عهد التميمي.. طفلة قهرت جيشاً بأكمله

محمود سعيد

رؤية – محمد عبد الكريم

رام الله – “حتى أهلها وأقاربها لن يفلتوا من عقابنا لطردهم جنودنا، ومن يعتدي علينا بالنهار يعتقل بالليل” الكلام لما يسمى بـ”وزير أمن” الاحتلال أفيغدور ليبرمان وتعقيباً على تصدي الفتاة عهد التميمي (17 عاما) لجنوده وصفعها أحدهم خلال اقتحامهم منزل ذويها واستخدامه منصة لقنص الطفل محمد التميمي برأسه، والذي يرقد حاليا بحالة حرجة في قسم العناية المكثفة بمستشفى برام الله.

زعيم البيت اليهودي ووزير التعليم “الإسرائيلي” نفتالي بينت: “إنها (عهد التميمي) يجب أن تقضي سنواتها في السجن”.

صحيفة “معاريف” العبرية أنها “أهانت جنود وضباط جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويجب أن تنال عقابها”.

صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “لو كنت محل الجيش الإسرائيلي، كنت أفضل أن أكون ذكيا بدلا من أكون صادقا، ولم أكن سألقي القبض على الفتاة الفلسطينية، عهد التميمي.. بات الفلسطينيون الآن يستغلون اعتقالها لتعزيز صورة الخاسر: الجيش ضد فتاة.. لا تشكل عهد التميمي خطرا أمنيا”.

أهم المحللين العسكريين في إسرائيل من أمثال روني دانييل انشغلوا الليلة الماضية في الحديث عن عهد التميمي، تركوا أخبار العالم والنووي الكوري والملف الإيراني والصراع التاريخي وحروب الإقليم وانشغلوا بطفلة نجحت في جذب الأضواء لقضية عادلة، وكما هو متوقع، لم يصبر الاحتلال على انتصار طفلة.. فسارع جيشه ومخابراته لاعتقالها.

وبعد التقارير التي بثها تلفزيون إسرائيل أمس عن الطفلة عهد التميمي وعائلتها في بلدة النبي صالح برام الله.. تصدرت الصحف الإسرائيلية وتسابقت على خبر اعتقال عهد التميمي الطفلة التي منعت جيش الاحتلال من دخول ساحة منزل عائلتها قبل يومين في القرية، واقتحمت قوات الاحتلال ليلا القرية مدججين بالسلاح والعتاد والحراسة والدروع المضادة للرصاص، وخاض جيش الاحتلال ليحقق “انتصاره” على فتاة بعمر 17 عاما.

وجاء الاعتقال ردًا على فيديو انتشار على مواقع التواصل الاجتماعي حول قيام عهد بصفع جندي إسرائيلي حاول الاعتداء عليها وأسرتها.

فجر اليوم الثلاثاء، أكثر من 20 دورية عسكرية إسرائيلية داهمت قرية النبي صالح شمال غرب رام الله، واتجهت نحو منزل باسم التميمي بقصد اعتقال ابنته عهد، اعتدى جنود الاحتلال بالضرب على الموجودين بالمنزل، واستولوا على الكاميرات التي وثقت وحشية جنود الاحتلال خلال قمعهم للمسيرات المستمرة في القرية منذ عدة سنوات، وصادروا أجهزة الحاسوب، وقلبوا البيت رأسا على عقب.
حين كانت عهد طفلة، نُشر فيديو في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر عام 2012 التقطه المصور سامر نزال، وهي تلاحق جنود الاحتلال الذين اعتقلوا شقيقها خلال مواجهات اندلعت في القرية، كانت تطالبهم بإعادته والإفراج عنه.

على إثر هذا الفيديو، دعاها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان من أجل زيارته في العاصمة أنقرة، والمشهد نفسه تعاطف معه الملايين.

يوم الجمعة الماضية، أصيب الطفل محمد فضل التميمي (15 عاماً) برصاصة اخترقت وجهه واستقرت أسفل قاعدة دماغ رأسه، الجندي نفسه كان برفقة عدد من الجنود داهموا منزل عائلة باسم التميمي والد الفتاة عهد، وأطلقوا النار على الطفل من باحة منزلهم، العائلة حاولت طرد الجنود الإسرائيليين المعتدين على حرمة المنزل.

كمية التحريض التي مارستها الصفحات الإسرائيلية ووسائل الإعلام الإسرائيلي على مقطع الفيديو الذي انتشر لعهد وهي تصفع الجندي، كان مقدمة لاعتقالها، وهذا ما قاله وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينت “ينبغي حبس هؤلاء الفتيات ليقضين بقية حياتهن في السجن”، وجيش الاحتلال نشر تعليقاً على اعتقال الفتاة بالقول: “كان من الخطأ عدم اعتقالها في الحال، لأنها حاولت عرقلة مهمة الجنود”.
 
