في ظل حكم العدالة والتنمية.. لماذا فقَد المجتمع التركي اعتداله؟

مجدي سمير

رؤية – مجدي سمير

  الباحث بين أرجاء وزوايا المجتمع التركي وتركيبته الشعبية يلاحظ حدوث تغييرات كبيرة خلال السنوات الأخيرة. فالشعب التركي الذي امتاز متدًينيه بالطابع الصوفي المعتدل والسماحة في الدين والبعد عن التشدد واللجوء إلى التكايا والأضرحة وعقد جلسات السمر الصوفي، أضحى يميل إلى التطرف الفكري والسلوك العنيف مع من يختلف فكريًا معه، تاركًا التصوف جانبًا ليرتدي الثوب السلفي بلونيه الداعشي والقاعدي وهو ما يفسر زيادة معدل العنف والتسليح داخل المجتمع التركي حيث يحمل نحو 25مليون تركي السلاح بزيادة 50% خلال الأربع سنوات الأخيرة.

الشباب التركي الذي نشأ في كنف الطرق الصوفية مثل المولوية والنقشبندية والبكتشاية، أضحى يتجاوب مع التطورات الجيوسياسية للمنطقة، وانتشار العنف على حدود دولته في العراق وسوريا خاصة، ونمت فكرة الجهاد أمام عينيه برعاية الدولة التي اهتمت بنشر الفكر الجهادي داخل المناهج التعليمية وفوق منابر المساجد برعاية مديرية الأوقاف.

“تجذر الداعشية”

أكد ياشار ياقيش وزير الخارجية التركي السابق، أن تنظيم داعش يمتلك قاعدة شديدة التجذر داخل المجتمع التركي، مشيرًا إلى نتائج بحث أجرته شركة (بيو للدراسات) ومقرها واشنطن، كشف عن تعاطف أكثر من 8.5% من الشعب التركي مع تنظيم داعش، أي أن نحو 6.5مليون تركي يتعاطفون ويؤمنون بأفكار وأهداف التنظيم، وهو ما يفسر ظهور رايات التنظيم من حين لآخر في بعض الساحات العامة وداخل المباني والمنازل التركية، وعلى سبيل المثال واقعة تجمع بعض المتعاطفين والموالين للتنظيم في إحدى ساحات إسطنبول عام2015 وأداء صلاة العيد تحت رايات التنظيم المعروفة على مرأى ومسمع من الحكومة التركية.
كما كشفت بعض المواقع الإلكترونية التركية وضع محلات صناديق لجمع التبرعات لصالح أنشطة التنظيم في الخارج، والتي تلقى إقبال من بعض المواطنين المتأثرين بالفكر المتشدد والتطرف في الدين وهو ما يفسر ظاهرة زيادة العنف المجتمعي داخل تركيا وخاصة في مناطق جنوب وشرق تركيا حيث انتشار العناصر المتشددة المؤمنة بالغلو في الدين سواء تحت رايات داعشية أو قاعدية أو غير ذلك.

بطولة “بن لادن”

ووصف شوقي يلماز، النائب البرلماني السابق ورفيق درب الرئيس التركي أردوغان، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن بـ “البطل الوطني”، وذلك خلال بث مباشر على قناة “عقد تي في” التابعة لصحيفة يني عقد.

وقال يلماز خلال تمجيده للفكر القاعدي “بن لادن بطل قومي، حارب الروس مع المجاهدين الأفغان، وانتصر عليهم، ترك متع الحياة والسلطة وراء ظهره، وقرر المجاهدة من أجل إسقاط الجيش الأحمر”.

كما وزعت مديرية الشباب والرياضة في مدينة قارامان التركية، على طلبة الثانوية كتابًا بعنوان “رحلة أوتو ستوب إلى الجنة” يمتدح خلال فصوله بطولات تنظيم “طالبان”.

“فكرة الجهاد”

“الطفل الذي لا يعرف الجهاد لا طائل من تعليمه الرياضيات” كانت هذه مقولة نائب حزب العدالة والتنمية الحاكم بالبرلمان أحمد حمدي تشاملي.

وقال تشاملي خلال إحدى جلسات البرلمان “إنه من الصائب تعليم الأطفال الجهاد في المراحل التعليمية، فإذا كانت الصلاة هي عماد الدين، فالجهاد هو جداره، وليس هناك جدار بلا عماد. وليس هناك فائدة من تعليم أطفالنا الرياضيات طالما لم يعرفوا الجهاد”.

مظاهر “التشدد”

ولـ”دعشنة” المجتمع التركي، إذ صح التعبير، الكثير من المظاهر التي يمكن سرد بعضها هنا كدليل على التشدد الفكري والتوجه نحو عباءة داعش والقاعدة.

في سبتمبر/أيلول الماضي رصد مقطع فيديو مطاردة بعض الأتراك في مدينة غازي عنتب جنوب شرق تركيا لمجموعة من السياح اليابانيين ووصفهم بـ”الكفرة”. وإصرار عجوز على مطاردتهم صائحًا “ماذا تفعلون يا كفرة .. أذهب من هنا يا كافر بن الكافر”. وذلك في ظاهرة جديدة على المجتمع التركي.

وفي محافظى “شانلي أورفا” جنوبي تركيا تم رصد واقعة أخرى تعدى خلالها أحد الأشخاص المتشددين ممسكًا في يده بلطة على تمثال لمؤسس الدولة التركية “أتاتورك” لهدمه في يوليو/تموز الماضي، قائلًا “هذه التماثيل أصنام. والإسلام ليس به وثنية ونهى عن الأصنام”.

وفي مايو/آيار الماضي بمدينة “يوقات” التركية صعد أحد الأئمة خلال خطبة الجمعة المنبر ممسكًا سيفًا، مؤكدًا أن هذا الأمر سيتكرر كل جمعة و “أن الفتوحات الإسلامية ستستمر بالسيف”.

وقبيل استفتاء أبريل/نيسان الماضي، أعلن عمر أقبايراق، أحد موظفي بلدية إسطنبول ومن مؤيدي الحكومة أن “بعد الفوز بالاستفتاء، ستكون بنات وزوجات المعارضين والرافضين للاستفتاء غنيمة، وحلالًا لمؤيدي الاستفتاء”، وهو ما نال استهجان الكثير واعتبرته المعارضة كونه خطاب داعشي لا يليق بالمجتمع التركي.

ربما يعجبك أيضا