إيران وكوريا الشمالية .. صاروخ يجمعهما على عدو واحد

يوسف بنده

رؤية

كوريا الشمالية وإيران.. وجهان لعملة واحدة، فكلاهما لا يهدف إلى السلم العام ولا يحترم المعاهدات الدولية، ويتحديان المجتمع الدولي بصواريخهم الباليستية والنووية.

وتنتهك إيران بصواريخها بشكل واضح قرار مجلس الأمن 2231 لتشكل خطرًا أكبر من البرنامج النووي المجمد الذي كانت تسعى طهران من ورائه لصناعة قنبلة نووية.

حيث لم يعد خافيا التنسيق العسكري بين إيران وكوريا الشمالية في برامجهما الصاروخية، بل بات ملحوظا ضمن تحالف “الدول المارقة” كجبهة موحدة ضد الولايات المتحدة، التي تصنفهما كتهديدين متصاعدين للأمن والسلام للعالم بسبب أنشطة بيونج يانج العسكرية الاستفزازية، وبسبب تمادي طهران في دورها التخريبي بدعمها للإرهاب وتدخلها في شؤون المنطقة العربية.

وحسب تقرير جاس سولومون من معهد واشنطن: قال جوزيف ليبرمان، عضو مجلس الشيوخ الأميركي السابق ورئيس منظمة “متحدون ضد إيران النووية”، الشهر الماضي، إن طهران “تقوم بتطوير برنامجها الصاروخي بشكل فعال وبالتنسيق مع كوريا الشمالية، ولهذه الصواريخ قابلية لحمل رؤوس نووية”.

كما كشف محلل سابق في وكالة الاستخبارات الأميركية أن “إيران تتعاون مع كوريا الشمالية لتطوير برنامجها الصاروخي، ما يؤكد المعلومات السابقة عن التنسيق العسكري بين البلدين”.

وأظهرت تقارير سابقة أن الخبرة الكورية الشمالية استغلتها إيران منذ بداية تصنيع صواريخها الأولى، فجاءت الصواريخ الإيرانية نسخة طبق الأصل لتصميمات الصواريخ الكورية الشمالية.

وبدوره أشار معهد واشنطن للدراسات إلى اللقاءات الرفيعة المستوى التي جرت بين مسؤولي كوريا الشمالية وإيران في الأشهر الأخيرة، ورأى أنها مثيرة للقلق داخل الحكومة الأميركية بشأن عمق العلاقات العسكرية بين الخصميْن الأمريكييْن.

ففي سبتمبر الماضي أمرَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكالات الاستخبارات الأميركية بإعادة النظر من جديد في أي تعاون نووي ثنائي محتمل. إلّا أن المسؤولين في واشنطن وآسيا والشرق الأوسط الذين يتتبّعون مجرى العلاقة يشيرون إلى أن بيونج يانج وطهران سبق أن أشارتا إلى التزامهما بالتطوير المشترك لأنظمة قذائفهما ولبرامج أخرى عسكرية وعلمية.

وسعت كوريا الشمالية خلال السنة الماضية إلى تطوير قدراتها النووية وخصوصا تلك المتعلقة بالقذائف بعيدة المدى، فطوّرت قذائف عابرة للقارات قد تكون قادرة على استهداف الولايات المتحدة برؤوس حربية نووية.

وخلال الفترة نفسها رصدت وكالات الاستخبارات الأميركية العديد من المسؤولين الدفاعيين الإيرانيين في بيونج يانج، ما أثار المخاوف المتعلّقة باحتمال مشاركة التكنولوجيا المتقدمة الخطيرة بين البلدين. فقال مسؤول أميركي كبير يعمل حول قضية الشرق الأوسط “لا بدّ من فهم هذه الاتصالات كلّها بشكل أفضل. وسيكون ذلك من أهم أولوياتنا”.

