بعد قرار “ترامب” بشأن القدس .. اليسار الإسرائيلي في بوتقة اليمين

محمد عبد الدايم

رؤية – محمد عبد الدايم

بعد فوزه برئاسة حزب هعفودا (العمل) توجه آفي جفاي مع ابنه إلى حائط المبكى (حائط البراق)، ثم أعلن أن القدس ستظل دائما عاصمة إسرائيل.

جاء تصريح جفاي تماشيا مع تصريح سابق له قبل فوزه برئاسة الحزب، حيث أعلن تمسكه بالقدس، وأوضح أن المهم هو قلب المدينة ممثلا في حائط المبكى، فالقدس هي بمثابة رمز للإسرائيليين، لا يمكن التفريط فيه، رغم أنه صرح بأن القدس ليست كلها للإسرائيليين، لذا يوافق على منح الفلسطينيين السيطرة على بعض المناطق المحيطة بها.

القدس الإسرائيلية أهم من السلام:-

بعد إعلان الرئيس الأمريكي ترامب عن نيته نقل سفارة الولايات المتحدة لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس باعتبارها “عاصمة” لإسرائيل، سارع جفاي بإعلان تأييده لقرار ترامب، وأعرب عن سعادته الشديدة للقرار الأمريكي المنفرد، باعتبار أن هذا القرار يتماشى مع “رغبة 98% من الإسرائيليين”، فالقدس بالنسبة لهم رمز ديني وسياسي لا يمكن التفريط فيه، ويجب أن تكون موحدة تحت سيطرة إسرائيل، فالقدس الموحدة أهم من السلام مع الفلسطينيين.
حلم الآباء:-

صرح جفاي بأن إعلان ترامب قد جاء ليحقق “حلم والديه” اللذين هاجرا من المغرب في خمسينيات القرن الماضي، ودعا إلى عدم اعتبار الأمر سياسيا بالدرجة الأولى، فالقدس بالنسبة له وللإسرائيليين أكبر من كونها عاصمة سياسية، ولم تكن أبدا في مجال النقاش أو التفاوض، ودعا دول العالم كافة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

واقتبس جفاي مقولة الزعيم الأسبق لحزب العمل يتسحاق رابين حين قال: “إذا أخبرونا أن ثمن السلام هو التنازل عن القدس الموحدة تحت سيادة إسرائيل سأجيبهم: لا نريد سلاما”.

ديمقراطية الإقصاء:-

وتطرق جفاي إلى تصريحات عضو الحزب زهير بهلول، معتبرا أن ما قاله الأخير يندرج تحت تصنيف الخلافات الديمقراطية في الرأي، لكن بالنسبة لموضوع القدس “لا رأي آخر”، وكان بهلول قد أعلن رفضه لقرار ترامب، واعتبر أن رئيس حزبه آفي جفاي قد تحول إلى عضو بالليكود أكثر منه زعيما لحزب العمل.

بينما قال جفاي: إن تصريحات زهير بهلول لا معنى لها أمام توجه 23 عضو كنيست عن المعسكر الصهيوني لا يختلفون جميعا عن فكرة القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.

وكان “بهلول” قد أثار غضب “جفاي” حين رفض المشاركة في الاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور، وتواترت الأنباء أن رئيس حزب العمل قد قرر استبعاد بهلول من المشاركة في انتخابات الكنيست القادمة ضمن قائمة حزب العمل، والسبب من منظور جفاي أنه “سأم من مثل هذا التطرف”.

البديل الباهت لليكود:-

في المقابل هاجم زعيم حزب ميرتس إيلان جيلئون تصريحات جفاي، معتبرا أنه قد حول حزب العمل إلى مجرد فراغ أيديولوجي، مضيفا أنه يهدم أية فرصة لاتفاق سلام مستقبلي، ليتحول حزب العمل إلى بديل باهت لحزب الليكود اليميني.

