“الانقلاب الشتوي”.. أطول ليالي العام ورمزية تاريخية سجلتها الحضارات

إبراهيم جابر

رؤية – إبراهيم جابر:

القاهرة – يشهد العالم بعد ساعات قليلة ظاهرة فلكية تعرف بـ”الانقلاب الشتوي”، والتي تتميز بعدد من الظواهر، حيث تصل الشمس إلى أقصى نقطة جنوب السماء ظاهريا وتقع مباشرة فوق مدار الجدي وفي جميع المواقع شمال خط الاستواء وتسجل أطول ليال العام، كما أنها ترتبط تاريخيا في الحضارات المختلفة بالعديد من الأمور التي كان تهم الإنسان في ذلك الحين.

“الانقلاب الشتوي”

ويعرف الانقلاب الشتوي بأنه “ظاهرة فلكية تميز يومها بأقصر مدة للنهار وأطول مدة لليل خلال السنة، وتستمر لمدة تصل إلى 90 يوما، فضلا عن كونها تسجل في ثانية واحدة، وتحدث بكل كواكب المجموعة الشمسية، والذي يحدث نتيجة ميل أحد أقطاب الكوكب نحو الشمس والأخر بعيدا عنه، فيعرف الأول باسم انقلاب يونيو والأخر بـ”الانقلاب الشتوي”.

وتتميز ظاهرة “الانقلاب الشتوي”، والتي تبدأ فلكيا في 21 ديسمبر في فصل الشتاء، بطول فترات الليل وقصر النهار، وتصل ذروتها في 21 ديسمبر حيث يصل طول الليل إلى 13 ساعة و57 دقيقة وهو أطول ليل خلال السنة، بينما يكون طول النهار 10 ساعات و3 دقائق وهو اقصر نهار خلال العام.

ويتداخل “الانقلاب الشتوي” عالميا في الثقافات بشكل مختلف من شعب إلى آخر، من ثقافة أخرى بما يميزه من مظاهر الأعياد والمهرجانات، والشعائر الدينية أو احتفالات أخرى بذات اليوم، فقد كانت الأحداث الفلكية دليلا تعرف به بعض النشاطات كالتزاوج عند الحيوانات أو تخزين مؤونات الطعام ترقبا للشتاء، وقد استنبطت العديد من التقاليد والأساطير من ذلك.

وبعد يوم الانقلاب الشتوي تبدأ الشمس بالصعود إلى الشمال في حركتها الظاهرية، حيث يتناقص طول الليل ويزداد طول النهار حتى يتساوى الليل مع النهار يوم 21 مارس من كل عام ليعلن بداية الربيع.

“الرمزية التاريخية”

يعتبر الانقلاب موعدا ممتازا في الدورة السنوية لبعض الثقافات حتى أيام العصر الحجري الحديث، وهو ما اكتشف من بقايا مواقع أثرية تعود إلى العصر الحجري الحديث المتأخر والعصر البرونزي مثل ستونهنج في انجلترا ونيوغرانغ بإيرلندا.

ويعد القاسم المشترك بينهما، هو مواجهتهما للنقطة شروق شمس الانقلاب الشتوي (نيوغرانغ) وغروبها (ستونهنج)، وكان هذا الحدث الفلكي  مهما لدى السكان، حيث يعبر عن فترة الجوع خلال الشهور الثلاثة الأولى من فصل الشتاء من يناير إلى أبريل في النصف الشمالي من الأرض ومن يوليو إلى أغسطس في النصف الجنوبي، وكانت تشتهر الفترتين بـ”شهور المجاعة”.

وارتبط الانقلاب الشتوي في المناطق المعتدلة بأنه الاحتفال الأخير بمنتصف الشتاء قبل الشتاء العميق، فكان سكان الأرض يقومون بذبح الحيوانات حتى لا تطعم خلال الشتاء، وتعلن عن انتهاء اختمار النبيذ والبيرة وأنها أصبحت جاهزة للاستهلاك خلال هذه الفترة، وكان  التركيز على الشعائر خلال تلك الفترة في بداية اليوم الوثني، والذي يصادف في عديد من الثقافات مساء اليوم ما قبل المنشود.

“حضارة الفراعنة”

تشهد مصر خلال ذلك الوقت من كل عام ظاهرة فلكية نادرة على المحور الرئيسي لمعابد الكرنك بالأقصر، وقدس أقداس معبد قصر قارون بالفيوم، لتؤكد ظاهرة تعامد وشروق أشعة الشمس على المعابد المصرية دراية القدماء المصريين بالحركة الظاهرية للشمس حول الأرض، حيث كانوا يقومون بتشييد المعابد مواجهة للشمس لتسجيل ظاهرة فلكية أو حدث يسجل مولد للإله أو لتسجيل أحداث فلكية، كما في معبد أبوسمبل الكبير بأسوان، والذي يسجل فيه التعامد بدء فصلي الزراعة والحصاد.

وتتميز ظاهرة معابد الكرنك في ذلك اليوم بأن زائري الكرنك سيتمكنوا من رؤية قرص الشمس وأشعتها التي تنتشر في جميع أرجاء المعبد، في حين أن ضوء الشمس فى معبد قصر قارون سينعكس على منطقة معينة أو تماثيل محددة فقط، وكان يحتفل “بإعادة ولادة السنة” كرمز لموت وولادة الآلهة.

وسيتمكن زائرو الكرنك من رؤية قرص الشمس، وهو يتوسط البوابة الشرقية، والتي تقع على المحور الرئيسى له، والذي يمثل أقصي الجنوب الشرقي للأفق الذي تشرق منه الشمس، والذي يحدد فلكيا بيوم الانقلاب الشتوى، وعقب ذلك ستكون الشمس عمودية على الأماكن المقدسة بالكرنك (الفناء المفتوح وصالة الأعمدة وقدس أقداس الإله آمون )، وتنتشر بداخلها عند منتصف النهار.

وبالنسبة لمعبد قصر قارون بالفيوم، فستشرق الشمس على قدس أقداس المعبد، الذى كرس لعبادة الإله سوبك “الإله ذو رأس التمساح”، وستتعامد الشمس أولا على قرص الشمس المجنح على مدخل المعبد، ثم تتعامد على المقصورة الوسطى والمقصورة اليمنى، ولكنها لا تتعامد على المقصورة اليسرى وربما يكون التعامد على تمثال الإله فى المقصورة اليمنى وعلى المركب فى المقصورة الوسطى، ولا تقترب الشمس من مومياء التمساح التي تمثل إله التمساح سوبك، لأن المومياء المفترض أنها في العالم الآخر المظلم.
 

ربما يعجبك أيضا