لقاءات مثيرة للشك

يشير معهد واشنطن إلى أنه في أوائل أغسطس الماضي عمد كيم يونغ نام، الزعيم السياسي الثاني في كوريا الشمالية ورئيس هيئتها التشريعية إلى مغادرة بيونج يانج في زيارة مطوّلة إلى إيران.

وكان السبب الرسمي هو حضور تنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني، لكنّ الزيارة طالت ودقّت ناقوس الخطر في واشنطن والعواصم الحليفة. وقالت وسائل إعلام حكومية في كوريا الشمالية: إن الرحلة دامت أربعة أيام، لكنّ وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية أفادت بأن الرحلة دامت عشرة أيام، وأن وفدا كبيرا من كبار المسؤولين الآخرين كان يرافق كيم.

وكان كيم قد زار طهران للمرة الأخيرة قبل ذلك في سنة 2012 لحضور اجتماعٍ خاص بـ”حركة بلدان عدم الانحياز”، وهي هيئة تعود إلى حقبة الحرب الباردة وتتألف من أمم نامية كافحت في سبيل الاستقلال عن واشنطن والكرملين. غير أنّه فوّت معظم الأحداث المرتبطة بذلك المؤتمر، وركز بدلا من ذلك على توقيع اتفاق تعاون علمي ثنائي مع الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد.

وبحسب مسؤولين في الاستخبارات الأميركية بدا ذلك الميثاق شبيها جدًّا بالميثاق الذي وقّعته بيونج يانج مع سوريا في سنة 2002؛ وبعد خمس سنوات، دمّرت الطائرات النفاثة الإسرائيلية مبنى في شرق سوريا تعتقد الولايات المتحدة والأمم المتحدة أنه كان مفاعل نوويّا جاهز تقريبا للعمل بنته كوريا الشمالية.

وجدير بالذكر أنّ أحد المسؤولين الإيرانيين الذين حضروا اجتماع 2012 مع كيم كان رئيس “منظمة الطاقة الذرية” فريدون عباسي دوائي الذي عاقبته واشنطن والأمم المتحدة على دوره المزعوم في تطوير الأسلحة النووية.

وكذلك ركّزت رحلة كيم الأخيرة على أكثر من مجرّد تقديم الدعم لروحاني، وفقا لوسائل إعلام تابعة لكوريا الشمالية وإيران. فافتتح كيم ونائب وزير الخارجية تشو هوي-تشول السفارة الجديدة لبلدهما في طهران، وهي رمز للعلاقات المتوطدة بين الحكومتيْن. كما عقدا سلسلة من الاجتماعات الثنائية مع قادة أجانب، أتى الكثير منهم من بلدان قامت بعمليات شراء كبيرة لأسلحة كوريا الشمالية في العقود الأخيرة مثل زيمبابوي وكوبا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وناميبيا.

وتكثف إدارة ترامب الضغط الدبلوماسي على هذه البلدان كلّها بهدف قطع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع بيونج يانج ردا على وابل التجارب النووية والصاروخية التي أجراها النظام هذا العام.

وفي ما يخص تطوير القذائف، شكلت إيران وكوريا الشمالية جبهة موحدة ضدّ واشنطن في خلال إقامة كيم. فعلى غرار بيونج يانج، مضت إيران قدما مع سلسلة من تجارب القذائف الباليستية في الأشهر الأخيرة، على الرغم من مواجهة قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وإدانة إدارة ترامب.

وبعد لقاء رئيس البرلمان علي لاريجاني في أغسطس الماضي، أعلن كيم أنّ “إيران وكوريا الشمالية لهما عدو مشترك وهو الولايات المتحدة. ونحن ندعم بقوّة إيران في موقفها الذي يعتبر أن تطوير القذائف لا يحتاج إلى إذن من أي أمّة”.

وتدعو الاجتماعات التي لم تنقلها وسائل الإعلام الحكومية للقلق أكثر من غيرها بالنسبة إلى الحكومات الحليفة. ففي السنوات الأخيرة، رصدت الاستخبارات الأميركية والخاصة بكوريا الجنوبية نشاطا منتظما للزيارات بين مسؤولي إيران وكوريا الشمالية في محاولة للاشتراك في تطوير أنظمتهما الدفاعية.