اليسار الإسرائيلي في بوتقة اليمين

مع فوز آفي جفاي برئاسة حزب العمل الإسرائيلي تحولت الأنظار إلى اليسار الصهيوني مجددا، باعتبار أن جفاي ربما يقود حزب العمل ليتصدر المشهد السياسي الإسرائيلي مجددا، كما ظهرت بعض الرؤى الحالمة التي تستشرف مستقبلا سياسيا يتبلور على أيدي المعتدلين من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وألبست هذه الرؤى جفاي عباءة القائد اليساري الذي يستطيع أن يضع يده في يد نظيره الفلسطيني ليشكلا معا خارطة طريق للسلام تدوم هذه المرة.

بأريحية كبيرة؛ يمكن اعتبار هذه الرؤى والتوقعات محض سذاجة سياسية، وقصر نظر متناه، لأن مفهوم اليسار في إسرائيل أبعد ما يكون عن المفهوم العالمي لليسار المعارض في أي محيط سياسي آخر، ناهيك عن تراجع اليسار في كثير من الأنظمة السياسية في العالم في مقابل المد المتنامي لقوى اليمين المتشدد، وارتفاع أصوات “القوميات” المعتمدة على إرث ثقافي أو سياسي، علاوة على صعود نجم القيادات السياسية التي تحمل أيديولوجيات أقل ما توصف بأنها “غريبة الأطوار”.

على الجانب الآخر؛ لم تكن الهالة الإعلامية التي صاحبت فوز آفي جفاي خادعة للمراقبين، رغم التضخيم الذي صاحب فوزه على عمير بيرتس، واعتبار ذلك بارقة أمل جديدة وفقا للأوساط الإعلامية المحسوبة على اليسار. 

بعيد فوزه برئاسة حزب العمل، أدلى جفاي بعدة تصريحات سياسية لا تختلف في مضامينها عن مجمل ما يعلنه اليمين الإسرائيلي الحاكم، ابتداء من وصف الاستيطان بأنه “الوجه الجميل للصهيونية”، مرورا برؤيته لضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على منطقة غور الأردن، وهي ذات الرؤية التي تحدث عنها رئيس الوزراء اليميني نتنياهو الذي اعتبر غور الأردن بمثابة حزام دفاعي لإسرائيل لا سبيل للتخلي عنه.

رفض جفاي إخلاء المستوطنات الإسرائيلية، كما كرر التصريح الممجوج ذاته بأنه “لا يوجد شريك فلسطيني لمفاوضات التسوية”، كما دعا إلى تقوية جيش إسرائيل، وإلى توصيل رسالة مفادها أن إسرائيل دولة قوية ويجب أن يخاف منها العرب.

أعلن جفاي صراحة رفضه الشراكة السياسية مع القائمة العربية المشتركة إزاء استعداد حزبه لمواجهة الليكود في أي انتخابات مقبلة، وذلك بسبب غياب الأرضية المشتركة بين الطرفين، في الوقت الذي يتحالف فيه حزب العمل مع “فلول” اليمين المعروفة في تكتل المعسكر الصهيوني، وفي هذا الإطار أكد على وجود تسيبي ليفني كحليف استراتيجي له، وهي التي خرجت من عباءة الليكود اليميني لتؤسس حزب هتنوعا (الحركة).

ذهبت معظم التحليلات السياسية إلى أن جفاي في مسعاه لتعديل وضعية حزب العمل يتزلف لناخبي اليمين الإسرائيلي، وليس في توجهه غرابة أو تجديدا، فأسلافه في حزب العمل لم تختلف توجهاتهم عن هذا النسق العنصري، لكن المشكلة هي أن البعض ما يزالون على عقيدتهم بتصنيف اليمين واليسار والوسط، رغم التأكد يوما بعد يوم أن هذا التصنيف لا يصلح لوضعية الأحزاب الإسرائيلية.

ليس “جفاي” الزعيم الوحيد الذي يتلفع بمواقف يمينية ليحاول الوصول إلى رئاسة الوزراء الإسرائيلية، لكن نفض التوجهات اليسارية بمثابة دستور عام لدى رؤساء الأحزاب في إسرائيل، لدرجة أنه لا يمكن الوصول لاختلافات واضحة بين أيديولوجيات رؤساء أحزاب الليكود بزعامة نتنياهو، والعمل بزعامة جفاي، وييش عاتيد بزعامة يائير لابيد، ويظل حزب ميرتس وحيدا دون تأثير يُذكر على الساحة السياسية.

ربما يعجبك أيضا