خبايا “المافيا”.. نساء ودماء وسلطة

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

يرجع تاريخ كلمة المافيا إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282 ميلادية، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها “موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا”، فجاءت كلمة مافيا ” MAFIA” من أول حرف من كلمات الشعار.

تعددت الروايات عن نشأة المافيا، حيث يرى بعض زعمائها وعلى رأسهم جوبونانو “أبوعين” أن بداية المافيا كانت تتويجاً للتمرد والعصيان الذي ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة في ليلة زفافها عام 1282، ما أشعل نار الانتقام في صدور الإيطاليين، التي امتد لهيبها من مدينة إلى أخرى، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت انتقاما.

ومن أشهر فرق المافيا فرقة جزيرة “صقلية” بإيطاليا، التي نشأت في منتصف القرن التاسع عشر ، وأصبحت بحلول الربع الأخير من القرن التاسع عشر القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المسيطرة في غربي صقلية.

وقد ضمت هذه المافيا بين طياتها بعضا من أفراد الأرستقراطية الحاكمة، حيث انقسم المجتمع في بداية الدولة الإيطالية الناشئة إلى الساسة، وأصحاب الأراضي، ودخلت المافيا بين هذين الفريقين كما كانت المحرك للعديد من أفراد الحكومة، ورجال الأعمال.

التسلسل الهرمي

يتخذ تنظيم تلك المجموعات تسلسلاً هرمياً، يتمثل بـ رئيس “كابو” أو الرأس، وهو الحاكم الفعلي الوحيد في العائلة، وأقوى أفرادها، ويمثل رأس السلطة الهرمية، وهو منفصل عن العمليات الفعلية بعدة طبقات من السلطة، ويتلقى جزءاً من أرباح كل عملية يقوم بها أفراد الأسرة.

ويختار “الكابو” بنفسه مستشارين اثنين مهمتهما إسداء النصائح القانونية من دون أن تكون لهما أي صفة تقريرية، ويكونان عادة من رجال العصابات غير المشهورين الذين يمكن الوثوق بهم.

ويأتي مساعد الرئيس بعدها، وعادة يعينه الرئيس بنفسه، وهو “الرجل الثاني” في العائلة، ويعدّ الكابتن المسؤول عن بقية “كباتن” العائلة تحت رئاسة الرئيس، ويتقدم للرئاسة في حالة سجن الرئيس.

ويلي الكباتن أعضاء عاملون من ضباط وجنود “مافيوزو”، لا تكون لديهم أي علاقة مباشرة بالرئيس الأعلى، ويمكن أن يكونوا من أصل إيطالي أو صقلي.

ويبدأ الجنود بصفة منتسبين أو مساعدين أثبتوا أنفسهم، وغالباً ما يرشحهم الكابتن ليتم قبولهم لاحقاً في مجموعة الكابتن الذي رشحهم.

وهنالك مجموعة من المساعدين من الخارج، ليسوا أعضاء في العائلة، إنما يقومون بمهام محددة، وبدور الوسيط أحياناً، أو يبيعون المخدرات لدرء الخطر عن الأعضاء الفعليين.

ولا يمكن أن يصل الأعضاء غير الإيطاليين إلى أكثر من ذلك بالنسبة إلى العائلة، ويعمل كل منهم في مكانه من دون أي أمل في الترقية، فيبقى الجندي جندياً، ولا يطمح الملازم في منصب الكابو إلا إذا كان ابناً له فالزعامة وراثية، والمراكز هي لمدى الحياة.

وتراعى في المافيا قواعد تسلسل القيادة بشكل حازم، وتدار الأموال بهذا التسلسل وبنسب معينة، ولا يسمح للعضو بأن يتعامل إلا مع القيادات التي تعلوه مباشرة من دون أن يعرف شيئاً بعد ذلك، وكذلك يجهل بقية الضباط، وهذه القيادات تتعامل بدورها مع القيادات الأعلى وهكذا.

ويعتقد أن المافيا أصبحت تمارس كثيراً من الأنشطة الشرعية، بجانب أنشطتها غير القانونية “غسيل الأموال”، لذلك من الصعب تتبع خيطا في مسار التحقيق لكي تصل إلى كشف القيادات العليا.

