مصر والسودان.. علاقة الأخوة تحت أنقاض الأزمات

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر: 

القاهرة – توتر كبير يحاصر العلاقات المصرية السودانية منذ بداية العام الجاري، رغم أواصر الترابط والأخوة والعمق التاريخي والاستراتيجي بين البلدين، وتنوعت العناوين والتصريحات بين الفترة والأخرى لتشير إلى وجود أزمات حادة بين القاهرة والخرطوم، في مقدمتهم أزمة مثلث “حلايب وشلاتين”، ختاما بـ”اتهام السودان مصر بالحصول على جزء من حصتها في مياه النيل”.

ورغم عقد رئيسي ومسؤولي البلدين اجتماعات عدة في محاولة لرأب الصدع الموجود بينهما، إلا أن الخلافات أصبحت السمة البارزة للعلاقات “المصرية السودانية”، خلال هذا التقرير نرصد أبرز الأزمات التي اندلعت بين البلدين خلال العام الجاري، والتي بدأت منذ زيارة الشيخة موزة بن ناصر والدة أمير قطر تميم بن حمد إلى السودان في مارس الماضي:

“حلايب وشلاتين”

يعتبر مثلث حلايب وشلاتين على الحدود بين الدولتين أزمة تاريخية بين البلدين، من عام 1902 بعد قرار الاحتلال البريطاني بضم حلايب إلى الأراضي السودانية، وبعد ثورة 23 يوليو 1952 أرسل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قوات إلى المنطقة للسيطرة عليها، وكان ذلك عام 1958، ليستمر الخلاف بين البلدين.

واستمرت القضية الجدلية بين البلدين، حيث كانت تطفو بين الحين والآخر، إلا أنها تجددت في مارس من الماضي وتحديدًا عقب زيارة الشيخة بنت ناصر، والدة أمير قطر، إلى الأهرام السودانية، حيث هاجم الإعلام المصري حينها الزيارة ووجه عدة اتهامات إلى السودان.

وخلال الأزمة عادت قضية “حلايب” إلى الظهور من جديد من خلال تصريحات رئيس اللجنة الفنية لترسيم الحدود بالسوادن عبد الله الصادق، لصحيفة “سودان تربيون” أمس: “إن وزارة الخارجية دعت عدة أطراف تشمل وزارات العدل والداخلية والخارجية ودار الوثائق القومية واللجنة الفنية لترسيم الحدود، لتجميع أعمال اللجان السابقة حول حلايب وتحديث مخرجاتها”، وأضاف “يبدو أن الوزارة تريد تحريك ملف حلايب”.

وقدمت الخارجية السودانية طلبًا رسميًا إلى نظيرتها في مصر من أجل التفاوض المباشر حول منطقة “حلايب وشلاتين” أو اللجوء للتحكيم الدولي الذي يتطلب موافقة الدولتين المتنازعتين إلا أن القاخرة رفضت الطلب.

وبدأت الأزمة أكثر اشتعالا حين اتهم الرئيس السوداني عمر البشير مصر خلال حواره في قناة “الجزيرة القطرية” في 15 مايو الماضي باحتلال أراض سوادنية، مؤكدا أن بلاده “تتحلى بالصبر إزاء مصر رغم احتلالها أراض سودانية”.

وواصل إعلام ومسؤولو البلدين التأكيد على سيادة المنطقة لكل منهما، الأمر الذي تطلب خروج تصريحات من الرئيس المصري عن قوة العلاقات بين البلدين، ومحاولة تهدئة الأجواء.

“أزمة التأشيرات”

واستمرت الأزمات بين البلدين ففي شهر أبريل الماضي، أعلنت الحكومة السودانية بشكل مفاجىء، في تطبيق بفرض تأشيرات على المصريين القادمين للأراضى السودانية، من سن 18 عاما حتى 49 عاما، والسماح بدخول الفئات العمرية من حملة الجوازات المصرية من سن 50 عاماً فيما فوق، والسماح بدخول النساء والأطفال دون الحصول على التأشيرة، بالإضافة إلى تحصيل رسوم من المغادرين المصريين بقيمة 530 جنيهًا سودانيًا.

