لقاء “المشاعر الدافئة” بين ترامب وبوتين.. هل يذيب جليد العلاقات؟

حسام السبكي

حسام السبكي

على الرغم من الخلافات الدبلوماسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، في الأسابيع والأشهر الماضية، مع وصول التحقيقات حول مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي أوصلت “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض، أواخر العام الماضي، إلى ذروتها، الأمر الذي بات يشكل تهديدًا جسيمًا على العلاقات بين البلدين، ويعيدها إلى المربع الأول، كما يُذكر بتاريخ الحرب الباردة، في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن اتفاقًا لاح في الأفق، من خلال التصريحات المتبادلة بين زعيمي البلدين، تشير إلى تقارب في الرؤى حول الأزمة السورية، فضلًا عن توحيد الجهود في مواجهة الخطر الداعشي الأخذ في الزوال، إضافةً إلى الملف الأكثر إزعاجًا للإدارة الأمريكية، والمتمثل في الأزمة الكورية الشمالية.

في التقرير التالي، نسلط الضوء على شكل العلاقات الأمريكية الروسية الحالية، في ظل الأزمات الدبلوماسية المتصاعدة، وتأثيره على مستقبل الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والعالم.

اتفاق على دحر داعش.. وحل سياسي في سوريا

حالة جديدة من التوافق، فرضتها ظروف الحرب الضروس التي يخوضها المجتمع الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي، الذي توحشت “ذئابه المنفردة” في أوروبا وأمريكا مؤخرًا، بعد تراجع خطورته في منطقة الشرق الأوسط، عقب فناء دولته وخلافته المزعومة، التي أقامها على ضفتي دجلة والفرات، فقد توصل الزعيمين الروسي “فلاديمير بوتين” و”دونالد ترامب”، إلى اتفاقٍ مُعلنٍ، حول ضرورة توحيد الجهود في محاربة فلول تنظيم داعش الإرهابي، في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إضافة إلى ترجيح كفة الحل السياسي للأوضاع المتأزمة في سوريا.

فمن خلال بيانٍ أعده وزيرا خارجية البلدين، عقب لقائهما، اليوم السبت، على هامش قمة “آسيا-المحيط الهادئ” والمعروفة اختصارًا بقمة “أبيك”، والتي اختتمت أعمالها، اليوم السبت، في فيتنام، حيث أكد الثنائي “ترامب” و”بوتين” على ضرورة قتال تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا حتى سحقه تمامًا.

وعلى الرغم من اللقاء الفاتر، الذي جمع الزعيمين، على حد ما صرح به الرئيس الأمريكي، لمرتين أو ثلاث مرات، خلال القمة، إلا أن “المشاعر الدافئة” لم تغب عنه، وفق  وصف “ترامب”، حيث اتفق الجانبين على أن الحل السياسي هو الخيار الوحيد المُتاح للأزمة السورية، وضرورة خفض المعاناة الإنسانية، و”الالتزام بهزيمة تنظيم داعش”، إلى جانب مناشدة كافة الأطراف بالمشاركة في عملية السلام التي تستضيفها جنيف في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

وتعهد الزعيمين “بوتين” و”ترامب” كذلك، بالإبقاء على “قنوات الاتصال العسكرية الروسية-الأمريكية بهدف منع حوادث خطيرة تشمل قوات الشركاء التي تحارب تنظيم داعش.

تعويل أمريكي على دعم روسي بشأن الأزمة الكورية

ما تزال الإدارة الأمريكية بقيادة “ترامب” تعول على دور أكثر إيجابية لنظيرتها الروسية، في الأزمة الكورية الشمالية، وذلك بعد تخاذل صيني واضح عن تحقيق الإرادة الأمريكية في ذلك.

فعلى الرغم من عدم تباحث الجانبين بشكل مباشر حول الأزمة النووية لكوريا الشمالية، فقد أكد الرئيس الأمريكي أنه ما يزال يعول على نظيره الروسي تقديم مساعدة جادة في حل هذه “المعضلة” على حد تعبير “ترامب”، إلا أن الأخير أشار أن موسكو ما زالت “تتسامح” مع بيونج يانج في هذا الشأن، أملًا في لقاءٍ قريبٍ يجمعه بـ “بوتين” حول كوريا الشمالية.

وأشار الرئيس الأمريكي، أيضًا، إلى أن الصين تسهم في كبح جماح الطموحات الكورية الشمالية، إلا أن الدعم الروسي يظل صاحب التأثير الأكبر في هذه الأزمة، وسيساعد على حلها بشكلٍ أسرع.

بوتين ينفي التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية.. وترامب: “أصدقك”

تعتبر أزمة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، لصالح الرئيس الجمهوري “دونالد ترامب” ضد مرشحة الحزب الديمقراطي “هيلاري كلينتون”، والتي أوصلت الأول إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، من أعنف الأزمات التي تواجه العلاقات الأمريكية الروسية في الآونة الأخيرة.