وينتمي العديد من المسؤولين الكوريين إلى القطاع الدفاعي أو إلى هيئات مالية سرية تسأل مباشرة أمام كيم جونغ-أون، بما فيها “المكتب 39″ و”المكتب 99” لحزب العمال الكوري الحاكم.

ونقلت السلطات الأميركية في السنة الماضية أن تقنيي قذائف من إحدى أهم شركات الدفاع في إيران، وهي “مجموعة الشهيد همّت الصناعية”، سافروا إلى كوريا الشمالية للمساعدة في تطوير معزّز صاروخي للقذائف الباليستية يزن 80 طنا.

ويُزعَم أن أحد كبار المسؤولين في الشركة وهو سيّد جواد موسوي عمل جنبا إلى جنب مع “مؤسسة كوريا التجارية لتطوير التعدين”، التي فرضت عليها الولايات المتحدة والأمم المتحدة عقوبات بسبب قيامها بدور محوري في حيازة المعدّات لبرامج بيونج يانج النووية والمتعلقة بالقذائف التسيارية. فعلى سبيل المثال، شحنت “مجموعة الشهيد همّت” بشكل غير قانوني صمّامات وأجهزة إلكترونية ومعدّات قياس إلى “مؤسسة كوريا التجارية لتطوير التعدين” بغية استخدامها في التجارب الأرضية لمركبات الإطلاق الفضائية والقذائف التسيارية ذات الوقود السائل.

تنسيق عسكري

أوضح معهد واشنطن أن كوريا الشمالية برزت كشريك أساسي في تحالف الدول والميليشيات والحركات السياسية المعروفة بـ”محور المقاومة”، التي طوّرتها إيران لتحدّي سلطة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من جهة، وممارسة دورها التخريبي والفوضوي والتطرف بالعالم العربي من جهة أخرى.

وأدّت بيونج يانج دورا زائدا مهما بالأسلحة والمعدات لأهم حليف عربي لإيران، أي للنظام السوري برئاسة بشار الأسد، في خلال الحرب الجارية في البلد. كما حاز الحوثيون، الحركة المتمردة على الشرعية اليمنية، على أسلحة من كوريا الشمالية في جهودهم الهادفة إلى الإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليا، بحسب مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين.

علاوة على ذلك، بدا أنّ الرحلة التي قام بها كيم يونغ-نام في أغسطس لاقت دعما رسميا من روسيا والصين. ففي طريقه إلى إيران، سافر أوّلا إلى فلاديف وستوك على الخط الجوي التابع لكوريا الشمالية “طيران كوريو”، الذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في ديسمبر 2016 بسبب المساعدة الماليّة التي يقدّمها إلى نظام كيم وبرنامجه الصاروخي. ثم توجّه إلى طهران عبر الناقل الجوي الرسمي لروسيا “إيروفلوت”، مرورا بالمنطقة الجوية الصينية.

ويخلص معهد واشنطن إلى أن السؤال الأكثر إلحاحا مستقبلا هو ما إذا كان سيبرز دليل قاطع يثبت التعاون النووي المباشر بين إيران وكوريا الشمالية؟ لكن المعارضة الإيرانية تؤكد أن بعض كبار المسؤولين في النظام زاروا كوريا الشمالية لمشاهدة قسم من تجاربها الست الخاصة بالأسلحة النووية. وتضيف أن رئيس هؤلاء المسؤولين هو محسن فخري زاده، وهو ضابط إيراني اتّهمته الأمم المتحدة بالعمل بشكل وثيق مع فريدون عباسي دوائي حول بحوث سرّية متعلقة بالأسلحة النووية.

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في الاستخبارات الأميركية إنه لا يمكن استبعاد هذه الاتهامات، لذا يجب مراقبة كل الاتصالات المعروفة بين النظاميْن عن كثب.

ربما يعجبك أيضا