هل تدفع حماقة “شريعتمداري” إيران إلى الحرب؟

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

لطالما كانت تصريحاته سببًا في صناعة الأزمات بين إيران ودول الخليج العربي؛ ليس لأنه مسئول رسمي، ولكن لأنه المحرر الرئيسي لصحيفة “كيهان” الرسمية المقربة من مكتب المرشد الأعلى خامنئي، ولهذا لا تكون تصريحاته من باب الهزل. ولذلك رفضت دول الخليج دعوة طهران لإقامة منظمة دفاع إقليمية وإخراج القوات الأجنبية؛ لأن تصريحاته تكشف عن نوايا إيران التوسعية، التي لا تبني الثقة مع دول المنطقة.

إن الحديث هنا يدور عن “حسين شريعتمداري” أحد مستشاري المرشد الإيراني الأعلى “علي خامنئي” ورئيس تحرير صحيفة “كيهان” المحافظة والمقربة من مكتب المرشد، وكذلك ممثل المرشد داخل هذه الصحيفة، والمحلل السياسي الأكثر تأثيرًا بين المحافظين في إيران.

لطالما حملت صحيفته وجهة نظر معارضة للحكومة تعمل على تحطيم رؤيتها من باب إخضاعها لسلطة المرشد الأعلى.

ومع وصول الإصلاحيين مرة أخرة للسلطة بفوز الرئيس حسن روحاني، كثفت صحيفة كيهان من العناوين العريضة التي تشكك في كل شئ تُقدم عليه هذه الحكومة.

ومع وصول الرئيس الأمريكي “ترامب” لمقعد رئاسة الإدارة الأمريكية وتهديده بنسف الاتفاق النووي مع إيران، عززت هذه الصحيفة من رؤيتها القديمة بأن الاتفاق النووي خطر على إيران ويحمل لها الويلات، واتهمت روحاني ووزير خارجيته “ظريف” بالخيانة لمبادئ الثورة والشعب الإيراني.

ولطالما شككت في وطنية الإصلاحيين واتهمتهم بالخيانة حيث قال “شريعتمداري” -في تصريح له- إن سياسة “ترامب” تخدم الإصلاحيين في إيران الذين يريدون التقارب مع الغرب. ومع تهديدات ترامب العسكرية، قال شريعتمداري: إن روحاني وفريقه في المفاوضات النووية أعلنوا عدة مرات بأنهم جنبوا إيران ضربة عسكرية أميركية من خلال إبرام الاتفاق النووي، لكن الآن ثبت أن شبح الحرب والضربة العسكرية لم تستبعد، كما يؤكد العديد من المسؤولين الغربيين.

ماذا بعد؟

الآن بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استراتيجيته تجاه إيران، التي استهدفت الحرس الثوري وأجنحة النظام العسكرية وقدراته الصاروخية، وهو ما كشف أن الاتفاق النووي لم تتحقق تفاصيله السرية حتى الآن، بأن تعمل إيران على خفض توسعها العسكري ونفوذها الصلب في المنطقة.

وهو ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني بالقيام بمناورات يتقارب فيها مع الجناح المحافظ في إيران في إطار احتوائه للأزمة، وكذلك أعلن عن دعوات للحوار مع الحرس الثوري للخروح بصيغ متقاربة تحاول الحفاظ على مكتسبات إيران بعد الإتفاق النووي وكذلك تحافظ أيضًا على سلامة إيران داخليًا.

يحاول “شريعتمداري” رئيس تحرير صحيفة كيهان التأكيد على رؤيته المتشددة تجاه الاتفاق النووي، وكذلك تجاه الحوار مع الغرب، وأنه لا تنازل عن ثوابت ومبادئ النظام كما يراها من وجهة نظره والجناح الموالي له. وكذلك يحاول تحطيم مساعي روحاني للحفاظ على الاتفاق النووي عبر احتواء المحافظين. وأيضًا يؤكد لدول الخليج العربي تخوفاتهم من قدرات إيران الصاروخية وهو ما يدفعهم للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية للتصدي لإيران وبرنامجها الصاروخي. وبذلك ينجح “شريعتمداري” في حصار روحاني بحجم من الأزمات التي تبرهن رؤية نظر المحافظين المتشددة، بأن الحوار لن يجلب أي مكاسب لإيران.
ماذا حدث؟