ورغم نفي موسكو المتكرر لما تسميه بـ”الاتهامات الأمريكية”، إلا أن دخولها إلى حيز التحقيق على المستوى الأمني وفي أروقة الكونجرس، يذهب بالعلاقات بين البلدين إلى بعيد، وهي ما شكلت عائقًا أمام عقد قمة مشتركة بين “بوتين” و”ترامب” على مستوى أكبر، وذلك منذ أول لقاء جمعهما في يوليو/ تموز الماضي، على هامش قمة مجموعة العشرين، في مدينة هامبورج الألمانية.

وقد اتضحت ملامح تلك الأزمة، في تصريحات الرئيس الأمريكي، الذي أكد أنه يتبادل مع نظيره الروسي “المشاعر الدافئة”، إلا أن “بوتين” يبدو مستاءً من الاتهامات بتدخل بلاده في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

فقد كشف ترامب -في تصريحات للصحفيين في ختام قمة دول “آبيك” المنعقدة في مدينة دانانغ الفيتنامية على مدى اليومين الأخيرين- أنه أجرى “محادثتين قصيرتين أو ثلاث” مع بوتين على هامش القمة، مضيفا أنهما “يتبادلان مشاعر دافئة”، مشيرًا إلى أنه توجه بالسؤال مجددًا إلى نظيره الروسي، حول تدخل بلاده في الاستحقاق الرئاسي الأمريكي، فجدد له “بوتين” النفي، مشيرًا إلى أنه يشعر بالإهانة من تلك الاتهامات، وشدد الرئيس الأمريكي على أن “التحقيق الذي يجري في الولايات المتحدة بشأن روسيا يعتبر عائقا أمام تحسين العلاقات مع موسكو”.

في هذا السياق، أكد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، اليوم السبت، أن اتهام بلاده بالتدخل في الانتخابات الأمريكية عبر التواصل مع فريق حملة دونالد ترامب، هي مجرد “أوهام” وتحركها اعتبارات السياسة الداخلية الأمريكية.

وصرّح بوتين -خلال مؤتمر صحفى عُقد فى دانانج في فيتنام فى ختام قمة منتدى التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادئ “إبيك”- بأن كل ما يتعلق بما يسمى الملف الروسي في الولايات المتحدة هو انعكاس للنزاعات السياسية الداخلية المستمرة”، مضيفا أن المزاعم بأن ابنة أخته التقت مستشار ترامب السابق جورج بابادوبولوس هي “ضرب من الأوهام”.

وقال: “لا أعرف شيئا عن ذلك، بالتأكيد لا شيء”.

وتأتي هذه التصريحات في وقت سرّع المدعي الخاص “روبرت مولر”، وتيرة التحقيق الذي يجريه بشأن التدخل الروسي بحملة ترامب الرئاسية الأمريكية مع توجيه التهم في نهاية أكتوبر إلى ثلاثة مستشارين سابقين لترامب.

أزمات دبلوماسية متصاعدة

على ذكر الأزمات الدبلوماسية المتفاقمة، بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والتي ألقت بظلالها على زعيمي البلدين، فقد أعلن مصدر مسؤول في البيت الأبيض، أن الرئيس الأمريكي عاد عن قرار لقاء نظيره الروسي على هامش “أبيك”، الأمر الذي مثّل إحراجًا شديدًا للمسؤولين الروس، خاصة بعد أن أكدت مصادر روسية أن الرئيس بوتين تردد طويلًا قبل اتخاذ قرار بالسفر لحضور القمة، حيث كان من المفترض أن يبعث بوتين برئيس الوزراء دميتري ميدفيديف، إلى فيتنام، على غرار ما حصل في العام 2015، لكن اللقاء مع ترامب حسم الأمر هذه المرة، فعندما أعرب البيت الأبيض عن اهتمامه بتنظيم لقاء بين الرئيسين ضمن أنشطة أبيك، قرر بوتين الذهاب، وعلى إثر ذلك  أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أول أمس الخميس، أن التحضير لاجتماع بوتين وترامب مستمر على قدم وساق، ولم يتبق أمام أجهزة المراسم في البلدين سوى تحديد موعد اللقاء.

التخبط الأمريكي غير المبرر دفع “ديمتري بسكوف”، الناطق باسم الرئيس الروسي، إلى انتقاد التصرفات الأمريكية، إذ قال: إن “هناك معلومات متناقضة تأتي من الزملاء الأمريكيين”، وأضاف: على كل حال سيعقد لقاء بطريقة أو أخرى، فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: “لماذا تسألونني؟ نقول إننا سمعنا أن الرئيس ترامب يرغب في لقاء الرئيس بوتين، وهذا ما قاله الرئيس ترامب بنفسه”.

