الصحافة والسلطة في تونس.. القلم في وجه البندقية

محمد عبدالله

رؤية – محمد عبدا لله

تونس – إذا كان حصاد السنوات السبعة للثورة التونسية محل جدل ونقاش في مجالات عدة، فإن حرية التعبير على الأقل تعتبر مكسباً لا يختلف عليه الكثيرون، غير أن الأمر لا يخلو من مشاحنات ومضايقات تخبو أحياناً ثم تعود.

في تغطية الأحداث ذات الصبغة الإرهابية التي شهدتها تونس بعد الثورة اصطدم الصحفيون في أكثر من مناسبة بالأجهزة الأمنية، يعترف الطرفان بارتكاب أخطاء بإعتبار القضية جديدة بالنسبة لكليهما، لكن الاعتداءات على الصحفيين تتجدد بين الحين والآخر حسب الهيئات المهتمة بأوضاع الإعلاميين في تونس مع الحرص على أن يظل الباب مفتوحاً بين الطرفين للبحث عن حلول.

الحكومة مدانة
الحكومة التونسية في مرمى نيران نقابة الصحفيين، التي تتهم الحكومة بمحاولة تدجين الإعلام، محذرة إياها من العودة لأساليب الاستبداد والممارسات الفاشية من بوابة استخدام وسائل الإعلام لتبرير انتهاكات حرية التعبير والصحافة.

النقابة أكدت في بيان لها الأول “رفض العودة إلى مربع التبعية والولاء للسلطة، والمطالبة بتحييد خطة رئيس التحرير في قسم الأخبار عن مواقع القرار السياسي والأحزاب، والتنديد بمصادرة حق الصحافيين في المشاركة في صنع المضامين الإخبارية من خلال عدم تفعيل اجتماعات التحرير في قسم الأخبار”.

وعبّرت النقابة عن رفضها للوضع الراهن وإدانتها سياسة وضع اليد وتدخل أطراف برئاسة الحكومة في المرفق العمومي، داعية رئاسة الحكومة إلى “تحمل مسؤوليتها في دفع مسار الإصلاح بالمؤسسة والتعجيل بإصلاح القوانين المنظمة لها وضمان استقلاليتها عن كل تأثيرات سياسية ومنها التدخل الحكومي المباشر في المضامين بالأساس”.

كما دعت الإعلاميين العاملين في التلفزيون الحكومي إلى حمل الشارة الحمراء في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل “دفاعا عن مكاسب إعلام حر ونزيه وتفعيلا لدور الصحفيين الذين ناضلوا ولا يزالون في الدفاع عن مكتسباتهم المهنية”، مؤكدة استعدادها لخوض “كافة أشكال النضال من أجل الدفاع عن استقلالية مؤسسة التلفزة التونسية كركيزة من ركائز إعلام عمومي حر ومسؤول ونزيه في مستوى تطلعات دافعي الضرائب بمختلف أطيافهم السياسية والمدنية”.

اتهامات بالتضليل

التغطية التليفزيونية الرسمية يبدو أنها دون تطلعات الإعلاميين التونسيين، إذ وصفت الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري “الهايكا” تغطية القناة الوطنية الأولى لزيارة الرئيس السبسي لولاية سوسة في نشرة الأخبار الرئيسية بأنها “دعائية” لا تحترم قواعد المهنية الصحفية.

كما أنها رصدت في نشرة أخبار الثامنة التي بثت بتاريخ 3 أكتوبر الماضي، عرضاً لمقال نشر بجريدة أجنبية تحت عنوان “الربيع العربي القادم في تونس” قبل أن يقدمه المذيع بالقناة الأولى على أنه تحت عنوان “الباجي السبسي خلق ربيعاً عربياً آخر”.

الأمر الذي رأت فيها “الهايكا” توظيفاً جديداً لتوظيف المضمون الإعلامي لصالح السلطة، دون مراعاة للمعايير والأخلاقيات المتعارف عليها للمهنة، بما تضمنه من حيادية واستقلالية.

ليست المرة الأولى

قبل الثورة عاني الصحفيون التونسيون من اعتداءات الأمن السياسي، واليوم يعانون من اعتداءات متعددة، ورغم ذلك مصممون على عدم التفريط في استقلاليتهم وحريتهم مهما كلفهم الأمر.

يقول عدد من الصحفيين: إن أكبر مشاكلهم قبل الثورة كانت تتمثل في انعدام أي هامش للحرية، أما بعد الثورة فأصبحوا يتعرضون لعدد من الاعتداءات الجسدية خلال التغطيات الميدانية بالإضافة إلى اتهامات بتضليل الرأي العام مما يعقّد من ممارستهم للمهنة.

وضعية لم يعد السكوت عليها ممكناً، هكذا يقول الصحفيون الباحثون عن وسائل مواجهتها مع تحميل الحكومة المسؤولية، وإلى أن يتحقق ذلك يشدد الصحفيون على مواصلة الضغط بمختلف الوسائل السلمية والقانونية.

تحديات كثيرة هي إذن تنتظر نقابة الصحفيين في ظل اعتداءات ما فتئت أن تتكرر على أصحاب مهنة المتاعب، وتشريعات منظمة للقطاع لم تجد بعد طريقها للتنفيذ، فهل يصل الطرفان إلى نقطة التقاء أم تستمر البندقية في قمع أصحاب “القلم”؟!
 

ربما يعجبك أيضا