تصعيد دبلوماسي مصري بعد أزمة “سد النهضة”.. وبرلمانيون: الحل العسكري مرفوض

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:

القاهرة – سيطرت حالة من الاستفار على القيادة السياسية المصرية بعد إعلان القاهرة فشل المفاوضات بين “مصر وإثيوبيا والسودان” في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن التقرير الاستهلاكي الخاص بالدراسات، والمقدم من الشركة الاستشارية المنوط بها إنهاء الدراستين الخاصتين بآثار سد النهضة على دولتي المصب.

“تقرير الحكومة”

عرضت وزارتا الموارد المائية والري والخارجية المصريتان تقريراً مفصلاً عن نتائج المفاوضات الفنية مع إثيوبيا والسودان حول دراسات سد النهضة، والموقف المتأزم بعد تعثر المسار الفني في إيجاد حلول للدفع بانجاز الدراسات الفنية لاختبار تأثيرات سد النهضة على الأمن المائي المصري.

وتضمن التقرير المقدم من الوزارتين والجهات السيادية المسؤولة عن الملف، كافة التفاصيل المتعلقة بالمفاوضات منذ توقيع اتفاق المبادئ في 2015، إضافة إلى خطط التحرك المقترحة، والتي كان في مقدمتها تداول القضية على المستوى الدولي.

وطالب المسؤولون الحكوميون في تقريرهم بالالتزام بالهدوء وعدم شن هجوم على جبهتي المفاوضات، وضرورة استمرار الالتزام المصري بقواعد القانون الدولي للأنهار، فضلاً عن بنود اتفاق إعلان المبادئ وفقاً لتصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون المبالغة في تصعيد الهجوم الإعلامي على إثيوبيا والسودان.

وأعلن مجلس الوزراء المصري برئاسة المهندس شريف إسماعيل متابعته للقضية، لحفظ حقوق مصر المائية، موضحا أنه يبحث الإجراءات التي سيتم اتخاذها في هذا الشأن، موضحا أنه يتم متابعة الوضع بما يتواكب مع الالتزامات الدولية التي تقع على عائق الدول الثلاث، مؤكدا أنه سيستمر في المتابعة الدقيقة لتطورات الأمر، والمفاوضات الجارية، وكذلك التوصيات الصادرة عن اللجنة العليا لمياه النيل في هذا الصدد، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات.

“أزمة السودان”

أثار البيان الذي أصدرته وزارة الرى المصرية، بشأن تعثر مفاوضات سد النهضة استنكار الحكومة السودانية، خصوصا بعد تأكيد الوزارة أن الخرطوم تقف بجوار إثيوبيا، بسبب بعض المصالح التي ستجنيها من إتمام سد النهضة، ومحاولة إضافة بنود إلى التقرير الاستهلالي بشأن الدراسات الفنية للسد التي تضر بمصالح مصر المائية.

وقال السفير السوداني في القاهرة عبدالحميد عبد المحمود، إن إعلان مصر تعثر المفاوضات بشأن سد النهضة يثير الشكوك حول مستقبلها، مشيرا إلى أن البيان يعتبر لمخاطبة الرأي العام المصري بشأن ما يجري في المفاوضات، وأنه سيمهد لعمل ليس في مصلحة الأطراف المتفاوضة ومن بينها القاهرة.

وتابع: “الخرطوم كانت تمتلك رؤية مختلفة خلال الاجتماع، وأنها تتبع ما تراه مناسبا ومساندا لمصلحة شعبها، ورغم ذلك بقيت إيجابية خلال الاجتماعات التي عقدت خلال العامين الماضيين، لحل أزمة سد النهضة، سواء خلال المسار الفني أو السياسي”، نافيا في الوقت ذلك إدخال السودان أي تعديلات على التقرير الاستهلالي كما ذكرت وزارة الري والموارد المائية المصرية.

وتابع: “الجانب المصري هو الذي أدخل مرجعيات وتعديلات متعددة على التقرير منذ الاجتماع الأول ولسنا نحن، والاجتماعات تمت في جو من الود والانسجام بين الوزراء الثلاثة، على خلاف ما عكسه البيان تماما، كما كان هناك عشاء مصري للضيوف في نهاية الاجتماعات، قدمت فيه عروض فنية متنوعة، كان الوزير محمد عبدالعاطي ودودا جدا مع نظيره السوداني معتز موسى، وظل معنا حتى ودعه في مطار القاهرة عائدا للخرطوم”.

وكانت وزير الري المصري، قال في بيان سابق أصدره مطلع الأسبوع الجاري، إن مصر وافقت من حيث المبدأ على التقرير الاستهلالي، إلا أن طرفي التفاوض في إشارة إلى (إثيوبيا والسودان) لم يبديا موافقتهما، وطالبا بإدخال تعديلات تعيد تفسير بنود أساسية ومحورية على نحو من شأنه التأثير على نتائج الدراسات وتفريغها من مضمونها.