أنشطة متنوعة

ومنذ بداية القرن التاسع عشر تحولت المافيا إلى مجتمع قائم على الجريمة بكل أنواعها دون احترام للقانون أو السلطة، فتنوع الأنشطة ساهم في إحكام السيطرة على العالم، فقد شملت إدارة مصانع ومطاعم ومتاجر وشركات تأمين ومصارف وفنادق وملاه كواجهة لأنشطة مربحة غير مشروعة في مجالات القمار وتهريب الخمور والمخدرات والدعارة والإقراض بفوائد والابتزاز والاحتيال وسرقة السيارات، فضلاً عن الخطف والقتل، لذلك يقدر المسؤولون عن القانون أن هذه العائلات تكسب حوالي 50 مليار دولار أمريكي سنويا من هذه النشاطات.

فقد أفاد تقرير الرابطة الزراعية الإيطالية أن العائد السنوي للمافيا الزراعية نتيجة تجارة الغذاء المغشوش يقدر بحوالي 12.5 مليار يورو، وهذ يمثل فقط جزءا بسيطا من 220 مليارا تحققها المافيا الإيطالية سنويا كحصاد الجريمة المنظمة بحسب تقديرات المعهد الاقتصادي “إيربيديس”.

فالمافيا في أمريكا تمتلك نحو 10 آلاف شركة تجارية تقدر عوائدها بحوالي 12 مليار دولار سنويا مما يدل على ثراء هذه العصابة.

الياقات البيضاء 

أدت حرب العصابات التى انتشرت في الثمانينيات والتسعينيات والتي كان من أبرزهم اغتيال الكثير من أعضاء المافيا البارزين، إلى ميلاد جيلاً جديداً من رجال المافيا على قاعدة مستحدثة للأنشطة الإجرامية تسمى “بالياقات البيضاء” بعكس الأنشطة الإجرامية التقليدية.

ونتيجة لهذا التغير، قامت الصحافة الإيطالية باستحداث عبارة “La Cosa Nuova” أو “الشيء الجديد”، بدلا من العبارة القديمة التي كان يطلقها المافيا الإيطالية على نفسها وهي La Cosa Nostra في إشارة إلى التجديدات التي طرأت على المنظمة.

ورغم أن العاملين في هذه العصابات يعيشون في قلق دائم بسبب غدرهم لبعضهم البعض فإن رعبهم الحقيقي بدأ حين قتل الرأس الكبير للمافيا وهو “سالفاتور مارانزانو” مع 40 من رجاله عام 1931.

ومنذ ذلك الحادث تم عقد اجتماع بين رؤساء العصابة في جميع أنحاء العالم، وتم انشاء نقابة يتولاها 12 شخصا ،على أن يكون الأب الروحي لهم “كارلو جامينولا”.

ومنذ أن تولي “كالو” العصابة بدأ نشاطها في الاتساع خصوصا في عمليات القتل وبيع المخدرات إلى أن قتل “كارلو” وهو في فراشه فهدأت المافيا بعد ذلك.

وقد تغيرت الجرائم المنظمة وطبيعتها في الفترة الأخيرة، واتخذت شكلاً في غاية الدقة والتعقيد، بسبب تعقيد النشاط الاقتصادي في العالم بشكل عام، وأصبحت المافيا وعالم الجريمة المنظمة محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير.

شروط الانضمام

أقسم في هذه الليلة المباركة الهادئة وتحت ضوء النجوم وروعة القمر وأشكال السلسلة المقدسة أنا، أني سأحمي جميع أخوتي الحكماء وأني على استعداد لأن أذل نفسي في سبيل تكوين المجتمع المقدس.. أقسم بأن أتخلى عن كل شيء في حياتي حتى يصبح الجيل السابع هو مجتمعي وأسرتي الوحيدة “، بمجرد انتهاء هذه الكلمات ستصبح عضوًا في جماعة الموت “المافيا”، فمن دخلها بإرادته لا يخرج منها إلا ميتًا.

صرخة إيطاليا

مجرد ارتكاب جريمة هي المقابل للانضمام إلى المافيا في إيطاليا، وهناك أيضا قسم “السم” حيث يوزع زعيم المافيا حبوب “السيانيد” عليهم قائلا لهم: “عليكم دائما أن تحتفظوا بطلقة رصاص واحدة في أسلحتكم لكي تقتلوا أنفسكم إذا احتجتم لهذا” متابعا: “لو سألوك من أبوك فقل أبي الشمس وأمي القمر”.

“من الآن لن يراقبكم أحد أنتم وحدكم ستراقبون أنفسكم وتحكمون عليها بالقتل” بهذه المقولة يحكم على نفسه بالقتل كل عضو بالجماعة متهم بالخيانة.

