لماذا تحتمي قطر بصفقات السلاح الضخمة ؟

يوسف بنده

رؤية

قطر، وهي تسارع إلى عقد صفقات تسلّح بمليارات الدولارات، تعلم يقينا أنّها غير قادرة على التحوّل إلى قوّة عسكرية تستطيع حماية نفسها ذاتيا ضدّ أي تهديد، إن وجد فعلا، لكنّها تعي بالمقابل أنّ دورها في دعم الإرهاب الدولي آخذ في الانكشاف على نطاق عالمي، وأن المحاسبة ستطالها عاجلا أو آجلا، ما لم تبادر إلى استمالة القوى الكبرى باستخدام أموال الغاز.

سياسة شراء الحلفاء تفتح الباب لابتزاز قطر من قبل قوى أكبر منها خصوصا في ظل عزلتها وافتقادها للسند الخليجي والعربي.

فقد كُشف، الخميس، عن مساع قطرية لإتمام صفقة شراء أسلحة من روسيا، لتكون موسكو بذلك أحدث المستفيدين من سلسلة الصفقات باهظة الثمن التي سرّعت الدوحة من وتيرة عقدها بشكل متلاحق، وحرصت على تنويع مصادرها، لتشمل أغلب القوى العالمية من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وروسيا.

وتسود قناعةٌ عامّةٌ أوساطَ المراقبين والمحلّلين السياسيين والعسكريين الدوليين، أن هدف قطر من إبرام تلك الصفقات، التي لا تناسب بأي شكل الحجم بالغ الصغر لقواتها المسلّحة، لا عسكريا ولا دفاعيا، بقدر ما هو سياسي، يلخّصه هؤلاء بعملية شراء للحلفاء مع مراعاة عامل استرضاء مختلف الدول الكبرى ذات الوزن والتأثير العالميين.

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية، الخميس، عن مساعد الرئيس الروسي لشؤون التعاون العسكري، فلاديمير كوجين، قوله إن روسيا تجري مباحثات مكثفة مع قطر في مجال التعاون العسكري التقني.

وقال كوجين للصحافيين “في هذا العام لدينا شركاء جدد، الذين قبل عدة سنوات ربما لم يفكروا أصلا بشراء أسلحتنا، أنا أقصد قطر التي نجري معها مباحثات مكثفة للغاية في مجال التعاون العسكري التقني”.

وسبق لوزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، أن قام بزيارة رسمية إلى قطر حيث وقّع على اتفاقية التعاون العسكري بين موسكو والدوحة.

ويربط البعض “موجة” التسلّح القطرية بالأزمة القائمة بين قطر ومجموعة الدول العربية المقاطعة لها بسبب تهديدها للاستقرار الإقليمي ودعمها للمتشدّدين الإسلاميين في المنطقة؛ السعودية والإمارات ومصر والبحرين، لكنّ المطّلعين على الشأن الخليجي يؤكّدون انتفاء أي بعد عسكري لتلك الأزمة، ويشدّدون على عدم تعرّض قطر لأي تهديد من قبل جيرانها.

ويضيف هؤلاء أنّ قطر، ومهما بلغت قيمة وحجم مشترياتها من السلاح، لا يمكن أن تمتلك قوّة معادلة لقوّة جاراتها في المنطقة نظرا لصغر حجم قواتها المسلّحة.

ويتّضح، وفق مراقبين، أنّ لقطر هدفا بعيد المدى من شراء الأسلحة بالمليارات من كبار مصنّعيها الدوليين، وهو ضمان مظلّة دولية لها في ظلّ شعورها بهشاشة وضعها وضعف موقفها مع الانكشاف المتزايد لدورها في دعم الإرهاب عبر العالم.

سياسة شراء الحلفاء تفتح الباب لابتزاز قطر من قبل قوى أكبر منها خصوصا في ظل عزلتها وافتقادها للسند الخليجي والعربي.

