إشكالية الاتحاد الأوروبي وأفريقيا حول الهجرة غير الشرعية والمقاربة الأمنية

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

اجتمع زعماء من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي يوم  29 نوفمبر 2017 في مدينة أبيدجان، عاصمة ساحل العاج في قمة أوروبية ـ أفريقية على مدى يومين، للاتفاق حول خطة إجلاء تسمح بإعادة توطين المهاجرين الأفارقة من ليبيا، وتسريع إعادة توطين المهاجرين إلى دولة ثالثة.

وتمّ التوصل إلى الاتفاق خلال اجتماع طارئ حول أسواق الرقيق المهاجرين في ليبيا، وهو موضوع سيطر على أعمال القمة الخامسة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في أبيدجان، العاصمة التجارية لكوت ديفوار.

انعقاد هذه القمة تعكس تزايد اهتمام دول الأتحاد الأوروبي بموضوع الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية، ودول حوض البحر المتوسط، ومساعيها بالحد من تجارة البشر.

دول الاتحاد الأوروبي من جانبها، تسعى، الى استنساخ اتفاقها مع تركيا خلال شهر مارس 2016 ، الذي توجب على اليونان بموجبه إعادة طالبي اللجوء والمهاجرين، الذين يصلون بأعداد هائلة إلى تركيا.

تقارير المنظمة الدولية للهجرة
 

كشفت تقارير المنظمة الدولية للهجرة، عن  مصرع 3000 مهاجر على الأقل منذ مطلع اعام 2017 خلال عبورهم البحر المتوسط باتجاه السواحل الأوروبية. وأكدت أ أن أكثر من 33 ألف شخص غرقوا وهم يحاولون الوصول إلى شواطئ أوروبا وأفادت آخر الأرقام التي نشرتها المنظمة الدولية للهجرة  يوم 28 نوفمبر 2017 عن وصول حوالى164 الف مهاجر ولاجئ إلى أوروبا بحرا منذ الأول من يناير 2017 مقابل حوالى 248600 في 2016، بينهم 75% إلى إيطاليا.

مساعي أوروبية لوقف الهجرة غير الشرعية

أعلنت الحكومة الفرنسية، أن اجتماعًا طارئًا عقد  على هامش القمة الأوروبية الأفريقية، بمشاركة فرنسا والنيجر وتشاد والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي لبحث مكافحة مهربي المهاجرين الذين يباعون رقيقا في ليبيا. وأوضحت الرئاسة الفرنسية أن الاجتماع الذي يعقد على هامش القمة الأوروبية الأفريقية في أبيدجان سيناقش خصوصا “مبادرة” الرئيس إيمانويل ماكرون للتصدي للمهربين والتي في واجادوجو، وذلك بمشاركة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

شددت المستشارة أنجيلا ميركل يوم 29 نوفمبر 2017 على أهمية إنهاء التهريب والعبودية وإيجاد سبيل قانوني للأفارقة كي يأتوا إلى أوروبا.

اما رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر  فطالب بفتح طرق شرعية للهجرة في اتجاه بلدان الاتحاد الأوروبي. وأكد يونكر أنه لا يحق السكوت أمام “تجارة العبيد” التي يخضع لها اللاجئون في ليبيا. واعترف يونكر بان مطالبه لم تحظى بتجاوب دول الاتحاد الاوروبي.

وأكد يونكر أنه يتعين العمل بحسم أكبر مما هو عليه الحال الآن على إعادة المهاجرين الذين ليس لديهم حق في اللجوء إلى أوطانهم، حتى يتم مساعدة المعوزين حقا للمساعدة. كما دعا يونكر الدول الأعضاء في الاتحاد إلى المزيد من التضامن وتقديم المساعدات المالية لأفريقيا.

الموضوع مرتبط بقضية مسك الحدود الخارجية إلى دول الاتحاد، وإلى أمن هذه الدول التي باتت مهددة بسبب موجات الهجرة واللجوء، عبر السواحل الليبية.

تطبيق خطة مارشال في أفريقيا

ما تسعى له دول أوربا تحديدا ألمانيا وفرنسا، هوتطبيق خطة مارشال في دول أفريقيا ودول حوض البحر المتوسط. تسعى ألمانيا ألمانيا إلى تبني مشروع مارشال في أفريقيا، لتنشيط أعمالها التجارية مع أفريقيا كقارة واعدة اقتصادياً، ولكي توفر وظائف في دول القارة جنوب الصحراء لإيقاف الهجرةغير الشرعية. وهنالك  بالفعل خطة ألمانية مع أفريقيا تبنتها وزارة التنمية الألمانية، وتعمل حالياً على وضع إطار عام لها مع الشركاء الأفارقة.