بجانب الإجرام هناك بعض المعلومات الحياتية التي لا يعرفها الكثيرون منها :

المشاركة في الحرب العالمية

للمافيا بعض اللفتات الإنسانية والتضحيات أيضاً فلقد ساعدت مجموعات المافيا قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، فكما يقول المثل “عدو عدوي صديقي” ولهذا قامت المافيا بمساعدة القوات الأمريكية والبريطانية بالإضافة إلى السوفيتية في القضاء على الزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني، الذي كان يخوض حربا شرسة بجانب الألمان وداخلياً كان يقوم بتصفية أعضاء المافيا .

الوصايا الأخلاقية

في عام 2007 وبعد اعتقال أكبر زعماء المافيا الإيطالية  سالفاتوري لو بيكولو التي تعتبر الأقوى في العالم وجدت قوات الشرطة أوراقا في مكتبه شكلت دستورا داخليا وقواعد لكل العائلات المكونة في المافيا، وأهم تلك القواعد كانت عدم النظر إلى زوجات أفراد العائلة وعدم السماح بأي علاقة تربط بين أي فرد في المافيا وبين عنصر من الشرطة، في كل مرة على فرد المافيا اختيار حانة مختلفة الأمانة والصدق بين أفراد العائلة لا تقطع على نفسك وعداً لا تستطيع القيام به حتى لا تتعرض للعقاب وأخيراً الوشاية على أفراد عائلتك أو تقديم أي معلومات عن حياة المافيا السرية عقوبته الموت .

التحصينات

تمتلك عصابات المافيا الإيطالية الكثير من شبكات التحصينات المتمثلة في الأنفاق المجهزة بكل شيء من أجل استمرار نشاط المافيا من تحت الأرض والمثير في الأمر أن قوات الشرطة تعلم عن وجود تلك الأنفاق ولكن أماكن تواجدها غير معروفة ولا يعرفها سواء بعض الأشخاص فقط داخل عائلات المافيا الكبيرة .

فتأمين الأشخاص المهمين وزعماء عائلات المافيا أهم الأولويات للمجموعة وفي عام 2013 استطاع مراسل من هيئة الإذاعة البريطانية الـ BBC الدخول إلى تلك الأنفاق بالطبع بعد موافقة من قيادات المافيا، وأشار إلا أنه لا يعرف مكانها فهو كان معصب العينين ورأى ما وافق الزعماء على كشفه فقط ، إلا أن المراسل أوضح أن تلك الأنفاق مكيفة الهواء وتم تجهيزها بالكامل بالأطعمة.

الطقوس الدينية الدموية

على الرغم من أن الديانة المسيحية هي ديانة المافيا الإيطالية وهي بالتأكيد تعد من الديانات السماوية الخالية من طقوس السحر والدماء البريئة إلا أن للمافيا بعض العادات الغريبة بشأن طقوسها الخاصة .

ففي عام 1994 استطاع المخبر السري “موريزيو أفولا” اختراق المافيا ليصبح واحداً منهم وأشار “موريزيو” إلى أن هناك تقليدا يقتضي بإسالة بضع قطرات من أصبع العضو الجديد فوق صورة في الكنيسة ثم إحراق الصورة بالدماء وهو ممسك بها بيديه المجردتين حتى تتحول الصورة إلى رماد تعبيراً عن الولاء والطاعة وعدم الخيانة .

وكما تستخدم الطقوس للاحتفال تستخدم أيضاً للعقاب فالخيانة في المافيا وخصوصاً المافيا الإيطالية لا تكفير لها سوى الموت حرقاً .

النساء أكثر سلطة

على الرغم من أن دور النساء داخل المافيا ينحصر على تربية الأجيال الجديدة والاهتمام بها إلا أن الاعتماد على النساء في أمور القيادة أمر طبيعي في المافيا، فكل زوجة يقع زوجها تحت يد القانون تتولى منصبه .

فالمرأة عندما يتملكها الشر وتنغمس فيه تكون أكثر شراسة من الرجال لأنها لا تستخدم عقلها كثيراً عندما تتاح الفرصة للانتقام أو الانقضاض والسيطرة على صفقة ما .

وتعد ألقاب سيليست” و “عيون الجليد” و “لا بيكوليتا” من أشهر الأسماء التي اشتهرت بها زعيمات المافيا.

ربما يعجبك أيضا