وتخشى قطر، أن تصبح في وقت ما ملاحقة، بتهمة دعم الجماعات الإرهابية وتهديد الأمن والسلم الدوليين، ليس فقط من قبل جيرانها الخليجيين والعرب، ولكن أيضا من قبل إحدى الدول الكبرى، وأمام المنظمات والهيئات الدولية.

وعمليا فإنّ جميع الدول الكبرى المستفيدة من صفقات التسلّح القطرية، سبق لها أن اتهمت الدوحة، سواء عبر منابرها السياسية الرسمية، أو عبر إعلامها، بدعم الإرهاب وتمويل جماعاته في مناطق مختلفة من العالم.

وأبرمت قطر خلال الأشهر الأخيرة صفقات سلاح تفوق حاجتها الدفاعية، بل حتّى قدراتها على استخدامه، في حال تعرّضها لخطر حقيقي. ومن بين مقتنياتها الجديدة 24 طائرة تايفون بريطانية ومقاتلات آف 15 أميركية و24 مقاتلة من طراز رافال الفرنسية وسفن حربية من إيطاليا ودبابات من ألمانيا ومعدات عسكرية من تركيا.

وتقدّر قيمة تلك المشتريات دون اعتبار الصفقات القادمة من روسيا بأكثر من 22 مليار دولار. ومن أوّل من يعلم الخلفية السياسية لصفقات التسلّح القطرية، الدول التي تبيع السلاح للدوحة.

وسبق أن عبّر الخبير العسكري، فيكتور مورتاخوفسكي عن ذلك بوضوح حين قال إنّه “نظرا لصغر حجم الجيش القطري فإنّ أي صفقات شراء قطر لأسلحة من روسيا، لن يكون لها طابع عملي، بل سياسي، لأن هذه الدولة الغنية يمكنها أن تشتري منظومة صواريخ إس-400 فقط لاعتبارات تحسين العلاقات مع موسكو”.

وبشأن ما ينطوي عليه عقد روسيا لصفقات مع طرف متهم بالإرهاب من قبل موسكو ذاتها، من تناقض، شرح ذات الخبير في تصريحات لوكالة سبوتنيك “أنّ أيا من دول العالم لم تلتزم على مدار وجودها بنهج سياسي ثابت، وموسكو لديها خبرة لبناء علاقات التعاون العسكري التقني مع الدول التي كانت خصومها في السابق”.

وأوضح قائلا “التعاون العسكري التقني مع دول مثل قطر هو عبارة عن لعبة طويلة الأمد، على سبيل المثال، قمنا أيضا بتصدير الأسلحة إلى الباكستان التي كانت تدعم المجاهدين الأفغان ضدّنا”.

ولا تهمل روسيا بحدّ ذاتها تهم دعم الإرهاب التي تلاحق قطر. وسبق لرئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد للبرلمان الروسي، فيكتور أوزيروف، أن أشار بوضوح إلى أنّ بلاده “تدرس بعناية المعلومات التي تتحدث عن دعم الدوحة للإرهاب”.

ومع توالي أخبار صفقات التسلّح القطرية الضخمة، تطرح دوائر سياسية عربية، سؤالا بشأن مدى فاعلية ذلك في تجنيب الدوحة بشكل نهائي محاذير المساءلة والمحاسبة على دعم الإرهاب، مرجّحين أنّ اللجوء إلى مثل هذه الطريقة في شراء المواقف، يمكن أن يكون مؤثرا في مدى زمني محدود، لكنّه قد يأتي في مدى أطول بنتائج عكسية بأن يصبح بوابة لتنافس القوى الكبرى على الفوز بأكبر حصّة ممكنة من أموال الغاز القطري، ما يعني بالنتيجة تعرض هذا البلد الصغير إلى الابتزاز من قبل قوى أكبر منه خصوصا وقد بات معزولا في محيطه القريب وفاقدا للسند الخليجي والعربي بفعل سياسة قيادته الحالية.

ربما يعجبك أيضا