ويقول وعضو مبادرة “أفريقيا جنوب الصحراء للاقتصاد الألماني”، هاينتس ـ فالتر غروسه في تعليقات لموقع “دويتشه فيله” الألماني، أعتقد أن القارة الأفريقية تطورت على نحو يثير اهتمام الشركات الألمانية.

وتوجد في ألمانيا حالياً حوالي 1000 شركة ألمانية لديها أعمال تجارية وصفقات مع الدول الأفريقية، وينظر الألمان إلى هذا العدد بأنه قليل. وقال فالتر غروسه: “يجب علينا فعلاً النظر بانتقاد لهذا الأمر”.

لكنه يشير إلى أن أفريقيا لا تمثل سوى 1.5% إلى 2% من حجم التجارة الألمانية. ويضيف أن هذا ينطبق أيضاً على الشركات التي تدير أنشطتها التجارية في أفريقيا. ويقول لا توجد شركة تحقق أكثر من 2% من عائداتها في أفريقيا.

النتائج

أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون خلال القمة الاوروبية الافريقية، مبادرة أوروبية أفريقية لضرب شبكات التهريب التي تستغل المهاجرين الأفارقة والذين بيع عدد منهم عبيدا، ووعد ماكرون بإرساء علاقات جديدة مع الدول الأفريقية مبنية على الشراكة وليس الإملاء. فرنسا ما زالت فاعلة في القارة الأفريقية، وهي تحاول من خلال الاتحاد الأوروبي تعزيز وجودها، وذهب فرنسا أبعد ذلك لجر ألمانيا أيضا معها في أفريقيا ومطالبتها بدعم القوات الفرنسية هناك. هذه الجهود تعكس ثنائية باريس وبرلين في قيادة الاتحاد الأوروبي والخروج من الحالة النمطية والتفكك.
 
المشكلة التي تواجهها القمة، بأنه لحد الآن لم تطرح إستراتيجية أو موقف أوروبي موحد، وما يعزز ذلك هو انعقاد اجتماعات ثنائية على هامش القمة.

تنظر دول الاتحاد الأوروبي إلى مشكلة الهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا وحوض البحر المتوسط، على أنها ذات خلفية اقتصادية، تتعلق بالتنمية والاقتصاد والبطالة، بالتزامن مع اعتماد دول الاتحاد على المقاربة الأمنية بالنظر إلى المشكلة، تحديدا أن أوروبا تنظر إلى موضوع الهجرة فقط من ناحية أمنها القومي. هذه المقاربة هي استنساخ إلى رؤية الاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب، التي اقتصرت على عودة المقاتلين الأجانب أكثر من معالجات حقيقية للإرهاب والتطرف في أوروبا وفي دول المنطقة. المبادرة الفرنسية أيضا تضمنت ترحيل اللاجئين من ليبيا ربما إلى دولة ثالثة أو إلى أوروبا.

إن اعتماد العلاقات الثنائية في حل مشاكل أفريقيا دون وجود موقف أوروبي موحد، يمثل إشكالية في حل المشاكل.

السؤال، هو مدى قدرة دول الاتحاد الأوروبي على حل مشاكل أفريقيا، موضوعات التنمية والاقتصاد ؟ وانعكاساتها على قضية الهجرة غير الشرعية عبر السواحل الليبية؟

إن مشكلة دول أفريقيا الاقتصادية والتنموية وحتى السياسية، هي خارج قدرات دول الاتحاد الأوروبي، وسبق أن عقدت الكثير من الاجتماعات والقمم، بين القارة الأفريقية وأوروبا ، ولن تأتي بنتائج، اجتماع قمة أبيدحان، ممكن وصفه بأنه رد فعل سريع، نتيجة الانتقادات الموجهة إلى دول أوروبا والغرب، أمام مشاهد العبودية في ليبيا.

ما تحتاجه دول الاتحاد الأوروبي هو الكشف عن خطة واضحة لمعالجة الهجرة غير الشرعية من أوروبا، وإيجاد موقف أوروبي موحد، وعدم النظر إلى قضية أوروبا من منظور المقاربة الأمنية، بل من منظور شامل يقوم على الشراكة الاستراتيجية اكثر من ردود الافعال.

*باحث في قضايا الإرهاب والاستخبارات
 
 

ربما يعجبك أيضا