من جانبهم، ربط بعض المراقبين بين إلغاء القمة بين الزعيمين في فيتنام وتدهور العلاقات الروسية الأمريكية منذ تنصيب ترامب، على خلفية الأزمة في سوريا والعراق وأوكرانيا، كما شهدت الأيام القليلة الماضية الكثير من الملاسنات بين الطرفين، كان آخرها أزمة إغلاق الولايات المتحدة القنصلية العامة الروسية في سان فرانسيسكو ومباني الممثلية التجارية الروسية في نيويورك وواشنطن، وهي الخطوة التي أغضبت موسكو كثيرًا واعتبرتها عملًا عدائيًا صريحًا ضدها، لكن أمريكا بررت هذه الخطوة بكونها ردًا على تقليص السلطات الروسية عدد الموظفين في البعثة الدبلوماسية الأمريكية.

في ذات الإطار، استعرت الأزمة بين الطرفين على خليفة تصريح السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف، قبل أيام، الذي أكد فيه أن بلاده تجمع الوثائق اللازمة لرفع دعوى قضائية ضد تحرك الإدارة الأمريكية لإغلاق ممتلكات دبلوماسية روسية في الولايات المتحدة، وقال أنتونوف: السلطات الأمريكية أغلقت في شهر سبتمبر الماضي القنصلية العامة الروسية في سان فرانسيسكو، والبعثة التجارية في واشنطن وفرعها في نيويورك، وهي ممتلكات روسية وتتمتع بالحصانة الدبلوماسية لكن المقر الأخير كانت تستخدمه على أساس الإيجار.

على جانب آخر، رأى بعض السياسيين أن إلغاء ترامب لقاءه مع بوتين جاء بسبب الضغوط الأمريكية عليه (ترامب) على خلفية التحقيقات الجارية في بلاده حول التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأمريكية، خاصة بعد دخول التحقيقات في هذا الملف مرحلة الجد بعد توجيه التهم الأولى في التحقيق الذي يقوده المحقق الخاص روبرت مولر، أواخر أكتوبر الماضي، الأمر الذي يؤكد عدم وجود استراتيجية عمل واضحة لدى ترامب تجاه روسيا.

في ذات الإطار، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف، أن ترامب لا يملك الاستقلال السياسي في علاقاته مع الكونجرس، وقال كوساتشوف: إن اللقاء لم يعقد بين بوتين وترامب لأن أي تصرف من جانب الأخير تجاه روسيا يسبب له مشاكل إضافية في بلاده، وأوضح السيناتور أن “الحديث الصريح البناء بين الطرفين كان سيتسبب لترامب بمشاكل فعلية في بلاده؛ إذ كانوا سيتهمونه هناك بالتصرف وفقا لتعليمات بوتين”.

التصعيد الأمريكي، واجه تصعيدا مماثلا من الجانب الروسي، وهذا ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن السلطات الروسية هددت بشن حملة ضد وسائل الإعلام الأمريكية التى تعمل فى روسيا، بما فيها شبكة “سى إن إن”.

وأوضحت الصحيفة، بحسب موقعها الإلكتروني، اليوم السبت، أن الخطوة تهدف صراحة إلى الانتقام من لوم أمريكي واسع لشبكة “روسيا اليوم”، المؤسسة الإخبارية التي تديرها الدولة، والتي تتهمها وكالات الاستخبارات الأمريكية بأنها منفذ دعاية ضد الولايات المتحدة.

وقال مسئولون في حكومة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن وسائل الإعلام الأمريكية “سي إن إن، صوت أمريكا، راديو الحرية”، الممولين من الحكومة الفيدرالية، قد يتم تصنيفهم كعملاء أجانب، ويحددان بشكل أساسي على أنهم أجهزة مخابرات معادية.

في الولايات المتحدة، يتم تعيين وكيل أجنبي عادة لجماعات الضغط الأجنبية، وربما كان من المحتمل أن يثير اقتراح روسيا بأنها قد تسند التسمية إلى منظمات الأنباء الأجنبية مثل شبكة سي إن إن -التي قد تقيد توزيعها وتشغيلها- أجراس إنذار بين جماعات حرية الصحافة.

وفي تطور آخر، قال الرئيس الروسي، اليوم السبت، أن الضغوط التي تمارسها واشنطن على قناة “روسيا اليوم” لتسجل بصفتها “عميلا أجنبيا” في الولايات المتحدة يمثل “هجوما”، وتوعد بالرد، وقال بوتين -للصحفيين خلال قمة “أبيك” في فيتنام- إن “الهجوم على إعلامنا هو هجوم على حرية التعبير، وسيكون هناك رد مناسب”.

الخاتمة

مع استمرار حالة الشحن الداخلي الأمريكي ضد روسيا، العدو الأبرز للولايات المتحدة الأمريكية في العقود الأخيرة، منذ الحرب الباردة، والذي تسببت به أزمة التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح “ترامب”، فإلى أين تتجه العلاقات بين القوتين العالميتين، خصوصًا مع بوادر التوافق حول إنهاء الأزمة السورية عبر الوسائل الدبلوماسية، وأطر الحل السياسي، إضافة إلى الإجماع حول ضرورة إنهاء خطر “داعش”، مع انتظار أمريكي لموقف روسي أكثر صرامة من الأزمة الكورية الشمالية، فهل تأتي الرياح الروسية بما يشتهيه المزاج الأمريكي؟!

ربما يعجبك أيضا