هل تنقذ مصر المصالحة الفلسطينية قبل فوات الأوان؟

محمود

رؤيـة – محمد عبد الكريم

رام الله – تشير تصريحات ومواقف طرفا الانقسام الفلسطيني، إلى أن الموسم الجديد من مسلسل المصالحة مصيره الفشل، كما سبقه من جولات، ما اضطر الراعي المصري إلى التدخل سريعًا لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان.

وبدأت التصريحات من القيادي في حركة “حماس”، صلاح البردويل، الذي شن هجوماً لاذعاً على السلطة وقيادات “فتح” الذين غيروا مسار اللقاءات الأخيرة في القاهرة في 21 و22 من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والتي كان يفترض أنّ تناقش ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ككل، واقتصرتها “فتح” على ملف تمكين الحكومة.

ورد القياديان في “فتح” حسين الشيخ وعزام الأحمد على البردويل بعنف، ودعا الأخير حركة “حماس” لتقول لموظفيها “الزموا بيوتكم”، ومن ثم تسلم الوزارات والأمن وكل شيء لحكومة الوفاق الوطني، فيما قال الشيخ إنّ السلطة تريد سلاحاً واحداً في غزة.

وعادت “حماس” لترد عبر مؤتمر صحافي، لعضو مكتبها السياسي، خليل الحية، الذي أكدّ أنّ حركته ماضية في المصالحة وتطبيق ما اتفق عليه، مع تجديد الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بدل حكومة الوفاق التي وصفها بـ”العرجاء”، والدعوة لوقف السجال الإعلامي.

ولم تتوقف التصريحات عند هذا الحد، ففتحت وسائل إعلام كل طرف منابرها للهجوم على الآخر، بعد أكثر من شهر من التهدئة الإعلامية بين الجانبين. وعاد السجال الإعلامي ليسيطر على المشهد، الأمر الذي استدعى من مصر إرسال وفد أمني للضفة ومن ثم لغزة، لمتابعة تمكين الحكومة، وتحميل الطرف المسؤول عن التعطيل مسؤولية ما يجري.

ويمكن القول، إنّ المصالحة الفلسطينية كانت تسير ببطء، لكنها لم تكن متعثرة، إلى أنّ جاء اللقاء بين الرئيس محمود عباس وولي العهد السعودي محمد بن سلمان أخيراً، ما قلب الموازين، وغيّر من لهجة السلطة تجاه ملف المصالحة وانهاء الانقسام.

ورغم أنّ اللقاء لم يتسرب عنه الكثير، إلا أنّ المعطيات التي جاءت بعده تؤكد أنّ السعودية وضعت شروطاً لتمويل المصالحة الفلسطينية ومضيّها للأمام، من بينها، طلبها قطع الاتصال بين “حماس” وإيران وحزب الله.

إحباط و فشل، انعكس على الشارع الفلسطيني، خاصة عقب البيان الصادر في القاهرة والذي لا يلبي أدني طموحات المواطن الفلسطيني، ويؤكد على عدم تحقيق أي اختراق في الملفات المطروحة، وأهمها رفع العقوبات عن قطاع غزة، بينما رأى آخرون أن أسوء مصالحة أحسن من أحسن انقسام.

ويقول المحلل السياسي هاني المصري، أظهر اجتماع القاهرة حقيقة أن الاتفاق الثنائي ببن “فتح” و”حماس” هش وشكلي، إذ اقتصر على تمكين الحكومة أولًا من دون وضع معايير وسياسات موجهة وسقف زمني، وهذا اتضح في الاختلافات حول ما اتفق عليه، التي ظهرت من خلال:

– خلاف حول تفسير التمكين، بين فريق يرى أنه تحقق أو يكاد أن يتحقق بعد حل اللجنة الإدارية وتسليم الوزارات والمعابر، وفريق آخر يتباين أفراده بين من يعتبر أن التمكين تحقق بنسبة 5%، أو 50%، أو يمكن أن يتحقق خلال ربع ساعة، أو لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال فرض سيطرة كاملة للحكومة تشمل قرارًا واحدًا وسلاحًا واحدًا، في إشارة ضمنية إلى نزع سلاح المقاومة، وهذا يعني أن التمكين لن يتحقق حتى إشعار آخر.

– خلاف حول تشكيل ومهام اللجنة الإدارية والقانونية بخصوص الموظفين. فـ”حماس” تصرّ على ضم ثلاثة من طرفها حتى تكون لجنة متوازنة توافقية، وأن هذا ما اتُفق عليه في القاهرة، أما “فتح” فتنفي ذلك، موضحة أن الثلاثة المتفق على ضمهم ليسوا أعضاء في اللجنة وإنما استشاريون واختصاصيون، في حين أن الراعي المصري حائر بين وعده بأن يضم الثلاثة إلى اللجنة ورفض “فتح” والحكومة ذلك.

يفتح هذا الخلاف بوابة جهنم من خلال عدم اعتراف “حماس” بما تقرره اللجنة إذا جاء لهضم حقوق موظفيها المدنيين والأمنيين الذين اتفق على اعتمادهم كلهم، مع مرونة في الدرجات والمواقع، بدليل الالتزام كما جاء في الاتفاق بصرف نصف راتب لهم مع نهاية الشهر الجاري.

وإذا لم يصرف لهم بحجة عدم اكتمال التمكين أو بذريعة عدم توفر الأموال فسنكون أمام أزمة كبيرة، لذا لا معنى للحديث عن ذهاب الموظفين العاملين إلى بيوتهم، لأنه وصفة لفشل مؤكد.

– خلاف حول صلاحيات الوزراء خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في شباط القادم، إذ تقول “حماس” إن الاتفاق تضمن عدم المساس بالموظفين الذين هم على رأس عملهم، مع حق الوزير أن يضيف طاقمًا صغيرًا لمساعدته في عمله. أما “فتح” فتقول إن من حق الوزير أن يستدعي أيًا من “المستنكفين”، وأن يمارس صلاحياته كاملة وفقًا للقانون.

وهذه نقطة خلاف كبيرة ووصفة مؤكدة لحدوث أزمات وانفجارات، إذ تترك المسألة تحت رحمة كل وزير بدلًا من الاتفاق على سياسة واضحة ملزمة ومهنية وعادلة يطبقها كل الوزراء.

– تأجيل دمج وإعادة بناء وتوحيد الوزارات والأجهزة الأمنية، في حين أن الحاجة ملحة لذلك، لأن عدم عمل القائمين إلى حين انتهاء اللجنة الإدارية والقانونية من عملها، وعدم الاعتماد على الذين على رأس عملهم؛ سيؤدي إلى فراغ أمني وإداري ينذر بالفوضى والفلتان الأمني.

– تأجيل الملفات الأخرى، مثل: البرنامج السياسي، والمنظمة، وحكومة الوحدة الوطنية، والانتخابات، إلى حين تمكين الحكومة، مع أن التمكين النموذجي، مثلما هو حاصل في الولايات المتحدة كما قيل، مستحيل، لأننا في وضع استثنائي، ولأن التمكين ليس قرارًا فلسطينيًا فقط، بل تتدخل فيه أطراف عدة أولها وأهمها إسرائيل وأميركا اللتان تريدان “تمكينًا” يعزل “حماس” ويبذر بذور الفتنة بين الفلسطينيين.

ربما يعجبك أيضا