واليمين بزعامة نتنياهو، واستمر الأخير في اتهام رئيس الوزراء بالتفريط في الأرض وإضاعة الحلم اليهودي، إلى حد أن انتفض رابين واتهم نتنياهو بالكذب.

بعد هذه الجلسة العاصفة بشهر واحد أقدم “يجئال عمير” على اغتيال “رابين” بينما كان يشهد مهرجان مؤيد للسلام في ميدان ملوك إسرائيل (أصبح ميدان رابين فيما بعد)، واعتبره اليمين المتشدد في إسرائيل بطلا قوميا لأنه قتل رابين بعدما تساهل مع الفسطينين، وفرط في الأرض.

الآن بعد 22 عاما على اغتيال رابين، وسيطرة نتنياهو وحكومته اليمينة على الحكم؛ يقف رئيس الوزراء في حفل التأبين ويصرح أنه يوافق على الخطوط العامة لاتفاق “أوسلو “2، وخطاب “رابين” في الكنيست، وأن معظم المواطنين كذلك، في حين أنه شن هجوما ناريا على رابين عام 1955، وفي هذا السياق لم يتهم نتنياهو “رابين” بأنه خائن صراحة،  لكنه اعتبر أن ما أقدم عليه خيانة للصهيونية وللدولة اليهودية بعد أن أضاع رئيس الوزراء “الحقوق الأساسية للشعب اليهودي”.

المثير أن “نفتالي بينيط” وزير التعليم الإسرائيلي ورئيس حزب البيت اليهودي اليميني صرح هو الآخر أن الخطة الحالية لحزبه هي في الواقع الخطة ذاتها التي قدمها “رابين” قبل اغتياله، وتتمثل في السماح بإقامة كيان فلسطيني لا يرتقي لمرتبة دولة.

بعد 22 عاما من اغتيال “رابين” يقف نتنياهو محاولا في خطابه أن يزيح عن نفسه تهمة تأجيج السخط اليميني ضد “رابين”، وهو ما أدى إلى اغتياله في قلب تل أبيب لمجرد موافقته على حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وغزة، وليس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

ربما يعجبك أيضا