“أنا أيضًا من الحرس الثوري” .. محاولة إنقاذ للإصلاحيين بطعم الهزيمة

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

من الشعارات التي رفعها المتظاهرون أمام السفارة الأمريكية اليوم في طهران، “أنا أيضًا من الحرس الثوري“، وهي إشارة دفاع عن الحرس الثوري الذي استهدفته العقوبات الأمريكية الأخيرة.

كما استعرض الحرس الثوري، صاروخا باليستيا أمام مبنى السفارة الأمريكية. وأقيمت هذه المراسم في جميع أنحاء إيران بمشاركة كبار المسؤولين لإحياء الذكرى الـ38 لاقتحام السفارة من قبل الطلبة بالعام 1979م.

وتأتي هذه المراسم على خلفية بروز التوتر بين إيران والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، ما يهدد بانهيار الاتفاق النووي المبرم بين طهران ومجموعة 5 1.

عقوبات تستهدف الحرس

خلال إعلان استراتيجيته الجديدة تجاه إيران، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات “قاسية” جديدة ضد الحرس الثوري الإيراني المتهم بــ”دعم الارهاب”.

وقال: إن الحرس الثوري “يستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد الإيراني لتمويل الحرب والإرهاب في الخارج”، طالبا من وزارة الخزانة اتخاذ “عقوبات أشد” بحقه. رغم أن ترامب لم يقرر تصنيف هذه المجموعة ضمن “المنظمات الإرهابية”.

وسبق أن استهدف الحرس الثوري بعقوبات قانونية ومالية فرضتها الولايات المتحدة بسبب البرنامج البالستي لطهران واتهامها بانتهاك حقوق الإنسان.

بدورها، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية الجمعة أن الحرس الثوري “يدعم العديد من المجموعات الإرهابية” في مقدمها فيلق القدس المكلف العمليات العسكرية خارج إيران.

وقال وزير الخزانة ستيف منوتشين -في بيان- إن “الحرس الثوري أدى دورا مركزيا لجعل إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم”، مضيفا أن فيلق القدس هو “الكيان الرئيسي” في منظومة الدعم الإيراني لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وحزب الله وحماس و”مجموعات إرهابية أخرى”.

روحاني في مواجهة الحرس

عندما وصل الرئيس المعتدل حسن روحاني، عمل على إتمام الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي السابق، بارك أوباما. وكذلك عمل على سحب البساط الاقتصادي من تحت أقدام الحرس الثوري عن طريق إصلاح القوانين الاقتصادية بما يفتح المجال أمام الاقتصاد الحر والشركات الخاصة بشكل أوسع.

وهو ما جعل الحرس الثوري يشكك دائمًا في فاعلية الاتفاق النووي في إنقاذ الاقتصاد الإيراني. وركز إعلام الحرس الثوري على مسألة عدم مصداقية أمريكا وعدم إمكانية الثقة فيها، ووصل الأمر إلى إتهام الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف بالخيانة.

الحرس يتعزز

بعد عقوبات ترامب الجديدة، بدأ الحرس الثوري في تعزيز موقعه داخل النظام الإيراني. وعمل على تأكيد دعايته تجاه أمريكا، وتكرار شعارات عدم الثقة في واشنطن، وأنه لا حوار مع الولايات المتحدة الأمريكية. واعتبر أن استهداف المسألة الصاروخية يستهدف إيران وليس الحرس وحده. وهو ما وضع الرئيس الإيراني في حرج، ودفعه للتقرب من الحرس الثوري والمحافظين في إيران، ويعلن أن مسألة الصواريخ الباليستية غير قابلة للتفاوض. وهو ما أزعج الإصلاحيين الذين انتقدوا تقرب روحاني من الاتجاه المحافظ في إيران.

وقدمت مجلة فورين بوليسي الأميركية، تحليلًا للكاتب ميجان ريس، قال فيه إن نظام العقوبات على إيران الذي سبق الاتفاق النووي ساهم في تقوية الحرس الثوري، وإن الحرس الثوري تمكن من تدعيم مكانته المتميزة لأنه كان الكيان الأكثر قدرة على التهرب من العقوبات.

وأضاف أن الحرس الثوري تمكّن من تطوير شراكة له مع شركات “خاصة” وهمية، وقال إنه بعد رفع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي معظم العقوبات عن طهران، فإن حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني تقوم الآن بمحاولة مقاومة الفساد ووضع قيود على الحرس الثوري.

وأشار الكاتب إلى رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إعادة المصادقة على اتفاق النووي الشهر الماضي، وإلى إمكانية فرض واشنطن عقوبات انفرادية جديدة على طهران، وقال إن هذه الأنباء ستكون موضع ترحيب من جانب الحرس الثوري.

وقال المحلل السياسي، ميجان ريس، إن من شأن أي عقوبات جديدة تفرض على طهران أن تجعل الحرس الثوري يستعيد دوره المركزي في الاقتصاد الإيراني.

محاولة إنقاذ

يقلق الإصلاحيون والمحافظون على حد سواء من العقوبات الأمريكية الجديدة التي ستضر بمكاسب الاتفاق النووي، وكذلك يقلقون من استهداف الحرس الثوري؛ لأن العقوبات لن تأتي بنتيجة مع جناح الحرس الثوري الذي يتمدد في كافة مفاصل الدولة الإيرانية.