“التحرك الدولي”

بدأت مصر في اتخاذ خطوات جدية تجاه قضية “سد النهضة” بعيدا عن المفاوضات التي ظلت لأكثر من 6 أعوام، حيث بحث وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره السعودي عادل الجبير، أمس، الأزمة، موضحا أبعاد القضية بالنسبة لمصر، وأكد الأخير دعم المملكة لمصر في حفظ أمنها المائي، ورفضها تعرض حصتها من مياه النيل بسبب سد النهضة.

وبحث الوزير المصري مع نظيره الجزائري عبد القادر مساهل، والتونسي خميس الجهيناوي، مشيرا إلى أن مصر لم تتوقع أن يستغرق المسار الفنى هذا الوقت الطويل، وأنه كان يجرى الاتفاق على شركة فنية محايدة وأن مصر لم تكن تتوقع أن تصطدم بأى رؤى.

وفي السياق ذاته، تحدثت مصادر مصرية مسؤولة أن الخارجية ستكثف التحرك الدولي من خلال السفارات المصرية في الخارج والمندوبيين المصريين في المنظمات الدولية، لشرح كافة التعقيدات الفنية والأثار السياسية التي تترتب على استكمال إثيوبيا مسارها في بناء السد دون اعتبار المصالح المصرية بما سيشكل تهديداً للسلم والأمن الإقليمي اذا ما وقع أي ضرر على مصر أو حرمانها من حصتها المائية التي تشكل جانب محوري في أمن مصر المائي.

“تدخل السيسي”

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية المستشار أحمد أبو زيد في تصريحات تلفزيونية، أنه بعض عرض السفارات المصرية في الخارج سيتم الانتقال إلى مرحلة التحرك السياسي التى تتطلب أن يمارس المجتمع الدولي الضغط على الأطراف التي تتسبب في تعثر هذا الملف، وهناك اتصالات سياسية مباشرة بين مصر وإثيوبيا”.

وذكر المتحدث باسم الخارجية أن مصر وإثيوبيا بصدد عقد اللجنة العليا المشتركة بالقاهرة على مستوى رئيس الوزراء الإثيوبي (هيلي ماريام ديسالين)، والرئيس عبد الفتاح السيسى فى شهر ديسمبر المقبل، ستتيح الفرصة للحديث على مستوى القيادة السياسية”.

“الحل العسكري”

وطرح عدد من المحللين المصريين خيار التدخل العسكري ضد إثيوبيا، مشيرين إلى الدولة الأفريقية لن تردعها سوى التهديدات العسكرية كما حدث في السابق في عهد الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، بحسب الروايات المتداولة في وسائل الإعلام في هذا الصدد.

وعلق رئيس لجنة الدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب اللواء كمال عامر، قائلا: “مصر تستبعد خيار الحل العسكري، لأنها تتعامل مع دول حوض النيل من خلال مبدأ المصالح المشتركة واستخدام القوة الناعمة”، مشيرا إلى أن القاهرة ستواجه هذا الملف بعشر السيناريوهات ليس من بينها إطلاقا التدخل العسكري.

وتابع: “لدينا خطط داخلية سنتعامل من خلالها، من بينها (تحلية مياه البحر المتوسط، ومياه الصرف الصحي)، مشددا على أن مصر لم ولن تفرط في حقها في مياه النيل لأنه يعد أحد ركائز الأمن القومي المصري.

وذكر عضو اللجنة الأفريقية بمجلس النواب ووكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق والمسئول عن ملف حوض النيل لمدة 17 عامًا، اللواء حاتم باشات أن مماطلة إثيوبيا من أجل كسب أكبر وقت لبناء السد، منوها إلى موقف السودان جاء بسبب تحقيقها عدد من المكاسب في حالة بناء السد، رغم تهديد حصتها من مياه النيل، مشيرا إلى أن المكاسب تتمثل في حصولها على  جزء من الكهرباء الناتجة من السد إلى السودان، بالإضافة الي التبادل الثقافي والاقتصادي بين البلدين.

وأوضح باشات، أن تعنت إثيوبيا كان متوقعا، وأن رفض دولتي إثيوبيا والسودان للتقرير الاستشاري حول سد النهضة، بسبب استناده لاتفاقية عام 1959، والتي تنص على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من المياه، دون أي نقص، بينما تريد الدولتان “اللعب في هذا الأمر”.

وشدد عضو اللجنة الأفريقية بمجلس النواب على أن الخيار العسكري مرفوض، لأن إطلاق رصاصة واحدة بمثابة إطلاقها على إفريقيا كلها، مكملا: “إعلان مصر عن وقف المفاوضات، بمثابة إجراء دبلوماسي عنيف، وسيسفر عنه حل للأزمة خلال الأيام المقبلة”.

ربما يعجبك أيضا