وقامت السلطات السودانية اليوم في مطار الخرطوم ببدء تطبيق القرار وتحصيل رسوم تأشيرة اضطرارية، لأن التنفيذ تم في يوم عطلة للسفارة والقنصليات السودانية في مصر، وجاء القرار دون إبلاغ شركات الطيران العاملة والمتعاملة مع المطار رسميًا، حتى يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع تداعيات هذا القرار.

وجاء القرار السوداني ردا على فرض مصر قبل سنوات تأشيرة دخول على السودانيين الرجال من سن 18 إلى 50 عاما.

وظلت المباحثات قائمة بين خارجية البلدين شهر كامل، وسط تصريحات هجومية من إعلام الجارتين، حتى أعلنت وزارتا الخارجية المصرية والسودانية، في مايو الماضي، لاتفاق بين البلدين على تنظيم تأشيرات الدخول ومسائل إجرائية أخرى لترسيخ مبادي التعاون.

ونص الاتفاق بين البلدين علي إصدار تأشيرة بالمجان لمده أقصاها 6 أشهر لحملة الجوازات العادية، يمكن تجديدها بإقامة لمده أخرى مثلها، مع إعفاء السيدات من البلدين ومن هم فوق سن الخمسين وتحت سن السادسة عشر من شرط الحصول علي تأشيرة الدخول.

وأكدت الدولتان في بيانهما، أن “المواطن السوداني المقيم في مصر قبل عام 1995 يعامل معاملة المواطن المصري”.

من جانبها، ذكرت الخارجية المصرية أنه تقرر إعفاء السودانيين من إجراءات التسجيل ورسوم التأشيرة والإقامة، وقرر الجانب السوداني تنفيذ نفس الإجراءات على المصريين بالمثل، واتفقا على الاستمرار في إعفاء حملة الجوازات الدبلوماسية من تأشيرة الدخول.

“متمردو دارفور”

وبقيت العلاقات متوترة بين البلدين، حيث اتهم الرئيس السوداني عمر البشير، الحكومة المصرية بدعم الحركات المسلحة السودانية المتمردة وببيع ذخائر فاسدة لبلاده، موضحا أن قوات الجيش السوداني عثرت مدرعات ومركبات مصرية أستخدمها متمردو دارفور في هجومهم، الأحد الماضي، على الولايتين”، مؤكدا أن القوات المهاجمة انطلقت من دولة جنوب السودان ومن ليبيا على متن مدرعات مصرية.

وتابع في كلمته بمناسبة تكريم قدامى المحاربين السودانيين بالخرطوم، “للأسف إنها مدرعات مصرية، قاتلنا لأكثر من 17 عاما ولم تدعمنا مصر، حتى الذخائر التي اشتريناها من مصر كانت ذخائر فاسدة، على الرغم من أننا حاربنا معهم في أكتوبر 1973”.

ونفت وزارة الخارجية المصرية تصريحات الرئيس السوداني، مشددة على أن مصر تحترم سيادة السودان علي أراضيه، وأنها لم ولن تتدخل في زعزعة دولة السودان أو الإضرار بشعبها، معربة عن أسفها من تلك الاتهامات.

“سد النهضة”

وخلال الجولة الأخيرة من مفاوضات اللجنة الفنية لـ”سد النهضة” الإثيوبي الشهر الجاري، وعقب إعلان القاهرة فشل المفاوضات، اتهم وزير الري المصري محمد عبد العاطي السودان بالوقوف مع أثيوبيا وأنها بعد اتفاق الدول الثلاث “مصر والسودان وإثيوبيا” على التقرير الاستهلالي تراجعا طرفي اللجنة الأخرين، ولم يبديا موافقتهما على التقرير.

وأشار الوزير إلى أن إثيوبيا والسودان طالبا بإضافة تعديلات على التقرير تتجاوز مراجع الإسناد المتفق عليها، وتعيد تفسير بنود أساسية ومحورية على نحو من شأنه أن يؤثر على نتائج الدراسات ويفرغها من مضمونها.