ولذلك سعى الإصلاحيون إلى إعلان مبادرات للحوار مع الحرس الثوري، مثل مبادرة وزير التربية والتعليم في عهد حكومة محمد خاتمي، مرتضى حاجي، الذي دعا للحوار مع الحرس الثوري للمشاركة في حل أزمات إيران، والخروج من حالة تنحية الجلوس مع قوى الحرس الثوري من قبل الإصلاحيين.

وهو ما أكدت عليه صحيفة آرمان آمروز الإيرانية الإصلاحية اليوم، حيث كتبت أن الإصلاحيين هم الأحق بالدفاع عن الحرس الثوري مثلما فعلوا من قبل سيما إبان الحرب مع العراق. وأن الإصلاحيين هم الأحق بالتصدي للولايات المتحدة الأمريكية وخططها ضد إيران.

وقد رد الحرس الثوري بشكل رسمي على ما طرحه الإصلاحيون من خلال المتحدث الرسمي باسمه، رمضان شريف، مؤكدًا أن الحرس لا يرتبط بجناح واحد في إيران، بل يرتبط بكافة الأجنحة داخل النظام الإيراني، وانه الحرس يرحب بمبادرة الإصلاحيين للحوار حول أزمات إيران.

يبدو أن محاولات الانقاذ من قبل الإصلاحيين تهدف إلى سد باب اتهامهم من قبل المحافظين بالخيانة والوقوف إلى جانب أمريكا، وهو ما يجعل الإصلاحيين في إيران في حالة هزيمة بعد المكاسب التي حققوها مع وصول الرئيس روحاني لمقعد الرئاسة.

إطلالة تاريخية

تأسس الحرس الثوري الإيراني في أعقاب الثورة الإسلامية في إيران التي اندلعت في 1979، بقرار من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله الخميني (مؤسس الجمهورية الإسلامية)، وذلك بهدف حماية النظام الإسلامي الناشئ في البلاد، وخلق نوع من توازن القوى مع القوات المسلحة النظامية.

ومنذ ذلك الحين، أصبح الحرس الثوري قوة عسكرية، وسياسية، واقتصادية كبيرة في البلاد، للثورة الإسلامية، ويتمتع بصلة وثيقة مع العديد من الشخصيات المؤثرة، أبرزها الرئيس السابق أحمدي نجاد، الذي كان نفسه عضوا في الحرس الثوري.

ويُقدَّر عدد أفراد الحرس الجمهوري بنحو 125 ألف عنصر، ولديه قوات أرضية، بالإضافة إلى وحدات بحرية وجوية، ويمتلك سلطة الإشراف على أسلحة إيران الاستراتيجية.

كما يسيطر الحرس أيضا على قوات المقاومة شبه النظامية (البسيج)، وهي قوة من المتطوعين قوامها حوالي 90 ألف رجل وامرأة، ولديها القدرة على حشد حوالي مليون متطوع عند الضرورة.

ويُعتقد أن آية الله خامنئي، وهو أيضا يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد، قد استخدم سلطته لبسط نفوذه وتعزيز قوة الحرس، وذلك من خلال تعيينه العديد من عناصره السابقين في مناصب سياسية رفيعة، واستخدام القوة ضد المعارضين.

ويُعتقد أن الحرس يسيطر أيضا على حوالي ثلث الاقتصاد الإيراني، وذلك من خلال بسط نفوذه على عدد من المؤسسات والصناديق الخيرية والشركات الفرعية.

وقد حدت القوة المتعاظمة للحرس الثوري الإيراني بالولايات المتحدة إلى اعتبار أنه “يقوم بنشر أسلحة الدمار الشامل”، كما اتهمت واشنطن قوات القدس، وهي بمثابة قوات النخبة في الحرس والذراع التي تشرف على العمليات الخارجية وتضم حوالي 15 ألف عنصر، بأنها “تدعم الإرهاب”.

وعلى الرغم من أن عدد عناصر الحرس الجمهوري يقل عن عدد قوات الجيش النظامي، إلا أن الحرس يُعتبر القوة العسكرية المهيمنة في إيران، وهو يقف وراء العديد من العمليات العسكرية الرئيسية في البلاد وخارجها.

ويُعتقد أن الحرس الثوري يحتفظ بعناصر له في السفارات الإيرانية عبر العالم، إذ يُقال: إن هذه العناصر هي التي تقوم بتنفيذ العمليات الاستخباراتية، وتقيم معسكرات التدريب، وتساهم في تقديم الدعم لحلفاء إيران في الخارج، مثل حكومة بشار الأسد في سوريا، وحزب الله اللبناني.

ويتمتع الحرس بوجود قوي وفاعل في المؤسسات والهيئات المدنية، إذ يسيطر على الباسيج، والذين يدينون بالولاء للثورة، إذ يستدعيهم الحرس للنزول إلى الشوارع في أوقات الأزمات، وذلك لاستخدامهم كقوة لتفريق المنشقين أو المتظاهرين.

تلك القوة الشعبية الهائلة التي يتمتع بها الحرس، يُضاف إليها الدعم القوي الذي يمنحه له المرشد الأعلى، هي التي جعلت منه لاعبا أساسيا في السياسة الإيرانية.

ربما يعجبك أيضا