التحريض الإسرائيلي وبقيادة قادة ومسؤولين في جيش الاحتلال لاعتقال الفتاة، كان وفق الإعلام الإسرائيلي، إن الشعور العام كان أن الجيش الإسرائيلي قد تم إهانته، رغم أن الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي لا تعد ولا تحصى في اليوم الواحد.

عهد كانت قد أنقذت قبل عامين شقيقها 8 أعوام من بين أيدي جنود الاحتلال الذين تسابقوا لاعتقال طفل يده مكسورة، لتكون “تهمة” الطفلة اليوم، منع الجيش من اقتحام ساحة منزل عائلتها.

إن محمد باسم التميمي (12عامًا) يلهو بنبش عُش دبابير، على تلة تبعد 300 متر عن بيته بيد واحدة، بعد أن أصيبت يده اليسرى بكسر حين قفز من فوق سور هربا من سيارة عسكرية للاحتلال اقتحمت قرية النبي صالح.

بعدها بدقائق في يوم الجمعة الفائت 28 آب 2015، بُث مقطع فيديو وصور، لحدث شاهده الملايين حول العالم، جندي احتلالي يُهاجم محمد بقوة وعنف، ويلقيه أرضا، قبل أن تتمكن قريبات الطفل من تخليصه، بعد معركة صراع إرادات. فمن جهة كان إصرار الجندي على اعتقال محمد، وفي الجهة المقابلة إرادة والدته وشقيقته وقريباته، والتي كانت أقوى، وأعلنت النصر في حدث يعيد إلى الأذهان، مشاهد من يوميات الانتفاضة الأولى، نساء يصرخن على جنود الاحتلال في محاولة لتخليص شبان من قبضتهم، بينما يقوم الجنود بضرب النساء وإبعادهن، والإصرار على اعتقال الشبان، إلى أن ينتهي المشهد في الأغلب بتخليص الشبان من أيديهم.

تقول ناريمان التميمي (39 عاما) والدة محمد: كُنت مع قريباتي نتابع مجرى المسيرة الأسبوعية، فوق تلة قريبة، وكان محمد يلهو مع أطفال آخرين في عُش دبابير قريب، فجأة بدأ جنود الاحتلال بالاعتداء على المشاركين، بالرصاص وقنابل الغاز والصوت، وملاحقة الشبان بغية الاعتقال، فرأينا متضامناً أجنبيا مصابا، توجهنا إليه لمساعدته، وإذ بقريبي بلال التميمي يصرخ من بعيد: تعالوا تعالوا، فتوجهنا إليه قبل أن نكتشف أن مناداته كانت من أجل إنقاذ ابني محمد من قبضة جندي. وصلت في البداية ابنة عمه، حاولت التحدث إلى الجندي دون جدوى، ثم وصلت ابنتي عهد التي أيضا حاولت معه بالكلام، وحين وصلتُ من خلف الجندي أبعدته، لكنه شدّ محمد معه وفلت مني، فعاد هو ومحمد إلى الصخرة التي كان محمد يحتمي بها. حاولت ثانية، فأبعدته قليلاً لكنه مرة أخرى أمسك بمحمد وفلت مني، وبما أن محمد كان أمامه، فقد تحمل عبء التعرض للارتطام بالصخرة في المحاولتين، إضافة لوزن جسد الجندي الذي كان يسقط فوقه.

وتضيف ناريمان: خرج الجندي الذي أمسك بمحمد من بين أشجار الزيتون، ومعه نحو 20 جنديا كمنوا للمسيرة، وحين هرب الشبان لم يجد غنيمة إلا محمد، الطفل الذي كُسرت يده قبل ذلك بيومين فقط، وأيضا بسبب الاحتلال، حيث قفز عن سور بعد اقتحام قوات الاحتلال البلدة وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ما أدى إلى كسر في يده اليسرى، التي لم تشفع له أمام أحدث الأسلحة والصراخ والشتائم، عدا عن الضرب ورهبة الحدث الذي لم يتوقعه.

بعد الحادثة، بدأ الإسرائيليون ومجموعات متطرفة تهاجم العائلة وتدعو للانتقام منها، وتنشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياسة تحريضية واضحة، حتى المستوى السياسي حشد للهجوم على عائلة التميمي، فوزيرة الثقافة الإسرائيلية ريغيف، قالت: ‘على الجنود إطلاق النار على كل من يهاجمهم’، كما حرضت الصحافة الإسرائيلية، حيث كتبت ‘يديعوت أحرونوت’: وضعية يد الطفل تدل على أنه كان يرشق الحجارة.