و أثار البيان الذي أصدرته وزارة الرى ، بشأن تعثر مفاوضات سد النهضة استنكار الحكومة السودانية، وقال السفير السوداني في القاهرة عبدالحميد عبد المحمود، إن إعلان مصر تعثر المفاوضات بشأن سد النهضة يثير الشكوك حول مستقبلها، مشيرا إلى أن البيان يعتبر لمخاطبة الرأي العام المصري بشأن ما يجري في المفاوضات، وأنه سيمهد لعمل ليس في مصلحة الأطراف المتفاوضة ومن بينها القاهرة.

وتابع: “الخرطوم كانت تمتلك رؤية مختلفة خلال الاجتماع، وأنها تتبع ما تراه مناسبا ومساندا لمصلحة شعبها، ورغم ذلك بقيت إيجابية خلال الاجتماعات التي عقدت خلال العامين الماضيين، لحل أزمة سد النهضة، سواء خلال المسار الفني أو السياسي”، نافيا في الوقت ذلك إدخال السودان أي تعديلات على التقرير الاستهلالي كما ذكرت وزارة الري والموارد المائية المصرية.

“مياه النيل”

واستمرت الأزمات اشتعالا بين البلدين خلال العام الجاري فقط، حيث ادعى وزير خارجية السودان إبراهيم غندور، الإثنين الماضي بأن مصر تتخوف من سد النهضة الإثيوبي لأنه “سيمكن السودان من استخدام كامل حصته في مياه نهر النيل التي كانت تمضي لمصر على سبيل الدين منذ عام 1959”.

وأكمل في مقابلة تلفزيونية إن سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على مجرى النيل الأزرق، يحقق للسودان مصالحه “لذا يقف السودان مع مصالحه، رغم أنه شدد مراراً أن حصة مصر في مياه النيل وفقاً لاتفاقية 1959 بالنسبة له خط أحمر”، مضيفا: “بصراحة ولأول مرة يقول سوداني بهذه الصراحة، السودان لم يكن يستخدم كل نصيبه في مياه النيل وفق اتفاقية 1959، وسد النهضة يحفظ للسودان مياهه التي كانت تمضي لمصر في وقت الفيضان ويعطيها له في وقت الجفاف”.

وتابع في مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”: “هناك اتفاق بين السودان ومصر على أن هذا النصيب هو دين بحسب اتفاقية 1959 الآن ربما يتوقف الدائن عن إعطاء هذا الدين وواضح أن المدين لا يريد لهذا العطاء أن يتوقف”.

تصريحات غندور أثارت حفيظة مصر، ليرد وزير الخارجية المصري سامح شكري، قائلا: “السودان يستخدم كامل حصته من مياه النيل والمقدرة بـ18.5 مليار متر مكعب سنويا منذ فترة طويلة، وفي سنوات سابقة كانت القدرة الاستيعابية للسودان لتلك الحصة غير مكتملة، وبالتالي كان يفيض منها جزء يذهب إلى مجري النهر بمصر بغير إرادتها وبموافقة السودان”.

واستطرد: “فائض مياه السودان كان يشكل عبئا وخطرا على السد العالي نتيجة الزيادة غير المتوقعة في السعة التخزينية له، خاصة في وقت الفيضان المرتفع، الأمر الذي كان يدفع مصر إلي تصريف تلك الكميات الزائدة في مجرى النهر أو في مفيض توشكى خلف السد دون جدوى”.

وأضاف وزير الخارجية أنه من المستغرب طرح الأمور على هذا النحو، بل والحديث عن دائن ومدين في العلاقات المائية بين البلدين، وهو الأمر غير الوارد اتصالا بالموارد الطبيعية.. ومن غير المفهوم تداول هذا الموضوع في التوقيت الحالي وسط خضم إعاقة الدراسات الخاصة بتأثير سد النهضة على استخدامات الدولتين من مياه النيل، وعدم موافقة السودان وإثيوبيا علي التقرير الاستهلالي المقدم من المكتب الاستشاري الفني والمتخصص والمحايد.. وتساءل عن أسباب ودوافع إطلاق مثل تلك التصريحات غير الدقيقة في هذا التوقيت.

ربما يعجبك أيضا