بعدما أعلنت حكومة الرياض أن الدفاعات الجوية اعترضت صاروخًا قادما من اليمن تجاه الرياض، نشرت صحيفة كيهان في عددها الصادر أمس الاثنين 6/ 11/ 2017، أن مدينة “دبي” الإماراتية هي الهدف الثاني بعد صاروخ الرياض. صحيح أن عنوان الصحيفة (المانشيت) جاء بناء على تصريحات سابقة للمتحدث باسم جماعة أنصار الله أو زعيمها عبد الملك الحوثي، وهي جماعة موالية لإيران في اليمن. لكن التحليل الذي أعقب العنوان يُظهر أن إيران تستخدم هذه الجماعة لتهديد عواصم دول الخليج بما يضر أمنها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي.

وهو ما دفع الإعلام السعودي للرد على عنوان صحيفة كيهان المهدد لعواصم الخليج، حيث كتبت صحيفة عكاظ السعودية بالخط العريض على صفحتها الأولى “السعودية لإيران: سترون الرد“. وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، قد كشف يوم أمس انّ الصواريخ التي أطلقت على الرياض إيرانية الصنع وأطلقها حزب الله. فيما كان للوزير ثامر السبهان تصريحات حادّة أطلقها ضد إيران عبر شاشة العربية.
ماذا فعلوا مع كيهان؟

واجه عنوان صحيفة كيهان حملة غضب رسمية من قبل الإيرانيين. حيث اتهم المعارضون في الخارج “شريعتمداري” بأنه يتلاعب بأمن إيران لصالح خيالاته المريضة، وكان الهجوم على شريعتمداري فرصة لهم للتأكيد على عدوانية النظام الحاكم في إيران.

أما على المستوى الرسمي، فقد اكتفوا بالتحذير بسبب المكانة التي يتمتع بها شريعتمداري ولم يجرؤوا على تعطيل الصحيفة كما يفعلون مع الصحف الأخرى. فقد صرح أمين لجنة مراقبة الصحفة الإيرانية، بأن العنوان الذي أوردته صحيفة كيهان الإيرانية “الهدف التالي لأنصار الله بعد استهداف الرياض ستكون دبي” هو لا يصب في مصلحة البلاد وأمنها الوطني ووجه تحذيرا للصحيفة. وتناولت تحليلات السياسيين في إيران بأن إيران حريصة على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دبي، وأن استهداف أنصار الله لـ”دبي” لا يخدم مصالحها.

كما اعترض اليوم الثلاثاء المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت، على عنوان صحيفة كيهان وقال: إن هذا الأمر يضر بالأمن القومي الإيراني، ويجب التعامل معه، وإن هناك من يقدم وجهة نظره الشخصية على أنها وجهة نظر النظام.

كذلك هاجمت صحف محافظة عنوان صحيفة كيهان، مثل صحيفة جمهوري إسلامي التي طالبت شريعتمداري بعدم الدق على طبول الحرب. وصحيفة ابتكار التي عبرت في كاريكاتير عن أن شريعتمداري يعمل ضد إيران من خلال دعمه للنار التي تريد إشعالها الرياض وواشنطن ضد إيران. وفي صحيفة اعتماد الإصلاحية كتب المحلل السياسي “هرمیداس باوند” أن شريعتمداري أكد على ما نسبته السعودية لإيران بأنها تقف وراء صاروخ الرياض. كما سخرت صحيفة “شهروند” في قسمها الساخر من عنوان صحيفة كيهان.

كيف رد شريعتمداري؟

لم يلتزم رئيس تحرير كيهان الصمت ولم يعلن الاعتذار، وإنما اعتبر أن الأمر هو هجوم على صحيفته من قبل الإصلاحيين الذين يبغضهم، وصدرت صحيفة كيهان اليوم بعنوان حاول تبرير العنوان السابق، حيث كتبت “المصلحة الوطنية تتمثل في دعم المظلومين وليس في القلق على أبراج خليفة في دبي“. وهو ما يظهر أن “شريعتمداري” لا يستوعب توريطه لإيران بأنها تهدد جيرانها عبر أذرعها المسلحة في المنطقة وعبر ترسانتها الصاروخية.

ربما يعجبك أيضا