أما محمد التميمي، فيقول: حماني في البداية شق صغير في الصخرة التي رماني عليها الجندي، تمسكت به بكل قوتي، وحين شاهدت أمي وشقيقتي والنسوة، أدركت أنهن سيحررني من الجندي الذي لم يتوقف منذ اللحظة الأولى لإمساكه عنقي، عن ركلي بقدميه وسلاحه، وخدشي في وجهي.

ليست هذه المرّة الأولى التي تتعرض فيها عائلة باسم التميمي لهذا الهجوم، والتي أطلقت على طفلها الثالث اسم محمد تيمنا باسم الشهيد محمد أبو لطيفة، الذي استشهد في رام الله عام 2002، وأطلقت اسم سلام على أصغر أفرادها بعد استشهاد سلام يعقوب عام 2004، وقد سبق هذا الاعتداء استشهاد شقيقة باسم، أم نزار (43 عاما) داخل محكمة الاحتلال في سجن رام الله عام 1993، بعد أن ضربتها شرطية بالسلاح وألقتها أرضا، ثم استشهد رشدي شقيق ناريمان في العام 2012، وأصيب باسم عدة مرات وتعرض للاعتقال 9 مرات، كما اعتقلت ناريمان 5 مرات، وابنهما وعد مرة واحدة، فيما أصيب ابنهما الصغير سلام (9 سنوات) قبل ثلاثة أعوام، بعيار مطاطي في القدم، وتعرضت عهد للضرب والتنكيل ثلاث مرات، أما محمد فقد أصيب بالرصاص عام 2010، كما تعرض للضرب قبل عامين، ثم للكسر في يده اليسرى قبل أيام، وأخيرا الاعتداء الوحشي عليه من قبل الجندي.

كعادتها قرية النبي صالح، غرب رام الله، تخرج بشبابها ونسائها وأطفالها، في مسيرة أسبوعية سلمية مناهضة للاستيطان، كل يوم جمعة منذ العام 2009 بشكل منتظم، لكن الجمعة الفائتة شسجلت حادثة مهمة في تاريخ الصراع على الحق بين أصحابه وأصحاب الباطل والادعاء، حيث رأى العالم الأم الفلسطينية تنتفض بلا رهبة من جبروت السلاح والقمع في يد الاحتلال، رافضة أن يُمس أبناؤها.

والد عهد نشر على صفحته على موقع الفيسبوك مشاهد لجنود الاحتلال لحظة اقتحامهم منزل العائلة لاعتقال عهد، ومصادرة كل أجهزة الكمبيوتر وكاميرات التصوير وأجهزة الاتصال الخاصة، حيث قام الجنود بالاعتداء بالضرب على الجميع وتفتيش المنزل.

كما وأظهرت مشاهد مصورة على صفحة الوالد أيضاً حوار العائلة مع الجنود الذين كانوا في المنزل لحظة محاولة اعتقالهم التميمي، وصراخ الأم على الجنود لأنهم منعوها من تصوير ابنتها عبر الهاتف الخليوي حيث قالت الأم إنه يحق لها تصوير ابنتها.

عهد التميمي اشتهرت بمشهد سابق تناقلته وسائل الإعلام العربيّة والعالميّة أثناء مشاركتها في مسيرة النبي صالح قبل سنوات، حين قامت بمواجهة جنود الاحتلال عقب اعتقال شقيقها وصرخت في وجه الجندي الإسرائيلي “وين وديتوه؟”، كما طالبت بالإفراج عنه بغضب وبعد أيام تمّ الإفراج عن شقيقها بكفالة مالية.

وحصلت التميمي على جائزة لمواظبتها على الاحتجاج من أجل القضية الفلسطينية، وأنشأت موقعاً إخبارياً من أجل نشر صورها وصور قريتها ليراها الفلسطينيون في الخارج، حيث قالت “آن الأوان أن يفهم الفلسطينيون في الخارج الصورة جيداً، حيث أصبحت هذه الصور سلاحاً قوياً من أجل إظهار الحقيقة وتحلم برؤية فلسطين حرة”.

وكانت عهد قد شهدت اعتقال والدتها ناريمان التميمي التي اعتادت أن تتقدم التظاهرات قبل أن يصيبها الاحتلال برصاصه الحي ثم يفرض عليها الإقامة الجبرية خلال المسيرات الشعبية. 

ربما يعجبك أيضا